العدوان الثلاثي على سوريا.. هل هو لمعاقبة الأسد أم للضغط على روسيا؟
د. إيمان رجب ، السياسة الدولية ١٦-٤-٢٠١٨م
تعد العملية العسكرية 2018 التي نفذتها القوات الأمريكية والفرنسية والبريطانية ضد سوريا منذ أيام هي الثانية في تاريخ الصراع المسلح في سوريا، حيث كانت القوات الأمريكية قد نفذت منفردة عملية عسكرية ردًا على الهجوم الكيماوي الذي وقع في خان شيخون في أبريل 2017 ، واستهدفت قاعدة عسكرية في سوريا.
ويفيد السياق المصاحب لتنفيذ العملية العسكرية أبريل 2018 بأنها مرتبطة برغبة الادارة الأمريكية في الحيلولة دون اكتمال سيطرة النظام السوري على دمشق، وبالحصول على تنازلات روسية في إطار عملية تقسيم النفوذ بين الولايات المتحدة وموسكو وحلفائهما في سوريا خلال الفترة المقبلة، أكثر من ارتباطها بمساعي إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمعاقبة الأسد على مهاجمة المدنيين باستخدام السلاح الكيميائي.
-أبعاد العملية العسكرية أبريل 2018:
تعد هذه العملية عملية عسكرية جراحية، هدفت بصورة رئيسية لإضعاف البنية التحتية الموجودة في سوريا واللازمة لتطوير القدرة على استخدام الأسلحة الكيميائية. ووفق تصريحات وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، كان الهدف المعلن لهذه العملية من قبل الولايات المتحدة هو “إضعاف قدرة سوريا على تنفيذ أي هجمات بالأسلحة الكيميائية في المستقبل وثني النظام السوري عن استخدام أو نشر الأسلحة الكيميائية”، لاسيما أن سوريا، حتى عام 2013، أي قبل انضمامها للاتفاقية الخاصة بحظر الأسلحة الكيميائية، كانت تمتلك مخزونا من الأسلحة الكيميائية يعد “الأكبر في العالم” وفق تقدير جيش الدفاع الإسرائيلي، ويصل حجم المخزون وفق تقدير الاستخبارات الفرنسية حتى سبتمبر 2013 إلى نحو 1000 طن من المواد الكيميائية، وتحديدا من غاز السارين وغاز الخردل.
وقد استهدفت العملية العسكرية الجراحية التي نفذتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، والتي استغرقت أقل من ساعتين، 3 مواقع رئيسية استنادًا لبيان البنتاجون، اثنان قرب مدينة حمص، أحدهما مخزن للمواد الكيميائية يقع في غرب حمص، وكان في السابق قاعدة لاطلاق الصواريخ، والثاني مركز قيادة ومخزن لمعدات الأسلحة الكيميائية، والموقع الثالث هو مركز أبحاث في دمشق.
وقد استخدمت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في هذه العملية عدد 105 صواريخ تم إطلاقها من القطع العسكرية الموجودة في البحر الأحمر وتلك المتمركزة في شمال الخليج وفي شرق المتوسط، وتم تجنب استهداف أي مواقع أو مصالح روسية فى أثناء تنفيذ العملية، وذلك في إطار عملية التنسيق المستمرة بين القوات الروسية والقوات الأمريكية في سوريا والتي تم إقرارها منذ عام 2014.
ويلاحظ حرص الادارة الأمريكية على أن تتضمن تصريحات مسئوليها الرسميين سببين لهذه العملية، الأول هو أن تنفيذ هذه العملية كان لمعاقبة نظام الأسد على اختراقه ما عدته الولايات المتحدة منذ عام 2013 “خطا أحمر” للنظام السوري، والذي حدده الرئيس الأمريكي حينها باراك أوباما في استخدام الأسلحة الكيميائية. ويرتبط السبب الثاني وفق تصريحات إدارة الرئيس دونالد ترامب بالأضرار التي لحقت بالمدنيين في مدينة دوما نتيجة استخدام السلاح الكيماوي في 7 أبريل 2018.
وما حققته العملية فعلاً وفق تصريحات وزير الدفاع الأمريكي هو تدمير 20% من القوات الجوية الخاصة بنظام الأسد، أي انها حققت جزئيا الهدف المعلن من الجانب الأمريكي والمتعلق بإضعاف قدرة النظام على شن هجمات مستقبلية، ولكن دون أن تنفذ عملية ردع حقيقية للنظام، وهو ما تأكد بحرص النظام السوري على نشر فيديو في اليوم التالي يوضح ذهاب الرئيس بشار الأسد إلى مكتبه لممارسة عمله بصورة طبيعية.
-دلالات السياق.. الدوافع غير الكيماوية للعملية 2018:
في السياق السابق توضيحه، تم تنفيذ العملية 2018، وربما توقيتها يؤكد بصورة كبيرة أن قرار الولايات المتحدة بمعاقبة نظام الأسد عسكريا بسبب تجاوزه “الخط الأحمر” ارتبط بتوزيع مناطق النفوذ والسيطرة على الأرض بين جيش نظام الأسد والقوات الروسية والايرانية الداعمة له أكثر من ارتباطه بتخطى الخط الأحمر.
بعبارة أخرى، هناك دوافع غير مرتبطة بمسألة السلاح الكيماوي للعملية العسكرية 2018، وتتمثل هذه الدوافع فيما يلي:
1-انتصار دبلوماسية فصل المسارات الروسية على سياسة الخط الأحمر الأمريكية: حيث نجحت روسيا من خلال تقسيم الصراع في سوريا منذ 2013 إلى مسارات ثلاثة هي مسار السلاح الكيماوي الذي حدده قرار مجلس الأمن الدولي 2118، ومسار الحرب على الارهاب، ومسار مفاوضات الحل السياسي في آستانة وسوتشي، في إضعاف قدرة الولايات المتحدة على الضغط عليها باستخدام ورقة الخط الأحمر طوال السنوات التالية على 2013.
والأهم في هذه المسارات الثلاثة هو التوصل لاتفاق انشاء مناطق “خفض شدة التوتر” في أربع محافظات في سوريا في مايو 2017 بين روسيا وتركيا وإيران، وتتمثل المناطق الأربع في منطقة تضم أجزاء من محافظتي درعا والقنيطرة (تمتد حتى الحدود مع الأردن)، ومنطقة الغوطة الشرقية لدمشق، ومنطقة تضم أجزاء من محافظة حمص وسط سوريا، ومنطقة تضم محافظة ادلب شمالي سوريا. ومن خلال هذه الاتفاقيات، نجحت روسيا في التوصل لاتفاقيات هدنة في تلك المناطق وفي اخلائها من العناصر والجماعات بهدف تسهيل عودة اللاجئين والنازحين إليها.
2- “مرونة” الخط الأحمر: حيث إن هناك العديد من الحالات التي استخدم فيها السلاح الكيماوي في سوريا ضد المدنيين، والتي رصدتها اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق في سوريا المنشأة من قبل مجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان، دون أن يصاحب ذلك تحرك من قبل الولايات المتحدة رغم ما تمثله تلك الحالات من تجاوز للخط الأحمر ، حيث رصدت اللجنة منذ 2013 عدد 34 عملية، ثمان منها وقعت في 2014 وعدد10 في عام 2016، وعدد 11 في 2017(انظر الخريطة)، في حين كان التدخل العسكري الأمريكي مقتصرا على مرتين فقط هما أبريل 2017 وأبريل 2018.
3- تمدد سيطرة النظام باتجاه مناطق خفض شدة التوتر: فمنذ فبراير 2018، ينفذ النظام السوري عملية ريف دمشق، التي تهدف لمد سيطرة النظام على الغوطة الشرقية التي هي إحدى مناطق خفض شدة التوتر، وكافة المناطق التابعة لها بما في ذلك منطقة الدوما، وإنهاء سيطرة قوات المعارضة المسلحة عليها، والتي من أهمها جيش الاسلام الذي يتركز في دوما بعدد يتراوح بين 10و15 ألف مقاتل، وفيلق الرحمن الموالي للجيش السوري الحر، وأحرار الشام وتحرير الشام. وتأتي هذه العملية في الوقت الذي نجحت فيه قوات الاسد بدعم روسي في التوصل لاتفاقيات اخلاء المدن في الغوطة الشرقية وصولا لمدينة دوما.
وتمثل هذه العملية في حال اكتمالها انتصارا كبيرا للأسد ولروسيا، حيث ستكمل سيطرة النظام على العاصمة دمشق، وذلك بعد نجاح الأسد في هزيمة المعارضة في معركة حمص في 2016، وبالتالي لن يحتاج للدخول في مفاوضات سياسية لتقسيم مناطق النفوذ،لأنه من خلال هذه العملية، فضلا عن اتفاقيات مناطق خفض التوتر، يكون قد نجح فعلا في ضمان سيطرته على الجزء الغربي من سوريا. في حين أن الولايات المتحدة تفضل استمرار المسار السياسي حتى تضمن للجماعات المسلحة الموالية لها خاصة السنية بعض المكاسب السياسية.
وكما هو موضح في الخريطة حتى أبريل 2018، كان النظام السورين مدعوما من روسيا وإيران وحزب الله، يسيطر على غرب سوريا حتى الحدود مع الأردن ويتمدد في الوسط، ونجح في الوصول لبعض المناطق على الحدود مع العراق.
ويمكن القول إن وجود دوافع غير مرتبطة بتجاوز الخط الأحمر لهذه العملية يشير إلى أن تكرار تنفيذ عمليات مماثلة في الفترة المقبلة قد يكون مرتبطا بدرجة كبيرة بعدم حصول الولايات المتحدة على تنازلات سياسية من روسيا تضمن سيطرة المعارضة المسلحة الموالية لها على بعض المدن، وتضمن وضع قيود على توسع سيطرة النظام السوري على الأرض، خاصة فيما يتعلق بالمناطق الحدودية مع العراق، وفيما يخص مناطق خفض شدة التوتر.