أقلام وأراء

العميد أحمد عيسى يكتب – أهمية البيان رقم (1)

العميد أحمد عيسى *- 19/9/2020

تكمن أهمية البيان رقم (1) للقيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية، في كونه وثيقة تأسيسية تعلن عن ميلاد جسم وطني جديد (قديم) جامع لمكونات الحركة الوطنية والإسلامية الفلسطينية التي تشهد منذ عقد ونيف إنقساماً عميقاً ترك أثاراً على كل أركان المجتمع يصعب التعافي منها بسهولة، علاوة على كونه قد حمل في نصه ملامح مقاربة جديدة تسعى من جهة، إلى تخليص الفلسطينيين من إرث العقود الثلاثة الماضية وما انطوت عليه من قيود وأثقال تضعف من قدرة الأجيال القادمة على إحتمال أعبائها، وتعيد من جهة أخرى الشعب الفلسطيني إلى مرحلة التحرر الوطني التي تتطلب مواجهة الإحتلال وتحقيق الإستقلال الوطني، من خلال الإنخراط في إنتفاضة جديدة تحاكي نموذج الإنتفاضة الأولى التي إندلعت العام 1987، الأمر الذي فيما يقطع الطريق أمام محاولة إسرائيل وحلفائها الأمريكان والعرب لإستنبات قيادة بديلة تقبل بصفقة القرن، إلا أنه يعجل في نفس الوقت من عودة الإحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية.

ويؤكد تحليل مضمون البيان صحة الإستنتاج المشار إليه أعلاه، إذ حدد البيان الجهات المستهدفة بالنداء، ثم شخص المرحلة التي سبقت إصدار البيان، وعرف المرحلة القادمة التي بدأت بمجرد الإعلان عن تشكيل القيادة الموحدة للمقاومة الشعبية، وحدد الأهداف المراد تحقيقها، كما حدد الإستراتيجية المثلى التي تضمن تحقيق هذه الأهداف وشرح في نفس الوقت محددات هذه الإستراتيجية، وحدد أخيراً الفعاليات النضالية واجبة التطبيق في الفترة الزمنية القادمة لحين صدور البيان رقم (2).

ومن حيث الجهات التي إستهدفها النداء، فقد حددها البيان بثلات جهات (الشعب الفلسطيني، الأمة العربية والإسلامية، وأحرار العالم)، أما من حيث المرحلة التي سبقت إصدار البيان فقد شخصها البيان بأنها مرحلة طغيان الإرهاب على إعتداءات الإحتلال بجيشه ومستوطنيه، (وأحياناً استخدم البيان لفظ العدو بدل الإحتلال) على الأرض والمقدسات، علاوة على اعتداءاته على ممتلكات، وحياة وكرامة المواطنين ولكن هذه المرة بمباركة وتصفيق من بعض العرب العاربة الذي وصف البيان فعلهم بالخيانة والتواطئ والانهيار المخزي.

ومن اللافت في هذا الشأن أن البيان لم يتطرق البتة لمسيرة التسوية السياسية للصراع، أو اتفاقات أوسلو وكل ما يدل عليها من ألفاظ ومصطلحات، كحل الدولتين، أو دولة على حدود العام 1967، كما أن النص لم يلفظ إسرائيل كدولة بشكل منفرد، بل إقترن ذكرها دائما بكونها إحتلال، وعدو، وجيش يعتدي على الأرواح والممتلكات ويحمي إرهاب المستوطنين، حيث بلغ تكرار هذه الألفاظ خلال النص 15 مرة، الأمر الذي لا يخلُ من دلالة.

أما من حيث طبيعة المرحلة القادمة، فقد عرفها البيان بمرحلة التحرر الوطني أو مرحلة الكفاح الشعبي الشامل ضد الإحتلال التي بدأت من لحظة توجيه النداء يوم السبت الموافق 12/9/2020، ولن تنتهي أو تتوقف (طبقاً للنص)، إلا بتحقيق الإستقلال الوطني، ولمزيد من التأكيد على طبيعة المرحلة هيمن مفهوم التحرر الوطني والألفاظ الدالة عليه على النص، إذ تكرر 17 مرة، فيما غاب عن النص الألفاظ الدالة على بناء مؤسسات الدولة كما جرت العادة سابقاً عند التطرق لتسمية المرحلة، حيث أتى البيان على ذكر الدولة ثلات مرات خلال النص لكنها إقترنت دائماً بالإحتلال.

ومن حيث الإستراتيجية الأمثل للتطبيق في هذه المرحلة فقد حددها البيان بإستراتيجية المقاومة والكفاح الشعبي الشامل التي تتطور بمنحى تصاعدي وصولاً للعصيان الوطني الشامل في كافة الأراضي المحتلة وعلى رأسها القدس.

وتجدر الإشارة هنا أن لفظ المقاومة والألفاظ الدالة عليه قد إحتلت المساحة الأوسع من مساحة البيان إذ تكرر اللفظ 21 مرة، وكان لافتاً أنه فيما ركز البيان على المقاومة الشعبية، إلا أنه لم يغلق الباب أمام المقاومة المسلحة التي عبر عنها بألفاظ مختلفة كالسيف والفعل الإيجابي.

أما من حيث الأهداف فقد حددها النداء بالأهداف التالية: إسقاط صفقة القرن، وإنهاء الإحتلال، وإجثتات الإستيطان، وتجسيد الإستقلال الوطني، وضمان حق العودة.

وعلى ضوء ذلك تجادل هذه المقالة أنه على الرغم من أن الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني قد إستقبلت هذا الإعلان بقليل من الحماس والثقة بقدرة الجهات التي أصدرته على إصلاح وتصويب ما فسد، إلا أن مسيرة التخلص من الماضي الذي بدأ مع نهاية إنتفاضة أطفال الحجارة وتوقيع إتفاقية أوسلو العام 1993 وإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية قد بدأت رسميا بتاريخ 19/5/2020 بإعلان الرئيس عباس قرار القيادة الفلسطينية التحلل من كل الإتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومتي دولة إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بما في ذلك الإتفاقيات الأمنية، وجاء البيان المذكور الذي أعقب لقاء رام الله – بيروت بتاريخ 3/9/ 2020، كوثيقة رسمية للتأكيد على إنطلاقة هذه المسيرة، كما وترى هذه المقالة أن هذه المسيرة ستدخل منحنى أكثر جدية إذا ما عاد الرئيس ترامب مرة ثانية للرئاسة في نوفمبر القادم.

وعلى ذلك تطالب هذه المقالة الجهة أو الجهات التي دعت الشعب للإصطفاف إلى جانبها أو خلفها في هذه المسيرة أن تشرح وتوضح مقاصدها لصاحب الشأن، أي للشعب الفلسطيني كونه صاحب الحق في معرفة ماذا يحدث؟ ولماذا يحدث؟ وما هي التحديات والمصاعب التي تنتظره؟ وما هي المكاسب التي سيجنيها أو التي سيجنيها أبنائه وأحفاده؟ إذ لا يجوز أن يترك الشعب لوحده في إستخلاص وتوقع ما هو مقدم عليه، كما وتطالب كل ذي بصيرة من الشعب أن يلحق بهذه المسيرة كي لا يضيع الوطن فينا أو منا مرة أخرى.

*المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى