ترجمات عبرية

القناة 12 العبرية: الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة التي تعيد تُشكّيل المنطقة

القناة 12 العبرية 30/12/2025، يونتان أديري: الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة التي تعيد تُشكّيل المنطقة

لم تقتصر أحداث 7 أكتوبر على تحطيم شعور إسرائيل بالأمن التكتيكي، بل فككت جذريًا المفهوم السياسي الذي رافقنا في العقود الأخيرة، ألا وهو “الفيلا في الأدغال”. وقد أصبح هذا المصطلح، الذي صاغه إيهود باراك آنذاك، استراتيجية للانسحاب والاغتراب عن المنطقة. اختارت دولة إسرائيل أن تنظر إلى نفسها كجزيرة ديمقراطية محاطة بالوحشية، وأن تحصيناتها تتألف من أسوار ذكية وأنظمة دفاعية فعّالة، وانسحابات أحادية الجانب إلى خطوط دفاعية ملائمة. كانت “الفيلّا” تعبيرًا عن السلبية، أولًا على المستوى المادي، ولكن الأهم من ذلك، على المستوى الأيديولوجي. عزلت إسرائيل نفسها عن المنطقة، وانبهرت بالموقع الدفاعي للسور، وتركت الشرق الأوسط يتشكل دونه.

لكن، كما رأينا في حرب النهضة، لا يكفي السور أبدًا في بيئة معادية. سرعان ما انجرف الفراغ الجيوسياسي الناجم عن ضعف القوى القديمة وانهيار الأنظمة الديكتاتورية الإقليمية في “الربيع العربي” إلى أطماع تركيا وإيران في الهيمنة. أدركت إسرائيل أن السبيل الوحيد لضمان وجودها ليس الاختباء خلف جدار، بل أن تصبح لاعبًا مؤثرًا وفاعلًا في هذا الفضاء. تعكس التحركات الدراماتيكية في الأسابيع الأخيرة، ولا سيما الاعتراف التاريخي بسيادة أرض الصومال، ميلاد عقيدة جديدة: تحالف “من الهند إلى كوش”.

الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة التي تعيد تُشكّيل المنطقة

تضع هذه العقيدة إسرائيل في قلب نظام تحالفات قائم على أربعة محاور رئيسة: الهند شرقًا، وإثيوبيا جنوبًا، وأذربيجان شمالًا، واليونان وقبرص غربًا. هذه التحالفات غير جائزة، بل هي ضرورة استراتيجية في مواجهة المشروع التركي الساعي للهيمنة، والذي بلغ ذروته بعد أن رسّخ نفوذه العسكري والاقتصادي في ليبيا والصومال، ويسعى لاستكمال “مثلث” نفوذه عبر سوريا، وكل ذلك في أراضي الإمبراطورية السابقة، كجزء من سياسة أردوغان العثمانية الجديدة. هذا المثلث، إن اكتمل، سيحل محل “المحور الشيعي” الذي أضعفته إسرائيل بشكل كبير خلال العامين الماضيين، وسيفرض قيودًا كبيرة عليه، ويُصعّب عليه الازدهار في الشرق الأوسط. من الحكمة أن تُواصل إسرائيل تعزيز نفوذها على النظام الدمية التركي في سوريا، وأن تتجنب الوقوع في فخ “الترتيب الأمني” الذي تُحاول أنقرة الترويج له.

تقع إثيوبيا في قلب التحالف الجنوبي، وهي حاليًا محورٌ حاسمٌ للاستقرار الإقليمي. يبلغ عدد سكانها 140 مليون نسمة، وتُعدّ من أسرع الاقتصادات نموًا في العالم، وهي دولة عملاقة أنجزت هذا العام “سد النهضة”، ما يمهد لها الطريق نحو الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة والسيطرة الكاملة على مياه النيل. مع ذلك، ومنذ هزيمتها في الحرب أمام إريتريا عام 1991، ظلت إثيوبيا معزولة عن العالم الخارجي، محاطة بدول معادية بقيادة تركيا تسعى لعزلها. لذا، وقّعت إثيوبيا وارض الصومال قبل نحو عام مذكرة تفاهم تستأجر بموجبها إثيوبيا 20 كيلومترًا من الساحل الصومالي لمدة 50 عامًا، مقابل التزامها بالنظر بجدية في الاعتراف باستقلال ارض الصومال.

وهنا تبرز أهمية ارض الصومال. فهي ليست مجرد قطعة أرض، بل هي ركيزة أساسية في الجغرافيا السياسية. تقع ارض الصومال على الطريق الحيوي المؤدي إلى البحر الأحمر، والذي يمر عبره نحو 30 في المئة من حركة الناقلات العالمية. على الجانب الآخر من الممر المائي الضيق تقع اليمن والحوثيون. إن اعتراف إسرائيل بارض الصومال يمنحها تأييدًا ضمنيًا لمذكرة التفاهم الإثيوبية بشأن استئجار الساحل، مما يساعد أديس أبابا على التعامل مع الحصار التركي المصري الإريتري الذي يعيق خطواتها. علاوة على ذلك، يميز هذا الاعتراف إسرائيل عن النفوذ التركي في مقديشو، ويُضعف مشروعها الرئيسي في المنطقة.

الخطوة الحاسمة لكبح جماح “المثلث” التركي.

يدرك ناريندرا مودي، الزعيم المؤسس للهند الحديثة، والذي يخوض ولايته الثالثة على التوالي، هذه الديناميكية جيدًا، وقد اختار هو الآخر إثيوبيا لتكون ركيزته الأساسية في منطقة القرن الأفريقي. قبل أسابيع قليلة، اختتم زيارة دبلوماسية تاريخية إلى أديس أبابا، وأعرب فيها بصراحة ووضوح عن أهدافه في المنطقة. يسعى مودي بحزم إلى تحقيق استقلال استراتيجي كامل، مستفيدًا من موقع الهند المتميز في التنافس الصيني الأمريكي. ليس من قبيل المصادفة أن استراتيجية الأمن القومي التي نشرها البيت الأبيض قبل أسابيع قليلة حددت هدفًا محددًا يتمثل في “تسخير الهند لترتيبات تخدم المصالح الأمريكية في المحيط الهادئ”.

تُثبت الهند أنها ليست أداة في يد أي قوة عظمى. يُظهر مودي استقلالية استثنائية عندما يلتقي بشي جين بينغ وبوتين، بينما يُجري في الوقت نفسه مفاوضات جادة ومباشرة مع إدارة ترامب. تستند هذه القوة إلى صلابة عسكرية تجلّت قبل ستة أشهر فقط، عندما واجهت الهند خصمها النووي المسلم (باكستان) في معركة شرسة أظهرت فيها دلهي تفوقًا مطلقًا. يُترجم مودي هذه الثقة إلى عقيدة بحرية بعيدة المدى: بناء أقوى أسطول بحري في منطقة المحيط الهندي، مصمم لضمان هيمنة الهند على طرق التجارة الحيوية الممتدة من مضيق هرمز إلى مداخل البحر الأحمر في جيبوتي وارض الصومال.

يُعدّ التحالف الإسرائيلي الهندي، الذي تمّت المصادقة عليه خلال زيارة مودي إلى أديس أبابا، القوة الدافعة وراء محور “من الهند إلى كوش” المصمم لكبح التوسع التركي وإرساء توازن جيوسياسي جديد.

لذا، يُمثّل الاعتراف بارض الصومال حلقةً في عقيدة الأمن القومي الإسرائيلي الجديدة. فهو عنصرٌ هامٌّ في الصورة التي تُوحّد العملية برمتها. إذ يسمح لإسرائيل ببسط نفوذها بعيدًا عن حدودها، وتأمين طرق التجارة الحيوية، وإقامة تحالفات مع القوى العالمية على أساس المصالح المشتركة. وكما أشارت القمة الثلاثية في القدس مع اليونان وقبرص قبل أسبوع، لم تعد إسرائيل “فيلا في الأدغال” تنتظر مصيرها المحتوم، بل أصبحت الفاعل المؤثر، الذي يُحوّل القوة التكنولوجية والعسكرية إلى مكاسب سياسية تُغيّر وجه الشرق الأوسط، من الهند إلى كوش.

 

*شريك مؤسس في حركة “الينو” – جيل أحفاد المؤسسين

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى