أقلام وأراء

العميد احمد عيسى يكتب معركة سيف القدس تكشف زيف نوايا الولايات المتحدة الأمريكية وتؤسس لمرحلة جديدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

بقلم العميد: أحمد عيسى

المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي

أعلن المجلس الوزاري المصغر في إسرائيل، وكذلك أطراف المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، فجر يوم الجمعة الموافق 21/5/2021، عن قبولهم العرض المصري لوقف القتال الذي كان قد بدأ بين الطرفين مساء يوم الإثنين الماضي الموافق 10/5/2021، منهين بذلك الجولة الأشرس من جولات القتال الأربع التي نشبت بينهم خلال الثلاثة عشر عاماً الماضية.

وقد بدى واضحاً للعارفين بتاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أن إسرائيل قد وظفت في هذه الجولة قوة عسكرية أكبر بكثير مما وظفته في حرب صناعة الدولة (حرب الإستقلال) العام 1948، الأمر الذي من جهة يكشف أن إسرائيل لم تحسم صناعة وجودها في المنطقة رغم مرور أكثر من سبعة عقود على إعلان قيامها خاضت خلالها أكثر من عشرة حروب طاحنة مع الجيوش العربية في المنطقة وواجهت فيها إنتفاضتين فلسطينيتين كبيرتين.

ويرفع من جهة أخرى منسوب القلق الآخذ بالتزايد على مستقبل الدولة، سواء في أوساط مواطنيها من اليهود، أم في أوساط الدول الإستعمارية التي ساهمت في مشروع صناعتها في المنطقة، خاصة أن القضايا التي أثارتها هذه الجولة من القتال تمس وجود الدولة، لا سيما تلك القضايا الكامنة في ما رافق هذه الجولة من غضب شعبي تجلى في الهبة الشعبية غير المسبوقة للفلسطينيين في القدس والضفة الغربية والجليل والنقب والمثلت وحيث يتواجد الفلسطينيون في الشتات، فضلاً عن هبة شعوب المعمورة في كل القارات خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم دول أوروبا الغربية والشرقية.

وعلى عكس خطاب النصر الذي قدمه رئيس الوزراء نتنياهو، فقد رفعت المعركة من درجة إهتمام الرئيس الأمريكي بايدن وإدارته بما يجري في المنطقة، ويمكن الإستدلال على هذا الإهتمام من خلال نشر صحيفة واشنطن بوست يوم الإثنين الموافق 17/5/2021 أن البيت الأبيض قد أبلغ الكونجرس عن موافقته على بيع أسلحة أمريكية دقيقة لإسرائيل بقيمة 725 مليون دولار، ثم إيفاد البيت الأبيض في نفس اليوم أحد مستشاريه (هادي عمر) للمنطقة لمقابلة كل من رئيس الوزراء نتنياهو والرئيس عباس، كما أجرى طاقم البيت الأبيض ثمانون إتصالاً مع زعماء المنطقة لحثهم على ممارسة الضغط على حماس لوقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل، ومن بين هذه الإتصالات أجرى الرئيس شخصياً ستة إتصالات هاتفية مع رئيس الوزراء نتنياهو.

وكان الرئيس بايدن قد أثار سخط كثير من الشعوب حول العالم، وكثير من الأمريكيين خاصة من حزبه الديمقراطي حين أعلن خلال أيام القتال أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها دون أي إشارة الى حق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم، علاوة على أن واشنطن قد عطلت صدور قرار عن مجلس الأمن في إجتماع له عقد يوم الأحد الموافق 23/5/2021 يدين الإعتداءات الإسرائيلية على القدس ويطالب بوقف إطلاق النار على غزة.

وللتعبير عن مزيد من الإهتمام غير الرئيس بايدن من العادة المألوفة في مثل هذه الحالات وخرج بنفسه للصحفيين بدل الإكتفاء بإصدار بيان عن البيت الأبيض، وأكد في بيانه مرة أخرى على إلتزام أمريكا بأمن إسرائيل، وتعهد بإعادة تعبئة مخازن إسرائيل بصواريخ القبة الحديدية التي كان لها دور بارز في تقليص نسبة الدمار الذي أحدثته صواريخ غزة في الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

وفي معرض رده على أسئلة الصحفيين خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في البيت الأبيض مع نظيره الرئيس الكوري الجنوبي يوم الجمعة الموافق 21/5/2021، أكد الرئيس بايدن على إلتزام إدارته بحل الدولتين، وأضاف أن لا تغيير في إلتزامه وحزبه الديمقراطي بأمن إسرائيل، كما أشار الى تأكيده خلال مكالماته مع رئيس الوزراء نتنياهو على شرعية الرئيس عباس، وتأكيده كذلك على أن إدارته ستقدم ما يلزم من المساعدات الأمنية والإقتصادية للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. وحول غزة أضاف بايدن أن حركة حماس هي حركة إرهابية، ثم وضح ان ذلك لا يعني عدم إعادة إعمار غزة من خلال السلطة الفلسطينية بالتعاون مع أطراف إقليمية أخرى، وكان من اللافت تطرق بايدن لفلسطينيي الداخل بتأكيده خلال مكالماته مع نتنياهو على الحقوق المتساوية لكل سكان إسرائيل.

وعدا عن الإهتمام الأمريكي كان هناك إهتمام أوروبي كما بدا في زيارة ثلاثة وزراء خارجية أوروبيين لتل أبيب للتعبير عن تضامن بلادهم مع إسرائيل في هذه اللحظة الحرجة، الأمر الذي يعيد للأذهان مشهد إلتفاف ستة زعماء أوروبيين حول رئيس الوزراء في حينه ايهود أولمرت خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في يناير/كانون ثاني العام 2009 بعد إعلان وقف إطلاق النار على غزة. 

وتأسيساً على ما تقدم من مواقف وتصريحات للرئيس الأمريكي وفريقه، يخطئ الفلسطينيون أيما خطأ إذا ما بنوا تحركاتهم السياسية في المرحلة القادمة على أساس أن إحياء عملية التسوية السياسية على أساس حل الدولتين قد أصبح أولوية لإدارة الرئيس بايدن، إذ أن أولوية الأخيرة والأولى والعاجلة هي تشكيل قبة حديدية سياسية تمنع إدانة إسرائيلفي المؤسسات الدولية على ما ارتكبته من مذابح بينة بحق الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء من المدنيين العزل من السلاح في غزة وتنفي تهمة التمييز العنصرية والأبارتايد عن إسرائيل نتيجة للجرائم الواضحة التي ترتكبها بحق الفلسطينيين في القدس وضواحيها وداخل مناطق العام 1948، وفي نفس الوقت عمل كل ما يلزم لحرمان الفلسطينيين من تحقيق اي إنجاز سياسي في أروقة المؤسسات الدولية كما بدى واضحا في جلسة مجلس الأمن المشار اليها سابقاً.

أما الأولوية الثانية للإدارة الأمريكية التي تتوافق فيها مع خبراء الأمن القومي في إسرائيل فهي إمتصاص وتجويف حالة التأييد الشعبي الفلسطيني والعربي غير المسبوقة لإستراتيجية المقاومة المسلحة التي وصلت ذروتها خلال هذه الجولة من القتال وبالمقابل تآكل التأييد الشعبي لإستراتيجية المفاوضات والتسوية السياسية، الأمر الذي يجعل من تطوير إستراتيجية وطنية فلسطينية، أولوية الفلسطينيين الأولى في مرحلة ما بعد معركة سيف القدس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى