العقوبات على إيران ليست فاعلة
مركز الناطور للدراسات والابحاث
من عادة العقوبات أن تقسم الشعب بين المعسكر الذي يؤيد النظام ويلوم الجهات الخارجية على تدهور الوضع الاقتصادي والمعسكر الذي يلوم النظام على تردي الوضع لكن لدرجة معينة فقط، ولا شك أن تراجع الوضع الاقتصادي سيجعل أكثر الموالين للنظام ينقبلون عليه في نهاية المطاف.
تسود فكرتان مغلوطتان حول العقوبات المفروضة على إيران وحول أزمة العملة التي يواجهها البلد: أولاً، يُقال إن العقوبات هي السبب الوحيد الذي أدى إلى هبوط قيمة الريال الإيراني في الأسبوع الماضي. ثانياً، يُقال إن العقوبات بدأت تحقق أهدافها الاستراتيجية.
أدى هبوط قيمة الريال بشكل غير مسبوق في الأسبوع الماضي إلى ظهور سيل من الاتهامات الجديدة من داخل إيران مفادها أن الغرب يشن حرباً اقتصادية على إيران.
صرّح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أمام المراسلين بأن “تقلبات العملة تنجم عن الضغوط النفسية” التي يفرضها العالم الخارجي. لم يكن الإيرانيون الأشخاص الوحيدين الذين لاموا العقوبات على مشاكلهم، فقد أشارت وزارة الخارجية الأميركية إلى أن تراجع قيمة الريال يثبت فاعلية العقوبات: “بدأت قيمة العملة تهبط. وترفض الشركات في أنحاء العالم التعامل مع الشركات الإيرانية… يعكس هذا الوضع مدى جدية الضغوط الدولية الناجحة التي نفرضها جميعاً على الاقتصاد الإيراني”.
لا شك أن العقوبات أضعفت الاقتصاد، فهي منعت إيران من الوصول إلى النظام المالي الدولي وصعّبت عليها بيع وتلقي المدفوعات مقابل نفطها، لكنّ سبب انهيار الريال ليس بهذه البساطة.
لطالما عانى الاقتصاد الإيراني سوء الإدارة طوال سنوات، وقد أدت الجهود الوحيدة الرامية إلى إصلاحه (أي إلغاء برنامج دعم السلع في عام 2010) إلى تفاقم الوضع لأنها رفعت معدل التضخم والبطالة. لهذه الأسباب، يبدو أن الرأي العام الإيراني يواجه أزمة ثقة بقدرات الحكومة ورغبتها في معالجة مشاكل إيران الاقتصادية. يتضح هذا الأمر على أرض الواقع نظراً إلى غياب أي حل للمشاكل الإيرانية في القريب المنظور. في المقابل، تعمل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على فرض تدابير إضافية لتضييق الخناق على إيران.
لكن ما هو الهدف الفعلي من العقوبات؟ إذا كان الهدف منها تغيير القرار الاستراتيجي الذي تتمسك به القيادة الإيرانية لتطوير برنامجها النووي، فمن الواضح أنها لم تنجح، لكنّ وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، تخالفني الرأي على ما يبدو. في شهر يوليو، أعلنت كلينتون: “نظن أن العقوبات الاقتصادية بدأت تجرّ إيران إلى طاولة المفاوضات”. صحيح أن الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا خاضت المفاوضات مع إيران خلال معظم فترات عام 2012، لكن لم تُسفر تلك المفاوضات عن أي نتيجة ملموسة. تتابع إيران تقدّمها في مجال التخصيب بنسبة 20%، وهي تنتج حوالي 8.14 كيلوغراماً في الشهر. قد لا تغيّر العقوبات نوايا النظام ولكنها نجحت في كبح التقدم النووي الإيراني، ولا شك أن العقوبات التي تريد منع إيران من الاستفادة من الخدمات المالية الدولية وخدمات النقل والضمانات التجارية هي أفضل طريقة لإعاقة عمل السوق السوداء غير الشرعية التي اتجهت إليها إيران. على سبيل المثال، منعت العقوبات إيران من الحصول على قطع ومواد خارجية كانت تحتاج إليها لتحسين أجهزة الطرد المركزي.
أما اليوم، فلا تقتصر العقوبات على إبطاء البرنامج النووي الإيراني، بل إنها تؤثر في جميع فئات الشعب الإيراني، فتواجه إيران وضعاً مالياً متدهوراً وقد زاد سوءاً نتيجة انهيار قيمة الريال بشكل غير مسبوق. صحيح أن الحكومة تصر على أن معدل التضخم الرسمي يقتصر على 25%، ولكنه خرج عن السيطرة الآن ويزعم بعض المحللين أن الأرقام الحقيقية هي ضعف المعدل الذي أعلنته الحكومة. كذلك، ارتفع معدل البطالة إلى مستويات قياسية وتشير التقديرات إلى أن 500 إلى 800 ألف إيراني خسروا وظائفهم في السنة الماضية.
على صعيد آخر، بدأت الشركات تقفل أبوابها، ولا سيما الشركات الصغيرة والمتوسطة التي كانت قد خسرت أصلاً غداة إلغاء نظام الدعم في ديسمبر 2010. تعرضت تلك الشركات لضربة موجعة حين تحول المستهلكون إلى شراء السلع الخارجية التي لم تتأثر بارتفاع الأسعار. قال رجل أعمال إيراني في شهر سبتمبر: “بدأ قطاع الأعمال يجف وقطاع الصناعة ينهار، كما أن الاستثمارات معدومة”.
لقد تأثرت جميع قطاعات الاقتصاد الإيراني، بدءاً من قطاع الطاقة (وهو مصدر العائدات الأساسي بالنسبة إلى الحكومة) وصولاً إلى السلع الأساسية مثل المواد الغذائية والصناعات الإيرانية القوية نسبياً مثل السيارات، لكن يُعتبر الإيرانيون المنتمون إلى الطبقة الوسطى أكبر الخاسرين.
عانى الشعب كله ارتفاع الأسعار، لكن حاولت الحكومة حماية الطبقات الدنيا من خلال منحها مبالغ نقدية ودعم بعض السلع الأساسية المستوردة، ما جعلها مقبولة الكلفة بالنسبة إلى الشرائح الأكثر فقراً في المجتمع. لكن بقيت مفاعيل هذه الجهود محدودة، فقد ارتفع سعر بعض السلع مثل الخبز البربري الإيراني من ألف ريال إلى 5 آلاف ريال في الأسبوع الماضي.
لا شك أن استيراد السلع المتخصصة ينحصر في إطار نشاطات التجار ورجال الأعمال والطبقات الوسطى وهو ليس من الأولويات. تحافظ الحكومة على معدل أقل إيجابية في مجال سعر صرف الريال مقابل الدولار، ما يدفع رجال الأعمال إلى السوق السوداء. يبدو أن انهيار العملة سيكون كفيلاً بتحديد مصيرهم، فلم تعد الطبقة الوسطى تستطيع تحمّل كلفة الكماليات الصغيرة مثل الأجهزة الإلكترونية الجديدة، أو السفر إلى الخارج، أو حتى دفع تكاليف تعليم الأبناء في الخارج، كذلك، أثّرت العقوبات المصرفية الدولية في شريحة واسعة من الإيرانيين الذين يعجزون عن استعمال أموالهم أو يُجبَرون على إغلاق حساباتهم، ألا يتناقض تضرّر الطبقة الوسطى (أهم عنصر للتغيير الاجتماعي) مع هدف نشر الديمقراطية في إيران؟
بسبب طريقة مناقشة العقوبات في الماضي، بدا وكأنها كانت تتعلق حصراً بالبرنامج النووي (تضييق الخناق على الحرس الثوري الإيراني والنظام لحثهما على تغيير حساباتهما الاستراتيجية). حملت تلك التدابير اسم “العقوبات الذكية” وكانت مستهدفة، أما اليوم، فقد تجاوز الأمر هذا الحد. يتحدث بعض المسؤولين الأميركيين عن تغيير النظام ومعاقبة الإيرانيين بسبب خيارات نظامهم. قال أحد داعمي العقوبات: “يظن منتقدو العقوبات أن هذه التدابير ستؤذي الشعب الإيراني. بصراحة، يجب أن نقوم بذلك”.
من عادة العقوبات أن تقسم الشعب بين المعسكر الذي يؤيد النظام ويلوم الجهات الخارجية على تدهور الوضع الاقتصادي والمعسكر الذي يلوم النظام على تردي الوضع لكن لدرجة معينة فقط، ولا شك أن تراجع الوضع الاقتصادي سيجعل أكثر الموالين للنظام ينقبلون عليه في نهاية المطاف، وتزامناً مع أحدث جولة من العقوبات وتلك التي يتم التفاوض عليها راهناً، يبدو أننا سنبلغ تلك المرحلة قريباً. لكن هل نريد الآن أن نُغرق شعباً مؤلفاً من 75 مليون نسمة في مآسي المجاعة والفقر للتشجيع على تغيير النظام؟
كتب: Dina Esfandiary – Radio Free Europe
قسم الترجمة * الجريدة * 15/10/2012