القواعد العسكرية فى البحر الأحمر… تغير موازين القوى
د. أميرة عبد الحليم، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ٣٠-١-٢٠١٨م
يعد البحر الأحمر من أهم الممرات المائية في العالم، حيث يربط بين أقدم ثلاث قارات (آسيا، وأفريقيا، وأوروبا) ويتحكم في حركة الملاحة والتجارة الدولية. وخلال العقود الماضية حاولت القوى الدولية والإقليمية ترسيخ نفوذها في هذا الممر المائي الحيوي، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تحركات غير مسبوقة للتواجد وبناء القواعد العسكرية على سواحل البحر الأحمر، خاصة السواحل الأفريقية، مما آثار الكثير من الجدل حول العوامل التي دفعت العديد من الفاعلين للبحث عن موطئ قدم في إقليم البحر الأحمر الذي يمثل أحد الأقاليم الفرعية لإقليم الشرق الأوسط، والتداعيات الاستراتيجية المترتبة على الوجود العسكري الكثيف، خاصة من الدول الأجنبية، على سواحل البحر الأحمر على الأمن والاستقرار في هذا الإقليم شديد الخصوصية.
أولًا: خريطة القواعد العسكرية في البحر الأحمر
باستثناء إسرائيل وإريتريا، فإن معظم الدول المطلة على البحر الأحمر هي دول عربية (مصر، السعودية، الأردن، السودان، اليمن، جيبوتي، الصومال). وتبلغ نسبة مجموع سواحل هذه الدول 90% من إجمالي سواحل البحر الأحمر، الذي يمتد طوله إلى ما يزيد عن ألفي كيلومتر، ويصل عرضه إلى ثلاثمائة كيلومتر، وتبلغ مساحة سطحه إلى حوالي 438 ألف كيلومتر مربع.
وخلال هذه المساحة تزدهر القواعد العسكرية التي تسابقت العديد من القوى العربية والأجنبية على إنشائها خلال السنوات الأخيرة، خاصة على السواحل الأفريقية، حيث تتوزع هذه القواعد بين عدد من الدول، يأتي في مقدمتهاجيبوتي التي تعد من أفقر دول العالم، حيث تزيد نسبة الفقر بين سكانها عن 50%، وتفتقد إلى الموارد الطبيعية. وعملت جيبوتي خلال السنوات الأخيرة على استثمار موقعها الجغرافي في الحصول على الموارد لدعم ميزانياتها. وفضلا عن المكاسب النقدية من تأجير الأراضي، تقوم الدول المقيمة للقواعد باستثمارات اقتصادية مختلفة، حيث يشكل نشاط الموانئ في جيبوتي عن70% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتضم سواحل جيبوتي عددا من القواعد العسكرية، أقدمها القاعدة الفرنسية، وتضم ما يقرب من 2000 جندي فرنسي. وكانت جيبوتي قد حصلت على استقلالها عن فرنسا في عام 1977، ومنذ ذلك التاريخ ظلت فرنسا تحظى بنفوذ كبير داخل جيبوتي؛ فقد قدم الجيش الفرنسي التمويل الأساسي لحكومة جيبوتي مع ضمان حمايتها والدفاع عنها في مواجهة أي أعمال عدائية خارجية. وفي المقابل، تسمح جيبوتي لفرنسا ببناء القواعد العسكرية وتقدم التسهيلات واسعة النطاق لتدريبات الجيش الفرنسي.
وبدأ التحول في الخيارات الاستراتيجية لجيبوتي خلال العقدين الأخيرين.هذا التحول كان مدفوعا بعدد من العوامل، أهمها الحرب الإريترية – الإثيوبية (1998- 2000)، والتطورات الاقتصادية السريعة في إثيوبيا، والتحولات في استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في أفريقيا وشبه الجزيرة العربية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001، وتصاعد عمليات القرصنة على طول السواحل الصومالية وخليج عدن. وتدين جيبوتي لإثيوبيا بمساعدتها على تطوير ميناء جيبوتي وتطويره تدريجيا، حيث تمثل إثيوبيا أكبر مستخدم لهذا الميناء. وعقب استقلال إريتريا في عام 1993، وخسارة إثيوبيا لسيادتها على موانئ مصوع وعصب، لم تكن التدفقات التجارية الإثيوبية على ميناء جيبوتي كبيرة، حيث كانت العلاقات لا تزال جيدة بين النظامين في إريتريا وإثيوبيا، ولكن في أعقاب الحرب الإريترية-الإثيوبية، وجهت إثيوبيا كل واردتها وصادراتها تقريبا إلى ميناء جيبوتي ونقلت أسطولها التجاري إلى الميناء. وأدى اعتماد إثيوبيا على ميناء جيبوتي إلى تطور العلاقات الدبلوماسية والعسكرية بين البلدين التي اتخذت شكل من التبعية في ضوء تطور الاقتصاد الإثيوبي عن نظيره في جيبوتي.
كما أدى النمو المتسارع والتحول الهيكلي في الاقتصاد الإثيوبي خلال العقد الأخير إلى تدعيم الاستثمارات المحلية والأجنبية، فكانت جيبوتي حريصة على حماية سيادتها وكانت حذرة من الاستثمار الإثيوبي المباشر، واعتمدت بصورة أكبر على رأس المال والخبرة الخليجية في تطوير مرافق ميناء جيبوتي. وقامت دبي بدور رئيسي في تمويل وبناء محطات الحاويات والنفط في دوراله عام 2009، والتي تبعد 12 كيلو متر غرب ميناء جيبوتي القديم. كما تسهم المملكة العربية السعودية في تطوير ميناء تاجورا الجديد في شمال جيبوتي[1].
وإلى جانب القاعدة الفرنسية، هناك القاعدة العسكرية الأمريكية، وهي أكبر قاعدة عسكرية للولايات المتحدة في أفريقيا، فبعد تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام في عام 1998، وتفجير السفينة “كول”بالقرب من السواحل اليمنية في عام 2000، وما تبعها من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ودخول القارة الأفريقية في إطار الاستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهاب، أنشأت الولايات المتحدة “فرقة العمل المشتركة للقرن الأفريقي” (CJTF-HOA)في عام 2002. وفي عام 2008 اندمجت هذه القوات ضمن القيادة الأمريكية لأفريقيا (أفريكوم)، وتحول معسكر ليمونيرLemonnier وهو مقر سابق للجيش الفرنسي في جيبوتي إلى القاعدة العسكرية الدائمة الوحيدة للولايات المتحدة في أفريقيا. وتمثل جيبوتي الآن المحور اللوجيستي الرئيسي للولايات المتحدة والعمليات المتحالفة معها في شرق أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، وهي منصة لإطلاق ومراقبة هجمات الطائرات بدون طيار، وكذلك مركز لمكافحة القرصنة وغيرها من العمليات المتعددة الجنسيات في الإقليم.وتقدم الولايات المتحدة لحكومة جيبوتي 38 مليون دولار سنويا مقابل تواجدها العسكري في هذا المرفق.
ونتيجة لعمليات القرصنة التي تصاعدت منذ عام 2008، وأدت إلى زيادة الحضور العسكري الدولي في خليج عدن والمحيط الهندي، تحولت جيبوتي إلىمركز لأشكال جديدة من التعاون العسكري والبحري بين قوات حلف الأطلنطي وقوات الاتحاد الأوروبي، فأصبحت جيبوتي المحور اللوجيستي لأول بعثة بحرية مشتركة للاتحاد الأوروبي لمكافحة القرصنة (EUNAVFOR Atalanta Operation)عام 2010. ومنذ يوليو 2012 أطلق الاتحاد الأوروبي بعثة بحرية جديدة، (EUCAP Nestor) والتي تهدف إلى استكمال مهام عملية أتالانتا عن طريق تعزيز القدرات البحرية المحلية.
كما استضافت جيبوتي منذ عام 2010 أول قاعدة عسكرية لليابان خارج حدودها منذ عام 1945، وتضم 400 عنصرا. وقد تشكلت هذه القوات في إطار مكافحة ظاهرة القرصنة قبالة السواحل الصومالية. أيضا افتتحت الصين في أغسطس2017 أول قاعدة عسكرية لها في أفريقيا في جيبوتي[2].
وبالإضافة إلى هذه القواعد، أنشأت تركيا أكبر قاعدة عسكرية لها في العالم في الصومال وافتتحتها في العام 2017.
كما اتجهت دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية عقب اندلاع الحرب في اليمن في مارس 2015 إلى توسيع حضورهما العسكري على الجانب الأفريقي من البحر الأحمر، فأنشأت الإمارات قاعدة عسكرية في إريتريا، وقاعدة أخرىفي بربرة بجمهورية أرض الصومال. ووقعت المملكة العربية السعودية على اتفاق مع جيبوتي بإنشاء قاعدة سعودية في البلاد.
ثانيا: أسباب بناء القواعد العسكرية في البحر الأحمر
هناك العديد من العوامل التي تقف وراء سعي العديد من القوى الدولية والإقليمية في المرحلة الراهنة إلى ترسيخ وجودها على سواحل البحر الأحمر. فعلى الرغم من الأهمية الاستراتيجية التي يحتلها هذا الممر المائي الحيوي، والتي دفعت العديد من الفاعلين للبحث عن فرص للتواجد وبناء القواعد العسكرية على سواحله، بل واستغلال التطورات والأحداث التي تشهدها دوله، خاصة على الجانب الأفريقي، لتأكيد نفوذها داخل الإقليم، وكان في مقدمة هذه الدول إسرائيل التي أدركت بعد حرب أكتوبر 1973 أهمية السيطرة والتحكم في أجزاء واسعة من هذا الممر المائي وتمكنت بالفعل خلال العقود الأخيرة من بناء القواعد العسكرية على عدد من الجزر التابعة لإريتريا، رغم كل ذلك إلا أن السنوات الأخيرة طرحت مجموعة من العوامل والتهديدات، التي دفعت بفاعلين جدد إلى تدشين وجودهم العسكري على سواحل البحر الأحمر في محاولة لحماية مصالحهم وتحقيق أهدافهم. ونناقش فيما يلي أبرز هذه العوامل.
1- التطورات المتلاحقة في العالم العربي
أدت التطورات التي يشهدها العالم العربي منذ العام 2010، إلى صعود أدوار بعض القوى الدولية والإقليمية، التي بحثت عن محاور جديدة لتعظيم حضورها في الإقليم. وقد أسهمت المشكلات التي يواجهها اليمن وما تبعها من تصاعد للعمليات الحربية على أراضيه، وكذلك الأزمة القطرية وما أحاط بها من تهديدات على صعيد تماسك مجلس التعاون الخليجي، في اندفاع بعض الدول لترسيخ وجودها العسكري على سواحل البحر الأحمر، الذي أصبح جزءا من قوس عدم الاستقرار الدولي. وقد وجدت هذه القوىترحيبا واستعدادا كبيرا من جانب الدول الأفريقية على البحر الأحمر لاستضافة القواعد العسكرية على أراضيها.
فقد اتجهت دولة الإمارات إلى بناء قاعدة عسكرية في ميناء عصب في إريتريا، لتقديم الدعم اللوجيستي والعملياتي لقوات التحالف العربي في حربها في اليمن. وعلى نحو مماثل اتفقت مع جمهورية أرض الصومال على إنشاء قاعدة عسكرية في ميناء بربرة. كما اتفقت المملكة العربية السعودية مع دولة جيبوتي على إنشاء قاعدة عسكرية على أراضيها، حيث تسعى الدولتان الخليجيتان إلى زيادة حضورهما العسكري على الجانب الأفريقي للبحر الأحمر لتعزيز قدراتهما في الحرب اليمنية، وكذلك للحد من النفوذ الإيراني في شرق أفريقيا.
كما حرصت تركيا خلال السنوات الأخيرة على تدعيم علاقاتها بدول القارة الأفريقية وخاصة شرق أفريقيا، وذلك في إطار رؤية أنقرة الجديدة لنفسها منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002 بأنها دولة مركزية وفاعل دولي ذو سياسة خارجية معقدة ومتشابكة الأبعاد. وتمكنت تركيا من خلال سياستها الأفريقية من إنشاء أول قاعدة عسكرية لها في الصومال خلال عام 2016.
2- تصاعد التنافس الدولي بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية
غيرت الصين من سياستها الخارجية وقامت بإنشاء أول قاعدة بحرية لها في الخارج في جيبوتي، وأعلنت وكالة أنباء الصين أن الهدف من هذه القاعدة هو “ضمان أداء الصين في بعثات حفظ السلام والمساعدات الإنسانية في أفريقيا وغرب آسيا، وستساعد القاعدة أيضا في المهام الخارجية بما في ذلك التعاون العسكري والتدريب المشترك وحماية الأمن الصيني في الخارج، بالإضافة إلى الحفاظ على الأمن المشترك للممرات البحرية الاستراتيجية الدولية”. ووفقا للاتفاق المبرم بين بكين وجيبوتي، والذي يسري حتى عام 2026 على الأقل، قد تضم القاعدة ما يصل إلى عشرة آلاف جندي. ويعبر إنشاء هذه القاعدة عن تحرك الصين بعيدا عن تركيزها التقليدي على منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ نتيجة لتزايد مصالحها في أفريقيا والشرق الأوسط. كما يمكن أن ينظر إلى هذا التطور في إطار المشروع الصيني مبادرة الحزام والطريق (حزام واحد، طريق واحد) التي تسعى إلى إنشاء طرق برية وبحرية تربط أقاليم من آسيا والمحيط الهندي. ففي حين أن المبادرةعادة ما تُفهم على أنها ذات طبيعة اقتصادية في المقام الأول، إلا أن القاعدة الصينية في جيبوتي تعبر عن الوجه الآخر الذي تسعي بكين للظهور به، خاصة في إطار تنافسها الدولي مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث انزعجت واشنطن من بناء الصين لهذه القاعدة التي تقع على بعد بضعة أميال فقط من القاعدة الأمريكية في جيبوتي[3].
وبالتوازي، تعمل الصين على تطوير قواها البحرية مع تعزيز السيطرة على بحر الصين الجنوبي (البحر المقابل للمتوسط في شرق آسيا)، وهو الأمر الذي يزيد من تهديد الهيمنة الأمريكية والوجود الياباني في المحيط الهادئ. وستكون له تداعيات على موازين القوىفي شرق آسيا. ولهذه الاستراتيجية مظاهر أخرىمنها التطور المتسارع لعلاقات بكين بكل من دول آسيا الوسطى وباكستان، والصلات المتنامية مع إيران والسعودية ودول الخليج ومصر وتركيا في منطقة الشرق الأوسط، والتركيز على شرق أوروبا واليونان، بالتزامن مع الانحياز إلى جانب روسيا في الأزمة السورية[4].
كما تعمل الصين من خلال بناء هذه القاعدة على حماية تدفقات مواردها النفطية، فنصف النفط الذي تستورده بكين يمر عبر مضيق باب المندب، ويتم نقل معظم الصادرات الصينية إلى أوروبا عبر خليج عدن وقناة السويس. كما تعرضت الصين لخسائر كبيرة نتيجة التطورات في ليبيا، لذلك عملت على زيادة حضورها العسكري في الإقليم. وتجدر الإشارة إلى أن البحرية الصينية أجرت تدريبات مع نظيرتها الروسية في البحر المتوسط عام 2015، كما أجرت تدريبات عسكرية أخرىفي البحر المتوسط خلال شهر يوليو 2017.
ثالثا: تأثير القواعد العسكرية على توازنات القوى في البحر الأحمر
على الرغم من الترحيب الذي تبديه دول القرن الأفريقي الساحلية بالقواعد العسكرية على أراضيها، والذي يعود إلى الأزمات الاقتصادية التي تعانيها هذه الدول، وكذلك العقوبات الدولية المفروضة على بعضها كإريتريا، والسودان (حتى أكتوبر2017)، بالإضافة إلى محاولة بعض الدول الحصول على دعم قوى خارجية لمواجهة أزماتها مع بعض القوى الإقليمية أو الدولية، إلا أن انتشار القواعد العسكرية في دول القرن الأفريقي على نحو ما يشهده الإقليم في السنوات الأخيرة، يثير العديد من المشكلات والتداعيات، خاصة ما يتعلق بالنسبة للقوى الرئيسية في إقليم البحر الأحمر.
الاتجاه إلى بناء القواعد العسكرية في إريتريا وجيبوتي وجمهورية أرض الصومال والسودان، يثير حفيظة دول إقليمية أخرى، وتحديدا إثيوبيا والتي تمثل دولة إقليمية رئيسة في شرق أفريقيا، ولها نفوذ كبير في الإقليم بحكم دورها في تسوية صراعاته، ومكافحة الإرهاب، وقيادتها للتنظيمات الإقليمية الفرعية في الإقليم وفي مقدمتها “الإيجاد”، وهي أقرب حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في محاربة الإرهاب، والاتحاد الأوروبي في قضايا الهجرة في الإقليم.
إلا أن إثيوبيا لم تدخل سباق القواعد العسكرية في القرن الأفريقي بحكم تحولها إلى دولة حبيسة منذ عام 1993(عقب استقلال إريتريا)، كما تواجه منافسة كبيرة من قبل الدول المقيمة للقواعد العسكرية في جيبوتي والتي يمثل ميناؤها المنفذ الرئيسي لتواصل إثيوبيا مع العالم الخارجي. يضاف إلى ذلك أنه على هامش بناء القواعد العسكرية في شرق أفريقيا يتم تدريب وتسليح جيوش دول الإقليم بما يشير إلى احتمالات تطور الصراعات في هذا الإقليم الذي تعاني دوله من مشكلات تاريخية حادة فيما بينها[5].
وفي ظل مشكلات النظام السياسي الإثيوبي مع المعارضة والتي ظهرت في صورة احتجاجات واسعة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وعلاقات إثيوبيا المتوترة مع مصر وخوفها من التأثير المصري على دول الخليج العربي، تبرز احتمالات كبيرة لتقويض القواعد العسكرية في البحر الأحمر، للتوازن بين دول شرق أفريقيا، بفقدان إثيوبيا لأهميتها الإقليمية.
من ناحية أخرى، فإن تزايد القواعد العسكرية الأجنبية في البحر الأحمر، يؤثر على التوازن الإقليمي بين الدول العربية، فدول الخليج العربي التي تبذل جهودا واسعة لتقليص النفوذ الإيراني على البحر الأحمر، لا تسعىلاستبدال هذا النفوذ بنفوذ تركي، خاصة في ظل التحالف بين قطر وتركيا خلال الأزمة الخليجية الأخيرة، وتبني بعض دول شرق أفريقيا (السودان، الصومال) لموقف محايد من الأزمة، مما يشير إلى احتمالات استعادة قطر لمكانتها في شرق أفريقيا، خاصة أنها بذلت جهودا للوساطة في أزمات هذا الإقليم خلال السنوات الأخيرة.
وأخيرا، يمكن القول إن التطورات المتصاعدة في الشرق الأوسط تدفع في اتجاه إعادة تشكيل هذا الإقليم، مما يجذب العديد من الفاعلين الذين يجدون أن هذه التطورات تحمل فرصا حقيقية لتدعيم مصالحهم، ويسعى هؤلاء للبحث عن مواقع داخل الإقليم أو في جواره الجغرافي. وهنا تبرز أهمية إقليم البحر الأحمر كأحد الأقاليم الفرعية المهمة لإقليم الشرق الأوسط.
وتتعاظم فرص الفاعلين الخارجين في ظل تركيز النظم السائدة في إقليم البحر الأحمر على استقرار نظمها فقط، فمصالح هذه النظم أقل من الإقليمية، مما يجعل من الصعب إنشاء نظام فعال للأمن الجماعي.
[1] David Styan, “Djibouti: Changing Influence in the Horn’s Strategic Hub”, Chatam House, April 2013, pp.3-4. Available at: www.chathamhouse.org
[2] “أيام في جيبوتي (1 – 3): خريطة القواعد العسكرية الأجنبية في جيبوتي .. أقدمها فرنسية وأكبرها أميركية وأصغرها يابانية… والصين والسعودية في الطريق”، جريدة الشرق الأوسط، 29-12-2016.
[3] Dr. Gideon Elazar, “China in the Red Sea: The Djibouti Naval Base and the Return of Admiral Zheng He”, The Begin Sadat Center for Strategic Studies, August 23, 2017. Available at: https://besacenter.org/perspectives-papers/china-red-sea-djibouti
[4] د. خطار أبو دياب، “استراتيجية الصعود الصيني: الجيش الأحمر في البحر الأحمر”، جريدة العرب، 5-8-2017. راجع الرابط التالي:
http://www.alarab.co.uk/article/
[5] Annette Weber, “Red Sea: Connecter and Divider.. Disruption Waves from the Arabian Gulf to the Horn of Africa”, Berlin, German Institute for International and Security Affairs, November 201, PP.4-6. Available at: https://www.swp-berlin.org/fileadmin/contents/products/comments/2017C50_web.pdf