ترجمات عبرية

الكسندر يعقوبسون- لو كان المشروع الصهيوني كولونيالي : لكان انتهى منذ زمن

بقلم: الكسندر يعقوبسون، هارتس ١٩-١٠-٢٠١٨

من المفهوم لماذا في الخطاب الفلسطيني مقبول وصف مواجهة الفلسطينيين مع الصهيونية ومع اسرائيل، ليس نزاع وطني، بل نضال مضاد للكولونيالية. اذا كان الفلسطينيون ليسوا طرفا في نزاع وطني، بل شعب يناضل ضد الكولونيالية، فلذلك افضليتان: حسب قواعد الخطاب ما بعد الكولونيالي، تفسير الامر أن الفلسطينيين على حق في التعريف، وهم غير مسؤولين مطلقا عن أي شيء. ولكن لهذه الافضليات وللتنازل عن محاولة جدية لفهم طبيعة الطرف الآخر ودوافعه، يوجد ثمن ثقيل. من لا يفهم مع من يتعامل، سيجد صعوبة في توقع تصرفه وردوده (من المفهوم أن هذا يسري على طرفي النزاع). رفض الفلسطينيين المستمر للتسليم بحقيقة أنهم يقفون امام شعب وامام حركة وطنية معادية، والوهم الذي يمكن تخليده في هذه المواجهة بمساعدة وسائل نضال مناسبة لنموذج الاستعمار، كل ذلك كان له نتائج كارثية على الشعب الفلسطيني.

النضالات ضد الكولونيالية في القرن العشرين نجحت رغم أن الدول العظمى الكولونيالية كانت دائما اقوى بكثير ممن يناضلون ضدها. الدولة الكولونيالية تنازلت اخيرا عن النضال وانسحبت – في معظم الحالات بدون قتال، في عدد من الحالات الشهيرة فقط بعد صراع عسكري. على أي حال، النضال لم يعتبر ضروريا بما فيه الكفاية لتبرير استثمار الموارد المطلوبة من اجل مواصلته. ما يميز الظاهرة الكولونيالية هو أن استمرار النظام الكولونيالي يعتبر رفاهية، وليس حاجة ضرورية بالنسبة للدولة العظمى الكولونيالية، هو هام بالنسبة لها أقل بكثير من التحرر من حكم اجنبي مهم لاولئك الذين يناضلون ضده.

معروف أنه من ناحية المستوطن الكولونيالي لا يدور الحديث عن رفاهية، ولكن ليس هو الذي يقرر مصير النضال. في المقابل، يوجد لديه الى أين سيعود: الارض الأم الكولونيالية. هكذا فعل المستوطنون الاوروبيون في الجزائر، يا للعار، والذين هم مواطنون فرنسيون (ليسوا جميعا من أصل فرنسي)، عندما قررت الجمهورية الفرنسية خلافا لرأيهم، الخروج من الجزائر. في مرحلة ما المستوطنون يستطيعون الانفصال عن الارض الأم وانماء قومية جديدة – ومن هذه اللحظة ليس لديهم الى أين يعودون، ولن يعود الحديث يدور عن وضع كولونيالي.

القول بأن “الصهيونية بدأت بحركة كولونيالية”، كما قال يشاي روزنتسفي (هآرتس، 12/10) عندما، كما اعترف بنفسه، يدور الحديث عن حركة قومية لشعب مضطهد والذي العلاقة مع البلاد كانت جزء من هويته وثقافته، والذين يأتون الى البلاد تركوا وراءهم ليس ارض – أم عملوا من قبلها وبرعايتها، بل روسيا القيصرية وبولندا اللاسامية أو المانيا النازية – تفسيره افراغ مفهوم الكولونيالية من اساس مضمونه الاخلاقي والتحليلي.

اجل، من المهم أن نفهم أنه في نظر العرب فان مجيء الصهاينة الى البلاد اعتبر ظاهرة كولونيالية. من يقرأ “السور الحديدي” لزئيف جابوتنسكي يعرف أنه لا ينقص في اوساط الحركة الصهيونية فهم هذه الحقيقة. ولكن منذ متى وجهة نظر أحد الجانبين هي الكلمة الاخيرة في تقدير طبيعة النزاع؟ يمكن فقط الأسف على أن رؤساء الحركة الوطنية العربية في البلاد لم يبذلوا جهدا لفهم كيف يفهم اليهود انفسهم، ووضعهم وعلاقتهم بالبلاد. النضال المناهض للكولونيالية بصورة واضحة ضد الصهيونية وضد اسرائيل بعد اقامتها ارتكز على فرضية أن انشاء البيت القومي اليهودي، في ظروف القرن العشرين، واستمرار وجود دولة اسرائيل، هو نوع من الرفاهية بالنسبة لليهود – شيء يمكن مساواته باحتلال مستعمرة ومواصلة السيطرة عليها. حسب هذا المنطق كان يمكن جعل اليهود يتنازلون عن الأمل بدولة، وبعد ذلك عن اسرائيل نفسها، مثلما اقنعوا الحكومات في لندن وباريس بأنه يجدر بهم التنازل عن المستعمرات وراء البحار.

من يظهر درجة كهذه من العمى بالنسبة للمزايا الاساسية للطرف المقابل فمن المتوقع أن يوقع كارثة على شعبه. استخدام البلاغة المضادة للكولونيالية تجاه دولة اسرائيل وصل الى الذروة في الستينيات قبل احتلال 1967، بموازاة نجاح الحركة المضادة للكولونيالية في آسيا وافريقيا. التنظيمات الفلسطينية وعلى رأسها منظمة فتح طوروا في حينه عقيدة “حرب تحرير شعبية” لتحرير فلسطين. ونشاطات فتح من الاراضي السورية كانت جزء من عملية التصعيد التي أدت الى حرب الايام الستة. كجزء من العمى “المناهض للكولونيالية”، بالنسبة لاسرائيل توسع التطلع بأنها ستتفكك من الداخل. لأن الحديث لا يدور كما هو معروف عن شعب حقيقي وعن دولة قومية حقيقية، بل عن كيان مصطنع و”مخترع”، اذا ضغطنا عليها وهددناها بما فيه الكفاية فستنهار مثل بناء من ورق.

الحكم الاسرائيلي في المناطق ومشروع الاستيطان يوجد لهما بلا شك جوانب كولونيالية: توجد للمستوطنين ارض أم، وهي التي ارسلتهم الى المنطقة الواقعة تحت احتلال عسكري ومأهولة بسكان مسلوبي الحقوق المدنية. ولكن ايضا هناك جوهر الظاهرة هو نزاع قومي ووطني بين شعبين يعتبران البلاد كلها، على جانبي الخط الاخضر، وطنا لهما. لو أن الاحتلال كان في اساسه كولونيالي لكان انتهى منذ زمن. لا توجد أي دولة حاربت من اجل مستعمرة على مدى خمسين سنة. هذا ببساطة ليس هاما بما فيه الكفاية. ايضا الاسرائيلي المعني بالخروج من الضفة يعرف جيدا أن الفلسطينيين يرون في اسرائيل في حدود 1967 جزء من وطنهم المحكوم بأيدي كيان كولونيالي – وليس من قبل شعب آخر، الذي هذه البلاد هي ايضا وطنه، ومن قبل حركة وطنية معادية.

المتعة الموجودة في تعريف كهذا لاسرائيل يوجد لها ثمن. من يؤيد هذه البلاغة المناهضة للكولونيالية بالنسبة لاسرائيل من اساسها، وللصهيونية منذ بدايتها، يساعد الجمهور الاسرائيلي على الاقتناع بأن الانسحاب من المناطق سيؤدي فقط الى مواصلة النضال المناهض للكولونيالية على بعد بضع كيلومترات عن مطار بن غوريون. ليس هناك شعب في العالم كان سيتولد لديه انطباع آخر في ظروف مشابهة. عندما نبحث في جذور الولايات المتحدة الكولونيالية أو في الادعاءات التي يسمعها نشطاء اقباط في الغرب – في مصر لا يتجرأون على قول ذلك، أن الاحتلال العربي الاسلامي لمصر كان احتلال كولونيالي –  لا يثور السؤال اذا كان من ينتقدون الولايات المتحدة قد سلموا بوجودها أو أنهم يصممون على مواصلة النضال ضدها، أو هل العالم القبطي سلم اخيرا بوجود مصر الاسلامية. الوضع مختلف عندما تعتبر اسرائيل كيانا كولونياليا من اساسها في سياق نزاع عربي – اسرائيلي متواصل.

اعتبار الصهيونية حركة وطنية لا يعطيها ولا يعطي الدولة التي اقيمت من قبلها، أي حصانة من الانتقاد. حركات قومية ودول قومية مستعدة، بيقين في وضع نزاع قومي، للقيام باعمال فظيعة لا تقل عن تلك التي قامت بها انظمة كولونيالية. ايضا القومية العربية بعظمتها لم تكن طوال طريقها خالية تماما من العنف والقسوة. من يريد الاسهام في السلام بين الشعبين لا يجب عليه تبني شعارات الحرب وعدم تقبل الآخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى