#شؤون فلسطينية

القائمة المشتركة

أشرف بدر – 15/10/2020

رشح اعلاميا بأن هنالك توجه لدى طرفي المعادلة الفلسطينية (فتح وحماس) لخوض الانتخابات القادمة للمجلس التشريعي (في حال عقدها)، بقائمة انتخابية مشتركة…أثار ذلك ردود أفعال متباينة في الحقل السياسي الفلسطيني، ما بين معارض ومؤيد، فما هي خلفية هذا التوجه وما هي أهم فوائده ومثالبه المتوقعة.

الخلفية

يعاني الحزبين الكبيرين (فتح، حماس) من مشاكل تنظيمية داخلية. ففتح تعاني من وجود ما يطلق عليه التيار الاصلاحي بقيادة محمد دحلان، الطامح لاستبدال الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، برعاية من الإمارات وغض طرف من دول اقليمية مهمة كمصر والسعودية. ناهيك عن معركة الخلافة المستترة التي قسمت اللجنة المركزية لحركة فتح إلى مراكز للقوى…وعلى الصعيد السياسي وصلت عملية السلام برمتها الى طريق مسدود بعد إطلاق ما يسمى رؤية ترامب، وتهافت الدول العربية على التطبيع، وانسداد كامل في عملية التفاوض. علاوة على طرح مسألة شرعية تمثيل القيادة الحالية للشعب الفلسطيني على ضوء عدم إجراء إنتخابات منذ ما يقارب عقد ونصف … باختصار تعاني الحركة والحالة الفلسطينية برمتها من مأزق تنظيمي وسياسي…

في المقابل تعاني حماس من مشاكل تنظيمية واضحة، على الأقل على مستوى الضفة الغربية، فقد تم تصفية بنيتها التحتية وتجفيف منابعها، وتحولت إلى تيار أكثر منه تنظيم، ناهيك عن صراع مستتر على النفوذ والصلاحيات في غزة بين أبرز القيادات…على المستوى السياسي تعاني الحركة من الحصار، وانسداد أفق مشروع المقاومة بسبب عدة عوامل ذاتية وموضوعية..باختصار تعاني الحركة أيضاً من مأزق تنظيمي وسياسي.

على هذه الأرضية بنيت فكرة القائمة المشتركة، فكلا الطرفين سيحقق مكاسب ويقلل الخسائر…فتح ستؤجل الخوض في صراعاتها الداخلية، و حماس ستغطي على عجزها التنظيمي في الضفة الغربية من ناحية، وتضمن شبكة أمان (نسبية) من الملاحقة الأمنية، فمن خلال القائمة المشتركة لن يتم التضييق عليها على الأقل من الأجهزة الأمينة الفلسطينية، وحتى لو تعرض اعضائها للاعتقال على يد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، فنظام القائمة قد يسمح باستبدال من اعتقل بشخص بعيد عن الاعتقال من قطاع غزة.

أما على الصعيد السياسي فلا معنى لا تشكيل قائمة مشتركة بدون برنامج مشترك. فمن العبث الحديث عن قائمة مشتركة بدون برنامج مشترك، من السهل الوصول إليه على ضوء ترسانة الاتفاقات الموقعة سابقاً. فالمشكلة لمتكن يوماً بالبرامج بقدر ما هي في التطبيق. هنا قد يعترض البعض على ذلك.

المعارضون

ينقسم المعارضون لفكرة القائمة المشتركة إلى ثلاثة أقسام. معارضة داخلية تنظيمية، معارضة حزبية من خارج التنظيمين، معارضة من بعض التيارات والمستقلين…على الصعيد التنظيمي الداخلي لكلا الحركتين ستكون هنالك معارضة لمثل هذه الفكرة لعدة أسباب، من أبرزها المصالح والعداوات الشخصية. فعلى صعيد المصالح أنتج الانقسام مجموعات من المستفيدين من الانقسام، يتغذون عليه ويضخمون مكاسبهم من خلاله. انهاء الانقسام سيمس مصالحهم ويؤثر على مكاسبهم المادية والتنظيمية. اما على صعيد العداوات الشخصية؛ فلا يمكننا إنكار الجرح العميق الذي انتجه الانقسام والمظالم وانتهاكات حقوق الانسان التي اقترفت من الطرفين، والتي أورثت عند البعض حقد شخصي على الطرف الآخر…لا يمكن تجاهله أو المرور عنه مرور الكرام، وهو بحاجة إلى مصالحة مجتمعية حقيقية، ورد الحقوق إلى أهلها.

أما المعارضة الحزبية لمثل هذا التوجه، فيحركها دافعي المحافظة على الذات، والخشية من تتحول القائمة المشتركة لأداة لتقنين الانقسام والمحاصصة بين الطرفين. تدرك بعض الأحزاب التي تفتقر للامتداد الشعبي بأن القائمة المشتركة ستضعف حظوطها فيما تراهن عليه من التحالف مع أحد الحزبين الكبيرين في الانتخابات القادمة، والذي بدونه لن تصل إلى نسبة الحسم. وبالتالي تراجع امكانية حصولها على تمثيل سياسي في المجلس وبقائها في دائرة هامش الفعل السياسي. ومن ثم ليس من مصلحتها أن تشكل القائمةمن الحزبين فقط، وستسعى لأن تنضم لهذه القائمة بذريعة أنها قائمة وطنية غير مقتصرة على الحزبين. وحسناً تفعل الحركتين إن فتحت القائمة لهذه التيارات والأحزاب الصغيرة، فبهذه الطريقة تضمن تمثيلا أوسع لشرائح الشعب.

على صعيد اليسار هنالك خيارين أساسيين، المشاركة أو المفارقة. إما الانضمام لهذه القائمة المشتركة على أساس برنامج وطني مشترك. وفي حال تحقق ذلك ستكون الانتخابات القادمة بمثابة تصويت من الناخبين على هذا البرنامج، وهو مكسب وطني لا يمكن تجاهله في حال حصل. فقد تكون المرة الأولى التي يصوت فيها على برنامج سياسي ترضى عنه الأحزاب والتيارات المؤثرة والفاعلة. لكن وكما هو ملموس اليسار منقسم على نفسه، ومن المتوقع ألا تقبل بعض أطرافه بهذه المعادلة، ويدفعها طموحها لتشكيل تيار ثالث بديل، إلى تشكيل قائمة انتخابية بذريعة رفض فكرة المحاصصة، والسعي لتكريس التجربة الديمقراطية وإفساح المجال للناخب لمحاسبة من قادوا المرحلة السابقة. حتى لو تحقق هذا السيناريو فهذا ايضاً مكسب للحياة السياسية الفلسطينية، وقد يشكل صمام أمان للعملية الانتخابية برمتها. لكن حتى هذا السيناريو قد لا يتحقق، وقد يتكرر ما حدث في انتخابات سابقة من نزول اليسار في قائمتين أو ثلاثة بدل قائمة واحدة بفعل المشاحنات بين المنتمين له. وبالتالي تتفتت الأصوات وتقل القدرة على التأثير السياسي.

أما على صعيد المعارضين من بعض التيارت والمستقلين، فهنالك خشية من المستقلين أن لا تكون لديهم أي حظوظ في هذه الانتخابات، فلا توجد عندهم القدرة على مواجهة مثل هذه القائمة في أي انتخابات. وبالتالي حظوظهم شبه منعدمة بالفوز…في الجانب الآخر يجب الأخذ بعين الاعتبار وجود بعض التيارات والشخصيات التي ترفض فكرة القائمة المشتركة، لأنها ترفض المبدأ نفسه والعملية برمتها، فهي غير مقتنعة بأي انتخابات ناتجة عن مؤسسات أفرزتها اتفاقية اوسلو. وحتى لو أن أوسلو انتهت إلا ان مفاعيلها ما زالت قائمة. وبالتالي هذه التيارات (كحزب التحرير مثلاً) هي ضد المبدأ من الأساس وهو إجراء انتخابات تحت مظلة اوسلو…وقد يتبنى الجهاد الإسلامي موقف مشابه. لكن هذه المعارضة في الأغلب ستقتصر على التنظير والرفض الاعلامي دون اتخاذ إجراءات على الأرض تمنع مثل هذه الانتخابات (في حال عقدت).

المؤيدون

تحمس البعض للفكرة وأطلق العنان لخياله ليضع سيناريوهات وردية مبنية على أنها ستنهي الانقسام بشكل مبرم، وستساهم في الخروج من حالة التيه السياسي التي نعيشها. غلب على هذا التوجه التفكير الرغبوي دون الأخذ بعين الاعتبار التعقيدات الكبيرة التي تواجه فكرة القائمة المشتركة داخلياً وخارجياً. فعدا عن معارضة دول اقليمية عربية لهذه الفكرة. ستكون هنالك معارضة اسرائيلية والأغلب أميركية في حال فوز ترامب (وغير مضمون تأييد بايدن للفكرة في حال فوزه). لأن مغزى الفكرة هو نسف الجهود المبذولة على مدار سنوات لعزل حماس، وعدم ادماجها في النظام السياسي الفلسطيني ومنحها شرعية التمثيل. على أي حال؛ من الطبيعي ان تكون هنالك معارضة من أطراف فاعلة لمثل هذه الفكرة لأنها تتعارض مع مصالحهم، لكن ذلك لا يعني الاستسلام لرغبتهم.

الخلاصة

قد يجادل البعض بأن إجراء الانتخابات نوع من أنواع الترف، وقفزة في الهواء أو الهروب من استحقاقات التعامل مع صفقة القرن، ناهيك عن أنها ستعمق من تهميش الشتات الفلسطيني وفلسطيني 48 لأنها ستجرى في مناطق السلطة فقط. وأن الأفضل التوافق على مجلس وطني وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني ضمن آليات تضمن تمثيل معظم شرائح الشعب. وهو رأي مقدر، لكننا في المقابل لا يمكن تجاهل واقع تآكل شرعية النظام السياسي، نتيجة وجود مؤسسات معينة أو انتهت آجالها الانتخابية. وبالتالي ستكون الانتخابات إحدى الوسائل لتجديد هذه الشرعية المفقودة، ووسيلة لاستعادة جزء من ثقة الشعب في برنامج سياسي مشترك. إجراء الانتخابات حاجة فلسطينية داخلية بالدرجة الأولى. لكن إجرائها في أجواء من الاستقطاب السياسي والتشاحن، سيعمق الانقسام ويزيد الطين بله. ناهيك عن انه لا توجد ضمانة لنزاهة انتخابات في ظل تغول الأجهزة الامنية الفلسطينية. وبالتالي قد يكون المخرج لتجاوز ذلك وكثير من المشاكل القائمة المشتركة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى