شوؤن عربية

القنبلة السورية الموقوتة

يوشكا فيشر* – 5/3/2018
برلين- للصراع الحالي في سورية العديد من القواسم المشتركة مع حرب الثلاثين عاماً، التي دمرت قلب أوروبا -ولاسيما مدينة ماغدبورغ الألمانية، مثل حلب في ذلك الوقت- من العام 1618 إلى 1648. وكما وُصفت اليوم، كانت الحرب نتيجة لصراعات جلبت معاناة هائلة للأوروبيين، وانتهت بسلام وستفاليا، بعد أن استنفدت جميع الأطراف المعنية أنفاسها تماماً.
كانت حرب الثلاثين عاماً ظاهرياً بمثابة نزاع ديني بين المسيحيين الكاثوليك والبروتستانت، تماماً مثل الانقسام الكبير بين المسلمين السنة والشيعة في الشرق الأوسط اليوم. ولكن، كما هو الحال في سورية اليوم، يخفي الدين صراعاً أعمق من أجل السلطة والهيمنة الإقليمية.
بدأت الحرب السورية خلال الربيع العربي، بعد أن دعا المتظاهرون السوريون إلى الديمقراطية وإلى وضع حد لدكتاتورية الرئيس بشار الأسد. لكنها سرعان ما أصبحت قضية دولية. وتدخلت إيران وحزب الله -وهو ميليشيا شيعية لبنانية تدعمها طهران- عسكرياً إلى جانب روسيا، للحيلولة دون وقوع الأسد في أيدي المتمردين المدعومين من دول في الإقليم الذين يمثلون الجانب السني من هذا التقسيم.
وفي الوقت نفسه، انتشرت الحرب لتحريك حملة بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وعندما هزمت الدولة الإسلامية في العام الماضي، سرعان ما نشأ صراع جديد بين تركيا والأكراد في شمال سورية. وتستهدف تركيا الآن وحدات حماية الشعب الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة، التي ثبت أنه لا غنى عنها في الحرب ضد “داعش”، مما يخلق خطر نشوب مواجهة عسكرية مباشرة بين عضوين في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وهناك أيضاً خطر المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا، وأكدت الادعاءات الأخيرة أن غارة جوية أميركية قتلت عشرات من المرتزقة الروس في سورية.
مع كل فصل جديد، تكون المأساة السورية أكثر خطورة. فالصراع لم يعد يتعلق بمن سيتولى السلطة في دمشق، بل حول من سيبسط حكمه في الشرق الأوسط. ولم تعد المعركة بين روسيا والولايات المتحدة فحسب، بل أيضا بين إيران الشيعية والسعودية السنية، ودخول إسرائيل، حليفة أميركا الأخرى، على الخط.
ومن جانبها، تهتم تركيا بشكل رئيسي بخطر إنشاء دولة كردية في شمال سورية، والتي من شأنها أن تحفز الفصائل الكردية الانفصالية الأخرى في جنوب شرق تركيا. ويعمل الأكراد في شمال العراق (كردستان) بالفعل من أجل إنشاء دولتهم الخاصة، حيث قاموا بتنظيم استفتاء على الاستقلال في العام الماضي.
وأخيراً، يجب على القوى العظمى العسكرية الإقليمية أن تدافع عن مصالحها الأمنية في لبنان وجنوب سورية. وحتى وقت قريب، كانت الدولة اليهودية قد ابتعدت عن الحرب، ومع ذلك، كان عليها التدخل عن طريق الجو لمنع تدفق الأسلحة إلى حزب الله، ومنع إيران من تأسيس وجود لنفسها قرب حدودها الشمالية.
تعمقت مشاركة إسرائيل في الشهر الماضي؛ حيث أسقطت الدولة الإسرائيلية طائرة إيرانية من دون طيار دخلت مجالها الجوى من سورية. ثم ردت المقاتلات الإسرائيلية بضرب أهداف إيرانية في سورية. (وعاد الطيارون إلى الأراضي الإسرائيلية بأمان)، مما دفع إسرائيل إلى شن غارة جوية على قوات الأسد مباشرة.
مع تكشف هذه الأحداث، سرعان ما اتضح أن الدولة اليهودية لا تستطيع الاعتماد على العلاقة الخاصة المزعومة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وكانت روسيا مترددة أو غير قادرة على السيطرة على إيران. ولذلك، سواء قامت بذلك أم لا، فقد أصبحت إسرائيل الآن فاعلاً نشطاً في سورية.
على وجه التحديد، يمكن أن تنشأ حرب جديدة، وهذه المرة بين إسرائيل وإيران. وعلى الرغم من أن هذا الصراع ليس في صالح أي من الجانبين، فإنه ليس من الصعب تصور حدوث ذلك، بالنظر إلى الحقائق الراهنة. فلا يمكن لإسرائيل أن تبقى خارج الصراع في الوقت الذي يحقق فيه نظام الأسد وإيران وحزب الله انتصاراً عسكرياً. وتهدد الحقائق على الأرض أمن الدولة اليهودية وتعزز عدوها بشكل كبير، إيران.
في حال نشوبها، سوف تؤدي الحرب بين إيران وإسرائيل إلى تعريض المنطقة بأسرها للخطر، لأنها ستخلق جبهة جديدة في الصراع من أجل الهيمنة. لكن أوروبا أيضاً ستتأثر بشكل مباشر، وليس فقط لأن انتشار الصراع سيؤدي إلى زيادة عدد اللاجئين في الشمال. فمع تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإلغاء الاتفاق النووي الإيراني، يمكن أن تجد أوروبا نفسها في سباق تسلح خطير -أو حتى مع صراع عالمي جديد- بالقرب من حدودها.
بالنظر إلى هذه الأخطار، لم تعد أوروبا قادرة على المراقبة من الهامش. ومن أجل ضمان أمنهم، يجب على الأوروبيين الدفاع عن الاتفاق النووي الإيراني. وبما أن للاتحاد الأوروبي التزامات طويلة الأمد تجاه إسرائيل، فإنه لا يمكن أن يُسمح للصراع العنيف من أجل الهيمنة أن يهدد إسرائيل مباشرة.
اليوم أكثر من أي وقت مضى، أصبح هذا هو الوقت المناسب لتفعيل الدبلوماسية الأوروبية. فقد بدأت تلوح في الأفق حرب كبرى جديدة في الشرق الأوسط، ويجب على القادة الأوروبيين العمل من أجل تجنبها.
*وزير الخارجية الألمانية السابق ونائب المستشار من العام 1998 إلى العام 2005.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى