الكنيست الإسرائيلي ينهي عامه البرلماني الأول بتماسك أشد للائتلاف الحاكم وبدون تصدّعات في الليكود
برهوم جرايسي 12-8-2023: الكنيست الإسرائيلي ينهي عامه البرلماني الأول بتماسك أشد للائتلاف الحاكم وبدون تصدّعات في الليكود
أنهى الكنيست الإسرائيلي الـ 25، في الثلاثين من تموز الماضي، دورته الصيفية، وبالتالي أنهى عامه البرلماني الأول، الذي يجمع الدورة الشتوية أيضاً. وبرغم الصخب الذي شهده الكنيست، وبقدر أشد بكثير حملة الاحتجاجات الشعبية على مدى 7 أشهر، وما تزال متواصلة، إلا أن الائتلاف الحاكم، برئاسة بنيامين نتنياهو، الذي يرتكز على 64 نائبا، يُظهر تماسكا غير مسبوق منذ سنوات طوال، على مستوى الحكومات السابقة؛ فالنقاش الذي ظهر في حزب الليكود في الأيام الأخيرة، باعتراض البعض على الاستمرار بتعديلات قانون جهاز القضاء، دون البحث عن توافق واسع، هو مجرد نقاش داخلي، لا يعكس تمردا على نتنياهو، أو تمهيدا لتصدع في كتلة الليكود، الخاضعة كليا لإملاءات نتنياهو.
وقد بدأت الحكومة الإسرائيلية الجديدة عملها في اليومين الأخيرين من العام الماضي 2022، بمعنى أنه مرّ عليها ما يزيد عن 7 أشهر، وعلى الرغم من بعض المحطات القليلة، التي ظهرت فيها نقاشات، خاصة من كتلة “قوة يهودية”، بزعامة إيتمار بن غفير، الذي أطلق عدة تهديدات لشركائه، إلا أن الائتلاف بقي متماسكا، وهو يرتكز على 64 نائبا، ما يعزز الاستنتاج منذ الآن بأن الانتخابات البرلمانية المقبلة، ستكون في موعدها القانوني، في خريف العام 2026؛ وإذا تحقق هذا، فإنه لأول مرّة منذ العام 1988 ستجري انتخابات في موعدها القانوني؛ إلا أذا طرأت تطورات غير منظورة، تمنع شخص نتنياهو من الاستمرار في منصبه، مثل صدور قرار محكمة، وهذا احتمال ضعيف جدا، أو لأي سبب آخر. إذ دائما في موضوع مستقبل حكومات نتنياهو الأخيرة، نتوقف عند محاكمته بقضايا الفساد، التي انطلقت فعليا في شهر شباط من العام 2021، أي قبل عامين ونصف العام، سبقتها تحقيقات دامت أربع سنوات. ففي الشهر الماضي، تموز، أنهت محاكمة نتنياهو أحد فصولها المركزية، إلا أن خط النهاية في هذه المحاكمة يبدو أنه ما زال بعيدا بسنوات، في قضايا حينما تفجرت في نهاية العام 2016، ظنّ المحللون والمراقبون والمختصون، أنها ستُبعد نتنياهو عن الحلبة السياسية في غضون أشهر، أو في غضون عام على الأكثر. فقد أنهت المحكمة الاستماع إلى أبرز شهود النيابة العامة، من بينهم من انقلب على موقفه المعلن، وبات لصالح نتنياهو، وأعلنت النيابة الشهر الماضي أنه بعد استئناف جلسات المحاكمة في شهر أيلول المقبل، تحتاج لستة أشهر أخرى، على الأقل، لاستكمال عرض شهودها، لتبدأ جولة شهود الدفاع، وهذا يعزز التقديرات بأن هذه المحاكمة ينتظرها وقت أطول، وأن خيار التسوية ما زال معقدا، وزاد من تعقيداته تصريح مشترك للقضاة الثلاثة، غير مسبوق في قضايا حساسة كهذه، أكسب نتنياهو نقاطا، تبعده كما يبدو، عن التهمة الأخطر، وهي قضية الرشوة، إذ رأى القضاة أنه سيكون من الصعب على النيابة إثبات تهمة الرشوة في الملف الأكبر من بين الملفات الثلاثة.
والعامل المركزي، الذي يقودنا إلى الاستنتاج بتماسك الائتلاف، هو أن هذا الائتلاف الذي يستند على 64 نائبا، ويضم 6 كتل برلمانية، خاضت الانتخابات ضمن 4 قوائم انتخابية، لا يوجد لكل واحدة منها بديل سياسي يضمن مصالحها وتطلعاتها السياسية إطلاقا، بدءا من حزب الليكود الذي له 32 مقعدا، وصولا إلى أصغر الكتل، “نوعام”، من نائب واحد، وهو الأشد تطرفا من بين الأشد تطرفا في هذه الحكومة، فأصلا هذا هو الائتلاف الذي سعى له نتنياهو خلال الجولات الانتخابية البرلمانية الخمس، التي بدأت في نيسان 2019، وآخرها في انتخابات الأول من تشرين الثاني 2022.
يضاف إلى هذا أن جميع استطلاعات الرأي العام الصادرة بشكل خاص في الأشهر الخمسة الأخيرة، تُجمع على أنه في حال جرت الانتخابات البرلمانية في هذه المرحلة، فإن الائتلاف الحاكم حاليا، سيخسر، مجتَمِعا، حوالي 8 مقاعد، وبعض الاستطلاعات تقول أكثر؛ بينما المعارضة، خاصة الأحزاب التي شكّلت الحكومة السابقة، تحظى بأغلبية طفيفة، ثم تأتي كتلة “الجبهة والعربية للتغيير”، التي هي ليست في حسابات الانضمام للحكومة البديلة.
ولربما أن الاستطلاع الأكبر كان ميدانيا على أرض الواقع، وهو انتخابات نقابة المحامين في 20 حزيران الماضي، التي بلغت نسبة التصويت فيها 50% (شارك قرابة 39 ألف محام صاحب حق اقتراع)، وحصل المرشح لرئاسة النقابة، المدعوم من الائتلاف الحكومي، على 19% فقط، في مقابل 72% للرئيس الفائز، المعارض لضرب جهاز القضاء.
كذلك، فإن من العوامل التي تعزز الائتلاف الحالي، هو التطبيق الواسع لما يسمى “القانون النرويجي”، الذي يجيز للوزير الاستقالة من عضوية الكنيست، ليدخل التالي في القائمة الانتخابية، ثم يعود للعضوية في حال استقال من الحكومة، فحقا أن هذا الأمر كان في الحكومة السابقة، لكن تلك الحكومة ارتكزت على ائتلاف مليء بالتناقضات والصراعات الداخلية.
وفي هذه الولاية البرلمانية، تخلى 18 عضو كنيست عن عضويتهم البرلمانية، لكونهم وزراء ونواب وزراء، وهذا يخفف الضغط على الوزراء، من حيث ضرورة تواجدهم في الكنيست للحفاظ على الأغلبية المطلقة، عدا عن أن فارق 8 نواب بين الائتلاف والمعارضة، هو فارق مريح لكل ائتلاف.
وعلّمت تجربة السنوات الأخيرة، أن النواب الذين يدخلون إلى الكنيست بفضل هذا القانون، مكان وزراء، يعرفون أن مقاعدهم على “كف عفريت”، لذا فإنهم يكونون في مكانة برلمانية ضعيفة، وليسوا مرشحين للتمرد والاعتراض على قرارات من يقود كتلهم البرلمانية.
التشريعات والهجمة على جهاز القضاء
العنوان الأبرز، دون منازع، للدورة الصيفية المنتهية، وللعام البرلماني الأول للكنيست الـ 25، هو مسعى الائتلاف الحاكم لسن قوانين تقوّض جهاز القضاء، على صعيدين: الأول الانتقاص من صلاحيات المحكمة العليا لنقض قرارات وأنظمة حكومية، وهذا ما تم اقراره نهائيا يوم 17 تموز الماضي، تحت مسمى “تقليص مجال بند حجة المعقولية” في المحاكم الإسرائيلية، وهو البند الذي في مفهومه يمنح المحكمة حق تفسير انعكاسات وأبعاد كل قرار ونظام وقانون، ويقضي التعديل بأن المحكمة لا يحق لها نقض قرار صادر عن الحكومة ورئيسها وأي وزير فيها، وحتى أي منتخب جمهور، من خلال “بند المعقولية”. والصعيد الثاني الذي لم ينجح الائتلاف في إنجازه، هو تغيير تركيبة لجنة تعيين القضاة، التي أراد الائتلاف الحاكم تعديلها، وهي لجنة فيها توازن قوى، يشارك فيها ممثلون عن المحكمة العليا ونقابة المحامين، والحكومة، والائتلاف الحاكم، والمعارضة البرلمانية، إذ لا توجد أغلبية مطلقة لأي طرف، في حين يريد الائتلاف الحاكم تغيير هذه التركيبة، بحيث تصبح للحكومة والائتلاف أغلبية مطلقة في تعيين القضاة. وعلى الرغم من أن كل الأطراف انتخبت ممثليها، بما فيها الكنيست، من ائتلاف ومعارضة، إلا أن وزير العدل ياريف ليفين، يرفض عقد جلسة للجنة بهذه التركيبة، رغم مرور أكثر من عام على عدم انعقاد اللجنة، بسبب الانتخابات ثم عرقلة الحكومة لعمل اللجنة، ما أدى إلى نقص عشرات القضاة، وسيستفحل النقص مع انتهاء العام الجاري، وبشكل خاص تعيينات في المحكمة العليا، وبضمنهم رئيس المحكمة.
في هذا المجال، تلقت الحكومة وائتلافها صفعتين متتاليتين مترابطتين، الأولى في انتخابات نقابة المحامين، السابق ذكرها، وثانيا أن النقابة انتخبت في الأسبوع الماضي ممثلين اثنين عنها للجنة تعيين القضاة، وكلاهما معارضان لضرب جهاز القضاء، أحدهما المحامي محمد نعامنة، رئيس فرع الشمال للنقابة، وهو كان في اللجنة المنتهية ولايتها.
وسيمثل الائتلاف الحاكم في شهر أيلول المقبل، لامتحانين أمام المحكمة العليا، الأول في 7 أيلول، حين ستنظر المحكمة في التماسات ضد الوزير ليفين، الذي يرفض عقد جلسة للجنة تعيين القضاة، قبل تغيير تركيبتها بقانون. ويوم 12 أيلول، حينما ستلتئم المحكمة العليا بكامل هيئة قضاتها الـ 15، للنظر في الالتماسات ضد تعديل قانون جهاز القضاء، في “بند المعقولية” السابق ذكره. وفي الالتماس الثاني، وفي حال نقضت المحكمة العليا التعديل القانوني، وهو قانون أساس، ستنشأ حالة قضائية غير مسبوقة، إذ أن المحكمة ستلغي قانونا يلغي صلاحياتها، بينما الحكومة ستقول إنه لا حق للمحكمة العليا في نقض القانون، بموجب التعديل الجديد.
يراهن الكثيرون في اليمين الاستيطاني على عدد من قضاة المحكمة العليا المحسوبين على معسكرهم، ولكن في الأسبوع الماضي من الممكن أن تكون المحكمة قد أرسلت شارة تحذير للائتلاف الحاكم، حينما أجمعت هيئة من 9 قضاة من المحكمة العليا، التي تضم 15 قاضيا، على نقضها تعديل قانون يتعلق بانتخابات المجالس البلدية والقروية. إذ بادر الائتلاف لتعديل القانون بمسار تشريعي سريع، يجيز لرئيس لجنة معينة في بلدية ما الترشح لانتخابات رئاسة البلدية، وهو ما كان يمنعه القانون القائم، وفي خلفية هذا التعديل نية رئيس اللجنة المعينة التي تدير شؤون بلدية طبريا، المقرّب من زعيم حزب شا” آرييه درعي، خوض الانتخابات. وقضت المحكمة بعدم قانونية هذا التعديل.
ونشير إلى أن تعديل “بند المعقولية” هو بمثابة طلقة البداية لمخطط أوسع وضعه الائتلاف لضرب صلاحيات جهاز القضاء في نواحٍ مختلفة؛ فضمن المخطط أيضا، تعديل قانوني تحت مسمى “فقرة التغلب”، التي تتداولها أحزاب اليمين الاستيطاني، وبضمنها كتل الحريديم المتزمتة، منذ لا أقل من 8 سنوات، وهو التعديل الذي يجيز للكنيست إعادة سن قانون نقضته المحكمة العليا بأغلبية 61 نائبا.
أمام هذا المسار التشريعي، شهدت الشوارع الإسرائيلية، خاصة في المدن الكبرى تل أبيب وحيفا والقدس الغربية، ومفارق طرق مركزية في البلاد، مظاهرات شارك فيها على مدى 31 أسبوعا، بمعدل ما بين 150 ألف إلى 250 ألف مشارك أسبوعيا، بموجب تقديرات الشرطة الإسرائيلية. لكن هذا الضجيج الميداني، غير القليل، لم يهز الائتلاف الحاكم، وأنجز المرحلة الأولى التمهيدية لخطوات أخرى.
لكن تحت ستار هذا الضجيج، استمرت عملية تشريع سلسلة من القوانين التمييزية العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان، من دون وجود معارضة برلمانية حقيقية لهذه القوانين، ولربما أن أبرز القوانين الستة التي أقرت نهائيا، في هذه الفئة من القوانين، هو تعديل قانون خطة إخلاء مستوطنات قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، الذي أقر في نهاية 2004 وتم تنفيذه في آب 2005، بحيث ألغى التعديل حظر الاستيطان في شمال الضفة، في منطقة جنين خاصة، ما فتح الباب لإعادة الاستيطان هناك، وأولها مستوطنة “حومش” جنوب جنين، وشمال منطقة نابلس.
الجدل داخل الليكود
أدى احتدام حركة الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي على تعديل قانون القضاء، ومعها أيضا ردود فعل دولية، خاصة من الإدارة الأميركية ورئيسها، ودول أوروبية كبرى، مثل بريطانيا وفرنسا، وغيرها من الدول، إلى خروج النقاش الداخلي في حزب الليكود إلى العلن، لكن هذا جاء بعد أن اصطف النواب الـ 32 للحزب، مثل باقي نواب الائتلاف بالإجماع، مؤيدين لتعديل القانون.
وأعلن 7 وزراء ونواب اعتراضهم على الاستمرار في تعديلات قانون القضاء، دون التوصل إلى تفاهمات، ولو مع قسم من المعارضة، رغم صعوبة التوصل إلى تفاهمات كهذه، نظرا لتعنت وزير العدل ليفين، المدعوم من شخص نتنياهو، ومن نواب في الليكود، وجميع كتل الائتلاف الشريكة لحزب الليكود.
وفي اليوم التالي للتصريحات التي صدرت تباعا من النواب والوزراء السبعة، اهتموا بأن يوضحوا أن لا يوجد تمرّد ولا تصدّع في الليكود، وهذا هو الواقع، على ضوء حقيقة أن الليكود منذ سنوات عديدة، اختفت فيه المعارضة الحقيقية لنتنياهو، الذي اهتم بتصفيتها تدريجيا، فهذا الحزب بات حزب الشخص الواحد، ومن بعده من المتوقع أن يكون حزب الليكود مرشحا ليكون كباقي الأحزاب الكبيرة، وخاصة حزب العمل، لعدد من الانشقاقات مع غياب الشخص المسيطر على الحزب.
الدورة الشتوية المقبلة
يعود الكنيست إلى عمله في منتصف تشرين الأول المقبل، في الدورة الشتوية التي من المفترض أن تستمر حتى الأسبوع الأول من شهر نيسان المقبل، 2024، والكثير من أجندة هذه الدورة سيكون منوطا بأحداث العطلة الصيفية، خاصة قرار الحكمة العليا المتعلق أولا بمسألة عقد جلسة للجنة تعيين القضاة، وهنا القرار من المفترض أن يصدر في وقت قصير. وثانيا قرار المحكمة العليا بشأن الالتماسات المعترضة على تقليص بند المعقولية السابق ذكره، وحسب التقديرات، فهذا القرار سيأخذ وقتا، خاصة وأنه لا يعالج قضية سريعة وملحة.
إضافة إلى هذا، سنرى إذا بالفعل سيتم استئناف الحوار بين الائتلاف والمعارضة حول مشروع الائتلاف ضد جهاز القضاء، فهناك من يرى أن هذا الحوار لن يتم استئنافه قبل أن تقول المحكمة العليا كلمتها بشأن القضيتين السابق ذكرهما هنا.
في كل الأحوال فإن الشغل الشاغل للكنيست سيكون حول تعديلات جهاز القضاء، إلا إذا قرر نتنياهو مع شركائه الاستعجال في إقرار ميزانيتي العامين 2025 و2026 في الدورة الشتوية، كما فعل هذا في العام 2017، عن ميزانيتي العامين 2018 و2019، رغم أن القانون يمنح الحكومة والكنيست فرصة إقرار الميزانية للعام التالي حتى اليوم الأخير من العام الذي يسبق مع تمديد 90 يوما، في حال وجدت أزمة أو حلت انتخابات مبكرة.