شؤون إسرائيلية

الغاز الإسرائيلي بين المنافسة والمقاومة

مركز البديل للتخطيط والدراسات الاستراتيجية – 10/1/2018
اعداد إسلام أبو العز – باحث متخصص في شئون الشرق الأوسط
ملخص تنفيذي
غني عن الذكر أن الطاقة تشكل الأساس المادي لمعظم صراعات الشرق الأوسط في العقود الماضية؛ وبالتالي فإن اكتشافات الغاز في شرق البحر المتوسط شكلت محور أساسي في هذه الصراعات، بل ويعتبر بعض الخبراء أن الدول المطلة على هذا الحيز الجغرافي كانت بالفعل مسرح لصراعات سياسية وعسكرية أتت كتعبير عن صراع حول مستقبل تدفق الطاقة من هذه الدول إلى مستهلكيها في جميع أنحاء العالم، مثل سوريا ولبنان وقطاع غزة، بالإضافة إلى باقي سواحل فلسطين المحتلة، التي تحوي ما اعتبره ساسة واقتصادي تل أبيب منذ مطلع الألفية الجديدة “كنز إسرائيل الاستراتيجي” الذي لن يوفر فقط حاجة المستوطنات والمصانع من الطاقة، ولكن يفيض ليضمن أن تتحول تل أبيب لمركز لتصدير الغاز في هذه المنطقة ليس فقط كمورد ريعي لمختلف المستهلكين، ولكن كمتحكم في سوق الطاقة وما لذلك من أثر سياسي يعمد إسرائيل كقوة إقليمية كبيرة بمعزل عن الدعم الأميركي في المستقبل، استناداً على أساس اقتصادي يغير بنيوية الكيان الصهيوني على المدى المستقبلي.
مقدمة
في 2004 قال الفيلسوف والمؤرخ والمنظر السياسي الأميركي، نعوم تشومسكي في أحد البرامج التليفزيونية تعليقاً على علاقة النفط بغزو العراق 2003 أن “لولا النفط لكانت منطقة الشرق الأوسط مثال للتعايش والسلام؛ إنه نعمة ونقمة دول هذه المنطقة، فالطاقة الرخيصة التي اكتشفت هناك منذ أوائل القرن العشرين، هي التي تحدد من وقتها وحتى الأن شكل الصراعات الدائرة، سواء بانتهاء من إعادة رسمها وتقسيمها بين الدول الاستعمارية، أو منذ بداية وضع الولايات المتحدة يدها عليه، هذا جعل مصادر الطاقة وسياستها من الحوامل الرئيسية التي تتغير على أثرها السياسات في المنطقة، وبالعودة لبدايات اكتشافات النفط في الخليج الفارسي والطفرة التي أحدثها اقتصادياً وكان لها مردودات سياسية منها على سبيل المثال تعزيز الاستبداد، الوجود العسكري في هذه المنطقة منذ حرب الخليج، أخيراً غزو العراق.. أخشى أنه حتى بعد نضوب النفط من هذه المنطقة أن تتمحور الصراعات هناك حول مصدر أخر للطاقة، حتى ولو كان طاقة الرياح. فحظ الشرق الأوسط جيد مثل حظ الحانوتي؛ لا يكون جيداً إلا بموت الأخريين”.
رأي تشومسكي السابق يعبر في مجمله عن أن الطاقة وتحديداً النفط والغاز هما محور السياسات في المنطقة، والعامل الرئيسي في تفاعلات دولها مع الغرب وفيما بينهم، كذلك الآثار الاجتماعية الداخلية في هذه الدول، من ارتفاع وتفاوت مستوى المعيشة وغيرها، وبخلاف دول الخليج، فإنه منذ العقد الماضي يحتل غاز البحر المتوسط أهمية استراتيجية تجعله محرك للسياسة في المنطقة بعد نفط دول الخليج، فاكتشافات الغاز منذ التسعينيات في المتوسط خاصة في شرقه ألقت مفاعيلها السياسية والاقتصادية على عدد من بلدان المنطقة، على رأسها مصر وفلسطين المحتلة ولبنان وسوريا وتركيا وقبرص واليونان، خاصة وأن الاحتياطات التي أعلن عنها في السنوات القليلة الماضية قلبت أكثر من مرة سوق الطاقة المحلي والعالمي، سواء على مستوى الاستهلاك والسعر أو على مستوى البيع والشراء بين دول المنطقة، فعلى سبيل المثال كانت مصر تصدر حتى وقت قريب الغاز إلى إسرائيل، وعقب تشغيل الأخيرة لآبار الغاز الخاصة بها في شرق المتوسط على نحو اقتصادي، انعكس الأمر وأصبح الغاز المصري غير ذي حاجة لإسرائيل، بل أن مصر إزاء زيادة الطلب الداخلي على الغاز، أضحت في حاجة لاستيراد الغاز من عدة دول على رأسها إسرائيل التي استفادت من القلاقل الاقتصادية والسياسية والأمنية في مصر لتقدم نفسها كمُصدر مستقر وثابت للغاز الطبيعي. على عكس الأخيرة.
في السطور التالية نستعرض مستقبل “كنز إسرائيل الاستراتيجي” بين أخطار المنافسة والمقاومة، وارتباط ذلك بوتيرة تطوير إسرائيلية اعتمدت في السنوات القليلة الماضية، مفادها إن لم تكن حقول الغاز التي تسيطر عليها تل أبيب جوهرة تاج غاز المتوسط من حيث كمية الاحتياطي والإنتاج بسبب بداية استخراج الدول المطلة على نفس الحيز الجغرافي حتى وإن كانت “حليف” مثل مصر، فمن الممكن أن تصبح إسرائيل مركز لتجارة ونقل الغاز، ولكن هذا أيضاً مشكوك في فعاليته نظراً للمخاطر الأمنية، وعدم سير أي من الشركات الكبرى العالمية مع استراتيجية الطاقة في تل أبيب بسبب هذه المخاطر، وأيضاً بسبب الجدوى الاقتصادية.
اكتشافات الغاز والنقلة النوعية للاقتصاد الإسرائيلي:
بما أن الاقتصاد الإسرائيلي هو اقتصاد مالي وخدمي، والتصنيع فيه قائم بالدرجة الأولى على تطوير الصناعات التكنولوجية والحاسوبية، وبخلاف صناعة الماس والصناعات العسكرية والصناعات الغذائية المحدودة، لا يوجد في إسرائيل صناعات ثقيلة قائمة على النفط أو التعدين، إلى أن شكلت اكتشافات الغاز في شرق المتوسط أمل في تحول الاقتصاد الإسرائيلي إلى اقتصاد ريعي وصناعي، فتقديرات تل أبيب لحجم الغاز المكتشف تبلغ حوالي 450 مليار متر مكعب– منها حوالي النصف في عرض البحر أمام سواحل لبنان وغزة- تضعها في المركز التاسع عالمياً من حيث الدول التي تمتلك أكبر احتياطيات الغاز في العالم، ما يعني تحول الكيان إلى قوة اقتصادية كبيرة مهيمنة على شرق المتوسط ودول الشرق الأوسط حال تحول قطاع التعدين والبترول فيها إلى نموذج اقتصاد ريعي/ صناعي، يضعها في مصاف الدول الكبرى، من حيث كم الطاقة المستخرج والمستغل صناعيا وتصديريا.
ثلاث عوائق وقفت أمام تل أبيب في مسألة استثمار الغاز الذي يقدر عمر نضوبه بأربعين عاما، الأول هو مسألة ترسيم الحدود البحرية وتقاسم المشترك من حقول الغاز مع الدول المعنية، والثاني هو كيفية تسويق الغاز المستخرج، والثالث حماية “الكنز الاستراتيجي”.
العائق الأول تم تسويته مع قبرص ومصر، سواء بتقاسم مراحل وأرباح الغاز في الحقول المشتركة عن طريق اتفاقيات اقتصادية بين تل أبيب ونيقوسيا، وبالنسبة لمصر، فيشكل ملف الغاز بين الدولتين علامة استفهام كبرى على أسئلة إهدار وفساد استمر منذ بداية الألفين حتى الأن، ولكن فيما بدا أن الحكومة المصرية في عهد المخلوع حسني مبارك أهدرت حقوق مصر في غاز المتوسط إلى الأبد، لتصبح إسرائيل دولة مُصدرة للغاز إلى مصر بعدما كان يحدث العكس حتى عام2012.
المنافسة الاحتكارية لم تعد كذلك.. مصر كمثال:
جدير بالذكر أن غاز شرق المتوسط، وعلى الرغم من نجاح تل أبيب وانفرادها حتى العاميين الماضيين في الاستئثار باستخراجه من ما كان يفترض أنها الآبار الأكثر إنتاجاً والتسويق لها عالمياً، في وقت كانت الدول الأخرى المطلة على نفس الحيز الجغرافي مهملة أو متباطئة أو عاجزة في الالتفات للأهمية الاستراتيجية لغاز شرق المتوسط- مثل لبنان وسوريا التي بدأتا مؤخراً توقيع عقود التنقيب والاستخراج بدفع من قوى إقليمية ودولية- لم يعد حكراً لإسرائيل، سواء من حيث مبدأ الحيازة والوفرة والتحكم، أو حتى في صدارة الحقول التي تسيطر عليها تل أبيب التي كانت حتى وقت قريب الأكثر إنتاجا ومخزوناً، لكن حتى على مستوى نظر كبريات الشركات والكيانات النفطية المعنية بمثل هذا المجال؛ فأضحت الحقول الإسرائيلية خارج أجندة عمل هذه الكيانات الكبيرة مثل شركات إيني وشلّ وبي بي وتوتال، بل أن حتى الشركات الصينية والروسية لم تعد مهتمة بالعمل في حقول الغاز التي تسيطر عليها إسرائيل بعد تأمين تعاقدات لها بشروط أفضل من حيث التكلفة والنقل والربح، وكذلك عوامل الأمان، التي في الحالة الإسرائيلية تنحصر في احتمالية استهداف منصات استخراج الغاز حال اشتعال أي نزاع مسلح تكون إسرائيل طرفاً فيه، وهو الأمر المطروح من حرب 2006، وحدث بالفعل في حرب 2014 على قطاع غزة.
ولا يجد هنا مثال لتقلب سوق الغاز في المنطقة وماله من آثار اقتصادية وسياسية على دول المنطقة أكثر من الاكتشافات الجديدة المعلن عنها حديثاً في مصر، وأهمها حقل غاز “زهر”، الذي شكل في دولة واحدة أكثر من 75% من احتياطي الغاز في الآبار التي تسيطر عليها تل أبيب، فعلى الرغم من توقع اكتشاف احتياطات غاز هائلة في هذه المنطقة منذ سنوات، إلا أن توقيت الاكتشاف أو تحديداً توقيت الإعلان عنه كان له أثر بالغ على مشهد سوق الطاقة في المنطقة وربما العالم، فالاحتياطات المؤكدة لهذا الاكتشاف لا تسد احتياجات مصر لسنوات طويلة قادمة فقط، ولكن تضعها في صدارة الدول المصدرة للغاز على مدار العقديين القادمين، ما يعد معامل خطر قائم على صناعة التعدين الإسرائيلية التي عمادها حقول غاز شرق المتوسط، التي بدأت الحكومة الإسرائيلية مؤخراً تقسيم وإعادة هيكلة هذا القطاع على أساس استثمارات مباشرة من رجال أعمال، ما كان يعني خضوع الغاز إلى قوانين السوق داخل وخارج الكيان، لكن مع الاكتشافات المصرية الجديدة، التي تحاط بغموض حول كيفية إدارة القاهرة لها حالياً ومستقبلاً، فأن الغاز الإسرائيلي الذي هو بتعبير نتنياهو “كنز إسرائيل الاستراتيجي”، لم يحظ فقط بمنافس قوي، لكنه لم يعد كنزاً أيضاً، ويخضع لقوانين السوق التنافسية التي أبسطها “من يحوز الوفرة يتحكم في السلعة”.
بديهيات السوق
في السياق نفسه، ينبغي التأكيد على أن سوق الطاقة خاصة المتعلق بغاز شرق المتوسط على تغيراته المتسمرة فإنه يخضع لبديهيات اقتصادية، مثل قانون العرض والطلب؛ فحتى مع توفير تل أبيب احتياجاتها المحلية من الغاز على المستوى المستقبلي، فإن هذا يقتصر على مبدأ الاكتفاء الذاتي من سلعة ما يتم إنتاجها محلياً، ولكن في تصور “الكنز الاستراتيجي”، لم تقف الاستفادة من الغاز بالنسبة لإسرائيل حتى أعوام قليلة مضت عند تغطية السوق المحلي، بل كارتكاز اقتصادي يقوم عليه مشروع سياسي إقليمي يدمج الكيان الصهيوني بشكل عضوي في المنطقة من حيث حاجة الدول المجاورة لها، ويشكل مستقبلاً ارتكازاً جيوستراتيجي للمهتمين بسوق الطاقة من الدول والشركات الكبرى لأن تكون تل أبيب مركز لصناعة الطاقة في المنطقة والعالم، لكن ما حدث أن معامل المنافسة الحتمية بينها وبين هذه الدول بما فيها الدول الصديقة والحليفة كالقاهرة ونيقوسيا، تجاوز حتى الحد الأدنى لتدهور هذه الرؤية المستقبلية الإسرائيلية، ليس لأن هذه الدول وغيرها – مثل الأردن- ترفض التعامل مع الغاز الإسرائيلي تحت أي اعتبار اقتصادي أو سياسي، ولكن لأن سوق الطاقة العالمي وعلى المستوى المستقبلي البعيد لا يخضع لأماني وطموحات ساسة تل أبيب، لأن ببساطة لم تصبح الأخيرة رقم هام في هذا السوق لتفرض شروط حتى على مستوى تداول سلعة مهمة مثل الغاز بكل ما تسيطر عليه من احتياطي ضخم تقزم بجوار الاكتشافات الجديدة والمتوقعة في المستقبل القريب في كل دول شرق المتوسط، بما فيها الدول الحليفة لتل أبيب التي تنظر إليها الشركات الكبرى كفرص أكثر أماناً وأقل تكلفة من الذهاب لمغامرة التعامل مع إسرائيل بكافة التعقيدات الاقتصادية والأمنية الموجودة والمرشحة للتفاقم أكثر في المستقبل.

في مقابل خطورة التنافس مع “الحلفاء”، التي رغم كل الاتفاقيات والترتيبات التي دفعت تل أبيب نحوها، فإن بديهيات السوق جعلت اللاعبين الكبار في هذا المجال، وتحديداً شركات النفط العملاقة تفضل الاستثمار المستقبلي في مصر وقبرص دون إسرائيل، فإن كل من لبنان وسوريا وغزة خارج “التسويات الغازية”، التي دفعت تل أبيب في إبرامها، ومع بدء هذه الدول إبرام عقود مع شركات صينية وروسية وعالمية، ليصبح كنز إسرائيل بلا قيمة احتكارية مطلقة.
وبالنسبة لغزة، فمنذ التسعينات تماطل دولة الاحتلال في مسألة استخراج السلطة الفلسطينية لما تفوق قيمته السوقية الستة مليارات دولار من آبار الغاز الموجود قبالة سواحل غزة، التي بدأت إسرائيل منذ سنوات قليلة استنزافها وسرقتها.
“كنز إسرائيل الاستراتيجي”- كهدف للمقاومة
هنا نجد أن كنز إسرائيل الاستراتيجي محاصر حالياً بين بديهيات اقتصادية تبخس قيمته من الناحية الاستراتيجية، وبين مخاطر أمنية بوضعه في إطار تسويات سياسية وعسكرية متعلقة مثلاً بغاز قطاع غزة، وقبل ذلك كون حقول الغاز الإسرائيلية أصبحت هدفاً للمقاومة، فمثلما كانت المجمعات الصناعية والخدمية والترفيهية شمال إسرائيل هدفاً لصواريخ المقاومة اللبنانية، نهاية بحرب 2006 التي قُصفت فيها حيفا، الميناء الاقتصادي الأهم للكيان، وأيضاً منذ عام 2012 حيث قصفت تل أبيب للمرة الأولى بصواريخ المقاومة الفلسطينية من غزة، ومرة أخرى خلال الحرب الأخيرة 2014، حيث غطت صواريخ المقاومة كل فلسطين المحتلة.
وبين 2000 و2014 هناك نقطتي تحول رئيسيتين: الأولى قصف المدمرة “ساعر-5” بصاروخ أرض بحر أثناء حرب تموز 2006، وقصف منصة “نوعا” البحرية بصاروخين أطلقا من غزة قبل 2014، كتصعيد أخير للمقاومة قبل وقف إطلاق النار حينها.
نقطة التحول الأولى في 2006 لم تنبه الإسرائيليين إلى تعرض سلاحهم البحري للخطر بعد معامل خطر صفر منذ إغراق المدمرة إيلات عشية حرب 1967 فحسب، ولكن نبهتهم أيضاً إلى أن منشآت حقول الغاز أيضاً في خطر وفي مرمى نيران المقاومة، ما تكرر مرة ثانية منذ أيام باستهداف منصة التنقيب سابقة الذكر، ما شكل نقطة التحول الثانية، التي أثبتت أن كل إجراءات التأمين العسكرية للمنشآت النفطية عقب حرب تموز حتى العام الجاري لن تضمن الوقاية بنسبة 100 %، فمنذ 2006 ضُمت حماية المنشآت النفطية سواء على سواحل فلسطين المحتلة أو في عرض البحر إلى عملية تأمين الجبهة الداخلية لإسرائيل التي فُرضت لها ميزانية بمليارات الدولارات في أعقاب حرب تموز، فعملت إسرائيل على تأمين منشآتها النفطية في البحر بتشكيل قوة بحرية خاصة مرت بثلاث مراحل، الأولى تتكون من قوات ضفادع بشرية وقوارب سريعة وطائرات بدون طيار وتدخل في نطاق عمل حرس السواحل، المرحلة الثانية تمت بشراكة أمريكية وكان الغرض منها، مراقبة حركة السفن القريبة من سواحل غزة لضمان عدم تهريب الأسلحة، وأدرجت حماية المنشآت النفطية العاملة ومراقبتها بأنظمة استشعار متصلة بالأقمار الصناعية، الثلاثة وهي الأكثر تطوراً وكانت بتعاون أمريكي منبعه الحفاظ على مصالح الشركات الأمريكية النفطية العاملة في إسرائيل، فتوسعت قوة حماية المنشآت البحرية النفطية لتستقل عن قوات حرس السواحل، وتشكل في حد ذاتها قوة خاصة مثلت أعلى مراحل التطور في الحماية البحرية عسكرياً كماً وكيفاً؛ فأولاً أصبحت هذه القوة البحرية الخاصة تابعة لرئاسة أركان جيش العدو، بتوصيات من وزارة الشئون الاستراتيجية، وتوسع نطاق عملها ليشمل المياه الدولية قبالة صيدا وصور في لبنان شمالا وحتى رفح جنوباً. وتضم هذه القوة أربعة فرقاطات أمريكية صُنعت خصيصاً لاستخدامها من جانب القوة الخاصة الإسرائيلية، تتسلح بأنظمة دفاع صاروخي مماثلة لأنظمة الدفاع الصاروخية الموجودة على حاملات الطائرات الأمريكية، وأخرى هجومية لضربات استباقيه لأهداف بحرية أو ساحلية، وتشمل أيضاً منظومة مراقبة واستطلاع ورصد وإنذار مبكر.
الحد الأدنى للاستفادة مع شريك المستقبل.. السعودية:
أمام هذه المخاطر والعوائق الأمنية والاقتصادية، لم يعد أمام تل أبيب إلا أسواق “حلفائها” في القاهرة وعمان والرياض لتصريف غازها، ويحدد سايمون هندرسون 3 مسارات لكي تحافظ إسرائيل على الحد الأدنى من الاستفادة من كنزها الذي لم يعد استراتيجياً، بشكل لا تكون منفردة فيه كما كانت تطمح ولكن كشريك يخضع مثل باقي شركاءه لاستراتيجيات سوق الطاقة وآلياته، ولكن مع فرصة لأن يكون الغاز الإسرائيلي أحد محاور التعاون والتلاقي الحادث مؤخراً بين دول عربية وتل أبيب بخلاف عمان والقاهرة، مثل السعودية
بصرف النظر عن تصدير غاز “ليفياثان” إلى الأردن، فإن أحد الخيارات المصرية هو على الأرجح الأكثر واقعيةً بالنسبة لإسرائيل، فمن وجهة نظر مالية، تفضل شركة “نوبل” من دون شك تحويل الغاز إلى غاز طبيعي مسال لتصديره بدلاً من بيعه في السوق المحلي والانضمام إلى خط الدائنين الطويل في مصر.
ووفقاً لصحيفة “وول ستريت جورنال”، أبلغ وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي المراسلين الصحفيين في وقت سابق من هذا الشهر أنه مهتم بغاز البحر الأبيض المتوسط لاستبدال النفط كوقود لتوليد الطاقة، ما يشير إلى أنه ربما قد ينتهي المطاف بالغاز الإسرائيلي في يوم من الأيام في السعودية عبر مصنع مصري للغاز الطبيعي المسال، ونظراً إلى الاتصالات العسكرية والاستخباراتية الوطيدة ظاهرياً بين مصر وإسرائيل، فإن مصر هي أفضل خيار سياسي على الأرجح، ورغم أن الموارد الدبلوماسية الأمريكية تعاني من ضعف في الشرق الأوسط في الوقت الراهن، إلّا أنّ التعاون على صعيد الغاز الطبيعي يعود بالفائدة على حلفاء أمريكا في المنطقة ويُعدّ الآن أكثر جدوى بكثير من مبادرات السلام التي تتصدر العناوين.
ختام واستشراف
إجراءات حماية المنشآت النفطية الإسرائيلية في البحر لم تحقق نجاحاً يتجاوز نجاح منظومة القبة الحديدية وأخواتها، فقط الفارق أنه لم يتم اختبارها بنفس الكثافة التي حدثت مع العمق الإسرائيلي كهدف لصواريخ المقاومة، فحادثة قصف منصة “نوعا” يمكن تفسيرها على أنها كانت ورقة تصعيد أخيرة للمقاومة مع توحش القصف الإسرائيلي على غزة أواخر أيام العدوان2014، لكن أيضاً هناك دلالة هامة يمكن أخذها في الاعتبار، وهي أن المقاومة تستطيع أن توجه صواريخها إلى “كنز إسرائيل الاستراتيجي” في أي تصعيد عسكري قادم، خاصة وأن إسرائيل ستصل العام القادم إلى نسبة 50% من قدرة تشغيل حقول شرق المتوسط التي تستحوذ عليها، وهو ما يلزمه “هدوء نسبي” في منطقة شرق المتوسط، ليس لفائدة إسرائيلية فحسب، ولكن أيضاً لفائدة سوق الطاقة الأوربي الذي ينظر إلى احتياطي شرق المتوسط كبديل اختياري لغاز روسيا.
أيضاً ربما تسلك المقاومة نفس منهج الاحتلال حيال غاز قطاع غزة، غير المستغل منذ 15 عاما بسبب الحصار والحروب الإسرائيلية المتوالية، فلم تستطع أي شركة تنقيب العمل في محيط تشتعل فيه الحروب مرة كل عامين أو أقل، ما يعني أن المقاومة ربما تقلب المعادلة هذه المرة تجاه الغاز الإسرائيلي، أو تفرض معادلة طويلة الأمد طرفيها هدوء عسكري مقابل ميناء ورفع الحصار عن غاز غزة غير المستغل بسبب الاحتلال، وهذا حتى في إطار تسوية سياسية شاملة بتوافق إقليمي، لا تجده شركات النفط العالمية عامل مغري للاستثمار طويل الأمد لأنه في هذا المناخ يشكل عامل مخاطرة لا تستطيع هذه الشركات معالجته، أكثر من كونه عامل أمان استثماري متوفر في مناطق أخرى.
وبشكل عام، فإن “كنز إسرائيل الاستراتيجي” لم يعد كنزاً ولم يعد استراتيجياً بسبب اكتشافات الغاز الأكبر وذات الأمان الاقتصادي في الدول الأخرى، وعزوف الشركات الكبرى عن الاستثمار المستقبلي في حقول الغاز الإسرائيلية لهذه الأسباب التي يضاف إليها العامل الأمني، حتى أن البعض يعتبر غاز إسرائيل بمثابة “وتر أخيليس” عند أي صدام عسكري تكون تل أبيب أحد أطرافه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى