العلاقات الصينية – الأمريكية واستراتيجية واشنطن التي تزعزع استقرار كامل منطقة آسيا الباسيفيك
استراتيجية أوباما بالتركيز على منطقة أسيا: بذور شك أكثر من بذور تعاون
قامت إدارة أوباما باستعراض للعضلات في منطقة أسيا الباسيفيك في نوفمبر تشرين الثاني عبر تسليط الأضواء على تحول استراتيجيتها في أسيا، وهو أمر اعتبر على نحو واسع كمحاولة لتعزيز هيمنة أمريكا على المنطقة للوقوف في وجه القوة المتعاظمة للصين.
التحول في تركيز استراتيجية الولايات المتحدة يعتبر خطوة للمواجهة مع الصين. بالرغم من النفي الرسمي العلني الأمريكي لمحاولة احتواء الصين، توجد شكوك واسعة حول الأجندة الخفية لواشنطن خلف تلك الاستراتيجية ومنها مواجهة النفوذ الصيني المتصاعد في منطقة أسيا الباسيفيك.
مايكل سواين، زميل معهد كارنيجي للسلام كتب مؤخرا في إحدى مقالاته “تعتبر هذه الخطوة مؤشرا على نية الولايات المتحدة الرجوع لسياسة ما قبل 11 من أيلول والتي تضع الصين نصب عينيها. تلك الاستراتيجية تهدف بشكل رئيسي إلى احتواء ومجابهة القوة والنفوذ الصينيين في المنطقة.”
التحول في الاستراتيجية يترافق مع تحركات ولهجة تصعيدية
أعلنت إدارة أوباما عن استراتيجيتها باتجاه أسيا بلهجة طنانة في نوفمبر أثناء استضافتها للمؤتمر السنوي لمنتدى التعاون الاقتصادي لأسيا والمحيط الهادىء.
في خطاب لها في مركز الدراسات الشرقية-الغربية في هاواي قبل بدء المؤتمر، أعلنت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أن “القرن 21 سيكون قرن سيطرة أمريكا على المحيط الهادىء” متعهدة ببقاء بلدها في المنطقة كقوة ديبلوماسية وعسكرية واقتصادية بشكل دائم.
في مؤتمر المنتدى قام أوباما بالترويج للشراكة عبر المحيط الهادىء، وهي اتفاقية تجارة حرة تدعمها أمريكا وقد تكون مقدمة لاتفاقية أمنية عبر المحيط الهادىء.
اتفاقية الشراكية عبر المحيط الهادىء تستبعد الصين عمدا تعتبر ردا على منظومات التجارة الحرة في المنطقة التي تضم الصين وبلدانا أسيوية أخرى، وفي خطاب عالي اللهجة انتقد أوباما الصين لعدم التزامها بقواعد العلاقات المالية والتجارية، وتعهد “بمواصلة الحديث واتخاذ إجراءات” بشأن مسائل كمسألة العملة وحقوق الملكية الفكرية، وفي تلك الأثناء، قامت أمريكا بتكثيف تدخلها في النزاع الحدودي على بحر جنوب الصين بين الصين وعدد من بلدان جنوب شرقي أسيا بحجة حماية حرية الملاحة.
توجه الرئيس أوباما مباشرة بعد مؤتمر منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادىء في أول زيارة له إلى أندونيسيا لحضور مؤتمر أسيا الشرقية، وحث البلدان المشاركة على التوصل إلى حلول متعددة الأطراف لقضية بحر جنوب الصين بالرغم من معارضة الصين، وهذا يعني تسوية النزاع عبر اتفاقيات ثنائية.
خلال إقامته في كانبره، وقع أوباما على إتفاقية لتمركز قوات المارينز الأمريكي في شمال شرق أستراليا، وهذا يعني مراقبة احتمالات تطور الأحداث في بحر جنوب الصين.
أثناء الاحتفال بمرور 60 عاما على توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين الفليبين وأمريكا، أكدت هيلاري كلينتون أن أمريكا ملتزمة بأمن الفليبين في إشارة إلى دعم الولايات المتحدة للفليبين في نزاعها مع الصين. كما صرحت الحكومة الأمريكية أنها تدرس خيار نشر سفن قتالية على شواطىء سنغافورة وربما الفليبين في الأعوام القادمة بهدف توسيع الوجود العسكري الأمريكي في منطقة أسيا الباسيفيك.
أوباما يسعى لتحقيق مكاسب داخلية وخارجية
يعتقد خبراء أمريكيون أن تحول الاستراتيجية الأمريكية باتجاه أسيا ليس مبني فقط على حاجة أوباما للفوز في حملة إعادة إنتخابه عام 2012، بل أيضا على الاعتقاد المتنامي بأفول نجم أمريكا نتيجة التصاعد السريع للصين. من الواضح أن أوباما يعتمد على ارتفاع نسبة التجارة مع أسيا الباسيفيك، وهي منطقة الإقتصاد الأكثر ديناميكية في عصر أزمة اقتصادية عالمية، كي يتمكن من توفير فرص عمل في الداخل وتقليص نسبة البطالة المرتفعة التي تهدد منصبه.
هذا التحول في الاستراتيجية يعكس “اعترافا” بتصاعد أهمية تلك المنطقة بالنسبة لأمن وثروة أمريكا في المستقبل بالإضافة إلى نفوذها في العالم.
دوغلاس بال، نائب رئيس مركز كارنيجي لدراسات السلام العالمي قال أن العامل الاقتصادي بالنسبة لسياسة استراتيجية التحول عند الرئيس أوباما “هو المبرر بسبب الحاجة إلى إعادة تحريك العجلة الاقتصادية الأمريكية والتعامل مع العجز في ميزانية الدفاع”.
داخليا، يسعى أوباما لدحض انتقادات خصومه الجمهوريين الذين شجبوا لطفه الزائد مع الصين، والصين هي الهدف المثالي لمرشحي الرئاسة في كل الحملات الإنتخابية تقريبا خلال العقود الماضية.
في مقابلة له قال بال: “أوباما اعتمد أجندة إيجابية جدا مع الصين عام 2009، وتم وصمه بالضعف نتيجة لذلك… وفي الانتخابات القادمة، سيوجه المرشحون الجمهوريون حرابهم إلى الصين، وأوباما لم يرغب بأن يظهر بمظهر المدافع عن الصين بوجه خصومه”.
بالإضافة إلى ذلك، التحول في الاستراتيجية الأمريكية كان وراءه أيضا المخاوف الأمريكية من تحدي الصين لمكانة أمريكا كالقوة المهيمنة على العالم، مع أن الصين أوضحت أنها لا تملك النية ولا القدرة على مزاحمة أمريكا في الهيمنة على العالم.
حملة مكافحة الإرهاب التي امتدت لعقد من الزمن، والتي شتت انتباه ومصادر أمريكا في الحرب على أفغانستان والعراق، زادت من توقعات انحسار أمريكا وانتهاء مكانتها كقوة عظمى الوحيدة في العالم، وخاصة مع معاناتها من ركود اقتصادي مطول وأزمة ديون متفاقمة.
التحركات الأمريكية تنطوي على مخاطر قد تزعزع الإستقرار
من الواضح أن استراتيجية أمريكا الجديدة لا تبشر بالخير في العلاقات الأمريكية – الصينية المهتزة أصلا نتيجة قيام أمريكا عام 2011 بسلسلة من التحركات الاستفزازية من ضمنها الإعلان عن صفقة أسلحة ضخمة مع تايوان الصينية في أيلول.
ويقول بال “أننا سنواجه عاما صعبا في 2012″.
ينتقد خبراء أمريكيون توجهات إدارة أوباما الجديدة في منطقة آسيا الباسيفيك، وخاصة موقفها من نزاع بحر جنوب الصين، ويقولون أنها تنطوي على مخاطر تهدد الاستقرار نتيجة تشجيع بلدان معينة على مواجهة الصين. وقد أعرب سواين عن مخاوفه من أن تنفيذ إدارة أوباما لذلك التحول الاستراتيجي ورد الفعل الصيني ” سيؤديان إلى تعميق الشكوك وتهديد استقرار المنطقة بالكامل” وأضاف أن “أقوال وأفعال مسؤولي إدارة أوباما تعطي انطباعا لدى بعض العواصم الأسيوية بأن واشنطن تدعم الآن نزاعها مع بكين حول المناطق البحرية”.
انتقد بال أيضا لهجة هيلاري كلينتون “غير المناسبة” أثناء زيارتها لمانيلا عندما أشارت إلى بحر جنوب الصين بعبارة “بحر غربي الفليبين” وهو مصطلح لا يستخدمه أحد سوى الفليبينيين، وقد بدا ذلك “بالنسبة للصين أنها تقف إلى جانب الفليبين في نزاعها في حين أن كلينتون صرحت في الماضي أن الولايات المتحدة لن تقف إلى أي جانب أي طرف”.
يعتقد المحللون أن العلاقات الإقتصادية والتجارية مع الصين تتوطد أكثر، وأن تحركات الولايات المتحدة سترتد عليها في حال استمرت بالتفكير بعقلية الحرب الباردة وتبنت سياسات تهدف لاحتواء الصين.
تحرك الولايات المتحدة لإنشاء قاعدة للجنود في أستراليا أدى أيضا إلى نشوء مخاوف لدى بعض عواصم منطقة آسيا الباسيفيك، عبر عنها وزير الخارجية الأندونيسي عبر تحذير أطلقه في 18 تشرين الثاني بقوله أن مثل تلك الإتفاقيات ستؤدي إلى سوء فهم وتؤدي إلى “نشوء حلقة مؤذية من التوتر وعدم الثقة”.
مع الأخذ بعين الاعتبار الشكوك الواسعة داخل المجتمع الدولي من قدرة أمريكا على الحفاظ على سيطرتها وهيمنتها على منطقة أسيا الباسيفيك، يقول سواين “على واشنطن إعادة التفكير بتقديراتها الأساسية لدورها في المنطقة.” وأضاف في مقالة كتبها أن “على الولايات المتحدة إعادة التفكير بالطريقة الأمثل لتعاطيها وتفهمها للمخاوف الصينية المتعلقة بالمسائل الحساسة كالأمن، وخاصة تلك المتعلقة بالحدود البحرية.”.
الجمل: قسم الترجمة : زهي لينفاي و رون وي – ترجمة: عاصم مظلوم: 1/3/2012