أقلام وأراء

اللواء محمد إبراهيم الدويرى يكتب – اليوم التالى للتهدئة بين إسرائيل وقطاع غزة

اللواء  محمد إبراهيم الدويرى*- 20/5/2021

اسمحوا لى أن أبدأ المقال بتوجيه سؤال عام إلى المجتمع الدولى بمؤسساته المختلفة والقوى العظمى والكبرى التى لديها مصالح فى منطقة الشرق الأوسط وسؤالى هو هل لم تعد المشكلات والنزاعات والصراعات والحروب التى تشهدها المنطقة تشكل تهديداً لاستقرار هذه المنطقة الإستراتيجية. ومن ثم يتم التعامل معها بهذا القدر من الاهتمام المحدود الذى لا يتناسب مع خطورة هذه المشكلات ولا نجد تدخلاً فعالاً من أجل منع انزلاق المنطقة إلى مرحلة من عدم الاستقرار قد يصعب احتواؤها.

ولاشك في أن ما دفعنى إلى طرح هذا التساؤل, أن التعامل الدولى مع الحرب الإسرائيلية الرابعة على قطاع غزة التى بدأت منذ يوم 11مايو الحالى والتى سبقتها محاولات تهجير قسرى لعائلات فلسطينية تقطن منذ عقود فىحى الشيخ جراح بالقدس الشرقية ثم اقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى كان تعاملاً روتينياً إلى حدٍ كبير ولم ينخرط بالجدية المطلوبة من أجل وقف هذه الحرب التدميرية غير المسبوقة وكأن الأمر لا يعنيه كثيراً.

لن أتطرق هنا إلى الحديث حول طبيعة هذه الحرب وأسبابها ونتائجها فقد كان كل ذلك واضحاً تماماً وكانت العمليات تدور أمام الجميع على الهواء، أما مسألة توقف الحرب والتوصل إلى تهدئة بين الجانبين، سواء جزئية أو شاملة ماهى إلا مسألة وقت مهما تأخرت قليلاً وسوف يتفق الطرفان فى النهاية بجهد مصرى أساساً وبمساعدة إقليمية ودولية على وقف العمليات والتوافق على مجموعة من التفاهمات المرضية مثلما كان يحدث فى كل مواجهة سابقة بين إسرائيل وقطاع غزة منذ عام 2009 . وبالتالى حتى نكون عمليين لابد من استخلاص الدروس المستفادة ليس فقط من واقع هذه الحرب ولكن من مجمل المواقف خلال السنوات الماضية التى شهدت جموداً فى عملية السلام ونتائج ثلاث حروب سابقة وتهدئات تم انتهاكها بكل سهولة، وهو ما يعنى أن التهدئة التى سوف يتم التوصل إليها لن تمنع اندلاع حرب خامسة أو سادسة، الأمر الذى يفرض أن نفكر فى كيفية أن ننطلق من هذه الحرب إلى إحداث تغيير حقيقى فى الوضع الراهن بالشكل الذى يمنع تكرار هذه الأحداث مرة أخرى.

يمكن القول إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة كانت ظاهرة كاشفة لخمسة أمور رئيسية وهى:

-أن حل القضية الفلسطينية بما يحقق طموحات الشعب الفلسطينى يعد أساس الاستقرار الحقيقى فى المنطقة ودون هذا الحل ستظل احتمالات تفجر الأوضاع واردة فى أى وقت.

– أن القدس تعتبر بمثابة الخط الأحمر فى هذه القضية ولن يقبل الفلسطينيون والعرب والعالم الإسلامى مطلقاً أى مساس بالمقدسات الإسلامية مهما يكن ثمن المواجهة ومهما تكن الإجراءات الإسرائيلية متواصلة فى مجال التهويد والتهجير وفرض سياسة الأمر الواقع.

-أن الشعب الفلسطينى لن يتقبل استمرار الوضع الحالى إلى مالا نهاية، ومن الخطأ أن تأمن إسرائيل أن هذا الشعب الذى مازالت تخضع أراضيه للاحتلال والاستيطان لن ينتفض لانتزاع حقوقه المشروعة وبالشكل الذى يراه مناسباً.

– إن نظرية الأمن الإسرائيلى هى نظرية نسبية فلا يمكن لإسرائيل تحقيق أمنها بالوسائل العسكرية أو الأمنية المتطورة فقط، وأن المدخل الوحيد للحفاظ على أمنها الخارجى وسلامة تركيبتها الداخلية يتمثل فى أن يكون للفلسطينيين دولة مستقلة تعيش فى أمن وسلام على أساس مبدأ حل الدولتين الذى يتبناه المجتمع الدولى كله فيما عدا الحكومة الإسرائيلية.

-أن الجانب الفلسطينى أصبح فى حاجة ملحة إلى أن تتوحد مواقفه حتى يكون قادراً على أن يتحرك بقوة فى المسار السياسى الذى لا مفر من اللجوء إليه مستقبلاً حيث إن العمليات العسكرية مهما تكن نتائجها قد تحرك الأوضاع، ولكنها لن تحسم أي معركة.

وفى ضوء ما سبق فإن هناك ضرورة للانطلاق من الأحداث الحالية بكل نتائجها نحو بلورة خطة عمل واقعية يمكن أن تغير الواقع الراهن إلى الأفضل، وفى هذا المجال أقترح أن يكون التحرك فى عقب التوصل إلى التهدئة فى الإطار الرباعى التالى:

– عقد مؤتمر دولى فى مصر لإعادة إعمار قطاع غزة وتجميع الدعم المادى اللازم فى هذا الشأن، ولعل القرار الذى اتخذه الرئيس عبد الفتاح السيسى خلال القمة التى عقدها سيادته فى باريس مع كل من الرئيس الفرنسى والعاهل الأردنى يوم 18 مايو الحالى بتقديم 500 مليون دولار لإعادة إعمار القطاع هو المقدمة الإيجابية لعقد هذا المؤتمر الدولى.

– قيادة مصر لتحرك إقليمى ودولى يهدف إلى تمهيد المجال أمام استئناف المفاوضات الفلسطينية/ الإسرائيلية من أجل الوصول إلى تطبيق مبدأ حل الدولتين، على أن يتم بدء التفاوض فى موعد قريب يتفق عليه وآمل ألا يتأخر عن شهر سبتمبر من هذا العام، وأقترح فى هذا المجال أن يتم عقد الجلسة الافتتاحية للمفاوضات فى مدينة شرم الشيخ على أن يعقبها بدء جلسات التفاوض المباشر طبقاً لما يتفق الطرفان عليه.

– قيام السلطة الفلسطينية باتخاذ الخطوات اللازمة من أجل إنهاء الانقسام بمساعدة مصرية، خاصة أن المصالحة لم تصبح فقط أحد الخيارات المطروحة بل أصبحت هى الخيار الوحيد لإعادة بوصلة الوضع الفلسطينى إلى الطريق الصحيح .

-التنسيق مع الإدارة الأمريكية بهدف الترجمة العملية لرؤيتها لحل الصراع الفلسطينى /الإسرائيلى استناداً على موقفها الإيجابى تجاه حل الدولتين ولاسيما بعد سقوط صفقة القرن المرفوضة فلسطينياً وعربياً ودولياً .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى