ترجمات عبريةشوؤن عربية

القرار الأمريكي سحب القوات من سوريا – معاني لاسرائيل

ملحق استراتيجي –  نظرة عليا – بقلم  الداد شفيت واودي ديغل – 26/12/2018

ان قرار الرئيس دونالد ترامب اخراج القوات الامريكية من سوريا فاجأ القيادة السياسية والامنية في الولايات المتحدة، مثلما فاجأ حلفائها في المنطقة. وذلك بعد ان اعلنت محافل رفيعة المستوى، بمن فيهم مستشار الامن القومي جون بولتون، في الاشهر الاخيرة ومع تعيين مبعوث امريكي خاص لسوريا، وبخلاف نهج ترامب الاول، بان القوات الامريكية ستبقى في سوريا حتى خروج الايرانيين وحتى تحقيق تسوية سياسية. وتأتي استقالة وزير الدفاع جيمس ماتس لتجسد القطيعة الكبرى بين نهج الرئيس وبين مواقف المحافل المهنية. ليس واضحة بعد الاسباب الفورية التي دفعت الرئيس ترامب لان يقرر بالتوقيت الحالي، وهل يرتبط هذا باسباب داخلية و/او “بصفقة” يحاول  العمل عليها مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، تربط بين منظومات دافع جوي من طراز باتريوت كبديل عن الـ اس 400 التي يعنى الاتراك بشرائها من روسيا وبين استمرار توريد طائرات اف 35 الى تركيا. يبدو ايضا ان اخلاء القوات يأتي لمنع الاحتكاك بين القوات الامريكية والقوات التركية في شمال شرق سوريا. في كل الاحوال لا يبدو أن القرار هو عنصر في توافقات على خطوة اوسع تجاه سوريا تشارك فيها روسيا ايضا.

دون اي صلة بالسبب الفوري، فان القرار الذي ينضم لخطوات وتصريحات اخرى للرئيس ترامب منذ بداية ولايته يشهد على أنه حتى لو كان هو نفسه يطرح عدة اهداف للتحقيق في  الشرق الاوسط، وعلى رأسها رغبته في أن يفرض على ايران تغيير سياستها. فترامب ليس مستعدا لان يواصل تحمل العبء والمخاطر المتمثلة لتواجد القوات الامريكية في الشرق الاوسط. في الخلفية، تقارير عن أن الجيش تلقى تعليمات للبدء بتقليص حجم قواته في افغانستان. وذلك بعد أن اشتكى من ان الولايات المتحدة لا تحظى بالامتنان من جانب حلفائها في المنطقة. عمليا، باستثناء الجهود لاستئناف وتشديد العقوبات على ايران، تترك الخطوة الولايات المتحدة دون سياسة منسجمة تجاه الاهداف المعنية بتحقيقها.

فضلا عن ذلك يتأكد اكثر فأكثر لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة بانه توجد صعوبة حقيقية للاعتماد على تجند الادارة كعنصر مركزي في استراتيجيتهم للتصدي للتهديدات التي يقفون امامها. فاخراج القوات (نحو 2.000 جندي، معظمهم من القوات الخاصة) يعتبر كـ “خيانة” اخرى من جانب الولايات المتحدة لحلفائها، وهذه المرة من يدفع الثمن هي “القوات الديمقراطية السورية”، التي تستند اساسا الى قوات كردية اقامتها وسلحتها الولايات المتحدة وقادت جهود القتال البري ضد داعش في سوريا. فالاحساس بان واشنطن تفقد مصداقيتها في اوساط المحافل الاقليمية يأتي بعد هذا القرار ليصبح حقيقيا.كما أن قرار  ترامب يشكك بمكانة كبار مسؤولي الادارة الامريكية كمن يعبرون عمليا عن سياسة الولايات المتحدة.

علل الرئيس ترامب قراره بانه لم تعد حاجة للقوات الامريكية في سوريا كون مهامة الحاق الهزيمة بداعش قد انتهت بنجاح، وان لا حاجة لان تكون الولايات المتحدة “شرطي” المنطقة. وبالفعل، فان الجهود  العسكرية التي قادها التحالف برئاسة الولايات المتحدة سجلت نجاحات عديدة في ضرب داعش، ولكن لا تزال بقيت قوات فاعلة في سوريا وفي العراق (حسب التقارير الأخيرة يتواجد في هذه المنطقة نحو 3.000 مقاتل). رغم تصريحات واشنطن بان الإدارة غير معنية بتكرار أخطاء إدارة أوباما التي قررت الانسحاب من العراق، ليس للإدارة استراتيجية مرتبة لليوم التالي لتصفية الموقع الإقليمي لداعش، مما يضمن الا يعود التهديد والا تنشأ ظروف تسهل على إعادة بناء هذه القوة السلفية الجهادية في سوريا وفي أماكن أخرى. مهما يكن من أمر، فان عدم الاستقرار الذي يبقى يميز مراكز نشوء داعش – ولا سيما سوريا، العراق، اليمن وليبيا – والصعوبة الهائلة في توفير المقدرات الاقتصادية والبشرية اللازمة لتلبية احتياجات السكان تجعل من الصعب ترجمة النجاحات العسكرية لخطة عمل شاملة.

تخدم الخطوة الامريكية ايران، التي احد أهدافها الاستراتيجية هو التقليص قدر الإمكان للتواجد  الأمريكي في الشرق الأوسط وفي سوريا بشكل خاص. وذلك أساسا لان التواجد العسكري الأمريكي في شرق سوريا، على طول الحدود مع العراق قيد حرية العمل الإيرانية في نقل القوات والوسائل القتالية في الطريق البرية من ايران عبر العراق الى سوريا والى لبنان. يعتقد الموقف الإيراني (وكذا الروسي) بان قواتها توجد هناك بناء على طلب النظام السوري وبالتالي فهي تحظى بالشرعية بينما فرضت الولايات المتحدة نفسها على سوريا. ويعزز قرار الرئيس ترامب في ايران التقدير بان ليس لها في هذه المرحلة سبب يجعلها  تغير تقديرها للمخاطر وفي اعقاب ذلك  تغير أهدافها وطرق تحقيقها. نشاهد هنا على أنه رغم الخطابية العالية ضدها من جانب الإدارة الامريكية والخطوات  من جانبها لفرض نظام العقوبات، لم تغير ايران حتى الان سلوكها الإقليمي وبالاساس رغبتها في مواصلة تثبيت تواجدها في سوريا ومساعدة حزب الله في تعزيز قوته العسكرية.في هذا السياق، فان الانباء التي تقول ان الولايات المتحدة لا تربط بين سياستها ضد حزب الله وسياستها تجاه الحكومة اللبنانية، تشجع ايران. ففي نظر طهران، تعكس التطورات في  المنطقة بالذات ميلا إيجابيا من ناحيتها وبالاساس في ما يمكن تفسره كانعدام التصميم الأمريكي، ضعف السعودية بسبب أزمة قتل الصحافي خاشقجي، الجهد الروسي لتقييد حرية عمل إسرائيل في سوريا وانعدام الحماسة في إسرائيل للتصعيد تجاه حماس في قطاع غزة وتجاه حزب الله في لبنان.

المعاني

ان خروج القوات الامريكية سيسرع عملية إعادة سيطرة نظام الأسد على مناطق في شرق وشمال سوريا لم يتم الاستيلاء عليها بعد وتوجد تحت سيطرة الاكراد الذين يتمتعون بمساعدة ودعم أمريكيين. كما أن الخطوة ستعزز صورة انتصار الأسد في الحرب الاهلية باسناد من التحالف الروسي – الإيراني. يبدو ان الهدف الأول لهؤلاء الشركاء سيكون المسارعة لتوجيه الجهود للسيطرة على المجالات في الحدود العراقية السورية بما في ذلك منطقة الطنف ومحاور الحركة من الشرق الى الغرب، وكذا الإقليم الكردي في شمال شرق سوريا، بما في ذلك حقول النفط. والاحتمال العالي هو أن تختار قوات سوريا الديمقراطية في هذا الوضع التعاون مع النظام، ولكنها ستوقف أيضا قتالها ضد جيوب داعش في ضوء احساسها بان الامريكيين خانوها وبالاساس للتخوف من ان تنفذ تركيا تهديداتها لتوسيع المعركة ضدها في شمال شرق سوريا أيضا، وتستغل الوضع الجديد كي تستولي على مناطق في الحدود  التركية – السورية.

يبدو أنه في القرار الأمريكي سحب قواتها فانها تودع “الملف السوري” تماما تقريبا في أيدي روسيا وتفقد ورقة مساومة مركزية في مساعي التأثير على طبيعة التسوية السياسية في سوريا، اذا ما وعندما تتحقق بين الأطراف  المختلفة. التسوية التي كان يفترض بها أن تتضمن أيضا موقفا من مسألة التواجد الإيراني في سوريا. فضلا عن ذلك، مشكوك أن تكون الرافعة الوحيدة المتبقية للولايات المتحدة بشكل مساهمتها المحتملة في إعادة بناء سوريا كجزء ضروري من تحقيق التسوية التي تشمل تغيير النظام وإخراج القوات الإيرانية ان تكون قادرة للتحقق بالفعل، وان كان فقط بسبب الاحتمالات الضعيفة في أن يوافق الرئيس ترامب على استثمارات اقتصادية هامة في سوريا، والتي تأتي مكانتها في مستوى متدني في الاهتمام الأمريكي العام.

صحيح أن روسيا ترغب في مغادرة القوات الامريكية، ولكنها طلبت دورا أمريكيا في عملية التسوية السياسية في سوريا، كي تحظى بتأييد دولي وشراكة في إعادة بناء سوريا. ستحاول روسيا ترجمة مغادرة ترامب للساحة الى تعزيز هام لقدرتها على التأثير والمناورة في سوريا وستستخدم ذلك كي تظهر ان سياستها تعكس التصميم، المسؤولية، المثابرة والاستقرار، وان معنى الخطوة الامريكية هو تثبيت مكانة موسكو كجهة مركزية في الشرق الأوسط. في هذا السياق، معقول أن يكون من ناحيتها لمسألة التواجد الإيراني في سوريا أهمية اكبر كورقة مساومة في مساعيها لاقناع الولايات المتحدة لان تحقق  معها تسوية في مسائل تتجاوز الشرق الأوسط أيضا.

حتى لو كان لا يزال للولايات المتحدة مصالح في المنطقة، فان السلوك الامريكية في سوريا، مثلما في قضية قتل خاشقجي مؤخرا، يضعف قدرتها على التأثير ومجال المناورة لديها امام التحديات القائمة، وبذلك فانها تترك لدى حلفائها علامات استفهام حول قدرتها على اسناد سياستهم في مواجهة تعزيز الدافع لدى الجهات التي تعمل منذ زمن بعيد على استغلال تردد الإدارة كي تسرع الخطوات لتعزيز نفوذها وسيطرتها. لقد توقعت إسرائيل من الولايات المتحدة خطوات أكثر تصميما من اجل  ابعاد  ايران وفروعها عن سوريا وكذا أيضا مواصلة التواجد العسكري الأمريكي في شرق سوريا من اجل منع “الجسر البري” الإيراني من الشرق الى سوريا.

ان المعاني المركزية من ناحية إسرائيل هي إمكانية أن يشجع الانسحاب ايران على تعزيز سيطرتها الإقليمية في المناطق التي كانت حتى الان تحت نفوذ القوات الامريكية. كما أن العلاقات المهزوزة بين واشنطن وموسكو لم تسمح حتى قبل ذلك بالاعتماد على الإدارة كوسيط في مواجهة ضغوط روسيا، بما في ذلك القيود التي تفرضها على حرية العمل الجوي الإسرائيلي في سماء سوريا. عمليا بقيت إسرائيل وحدها في المعركة ضد تثبيت الوجود الإيراني في سوريا، وفي اقصى الأحوال ستنال اسنادا سياسيا من جانب الولايات المتحدة في إدارة الصراع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى