#أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركز

السفير ملحم مسعود يكتب – مع إدوارد سعيد …1

بقلم السفير ملحم مسعود – 25/2/2021

في اجواء الجائحة , والعيش في قرية صغيرة نائية بعيدا عن العاصمة اثينا احاول أناتذكر و أكتب … الجأ إلى إرشيف ورقي أُنكُش وأنبش .. في إرشيف له طابع التوثيق  قبل الولوج في عالم الثورة الرقمية …. والكمبير والإنترنيت , عملت على تجميعه منذأيام الدراسة الجامعية والعمل الطلابي ( قبل قيام منظمة التحرير ) أتفقد محتوياته من حين إلى حين , وأستخدمه في التدقيق , ومراجعة الأحداث والتواريخ  … توقفتطويلا قبل أيام أمام ملفات تخص إدوارد سعيد ومساره الطويل نحو العالمية , بدأت العمل في تجميعه والإهتمام به بعد أن تعرفت عليه مبكرا , في مطلع السبعينيات يتضمن الكثير من مقالات منتظمة في جريدة الحياة , والأهرام  … ومقابلات , كُتًاب … وكتابات لا تنتهي , شعرت فجأة أن من واجبي أن اكتب … عن إدوارد سعيد , وما أكثر ما كُتب عن الرجل … لكن عندي أكثر من سبب .

تذكرت في هذه اللحظات ما قال لي إدوارد سعيد يوما …

أن الصدفة صنعت علاقاتنا وصداقتنا وتواصُلنا … علاقة وصداقة سمتها الود والمحبة … وإستمرت رغم المسافات , وظروف التواصل حتى شاء القدر برحيله ( 1نوفمبر  1935 القدس _ 25 سبتبر 2003 نيورك ) عُدت إلى مكتبي لأجتر ذكريات مضى عليها قرابة نصف قرن  لأكتب … اين ومتى كانت هذه الصدفة ؟؟؟ 

وقبل سرد حكايةالصدفة مع إدوارد سعيد  …

 اتذكر عن هذه الشخصية الفلسطينية التي إفتقدناها … في الليلة الظلماء , أنها الشخصية الفلسطينية الحاضرة اكاديميا وثقافيا وصاحب الحٍس الفني الرفيع الشخصية الحاضرة والفاعلة  في المجتمع الأمريكي… كان صوت فلسطين الصادح، لم يعش في وطنه لكنه إخترعه من الحنين والذكريات، وحمله معه في حقيبته المهاجرة، التي جعلت منه أيقونة لكل غريب ومنفي . 

لا اريد في هذا المقال السريع تناول ثقافة إدوارد سعيد وعطائه , ومؤلفاته وكفاءاته الأكاديمية والسياسية , ومقارعته للقوى الصهيونية في قلاعها العالية الامر الذي جعله مستهدفا للحد من نشاطه وتالقه وظل حتى وفاته مقاتلا من أجل وطنه وثقافته ضد (الإستشراق ) الذي يعرفها القارئ الكريم .. لكن أردت أن أستذكر هنا  القليل …  القليل كمقدمة ( لحكاية الصدفة التي ربطتنا … ) اكتب عن إدوارد سعيد الذي فاضت الكُتب والكتابات والمقالات عنه في حياته وبعد رحيله , في محاولة  لسرد هذه ” الحكاية ” واعني  ” صدفة ”  لقائنا كما كان يروق له أن يذكرني بها  والأيام القليلة التي قضيناها معا , في مقالي القادم …   

بإختصار الحديث عن إدوارد سعيد ,  الذي نشأ في وضع ميسور …  ولم يروق له تسميته ب ( إدوارد … ) على إسم أمير مقاطعة ” ويلز ” البريطانية حينذاك . وساعدته أوضاع الأسرة في الدراسة في كلية ( فيكتوريا ) في الإسكندرية , ثم أمريكا حيث حصل على دكتوراه في اللغة الإنجليزية والأدب المقارن من جامعة هارفارد , ثم عمل أستاذا في جامعة كولومبيا وحصل على جوائز علمية وثقافية عدة …  كان من رواد الأوبرا ودروس البيانو التي انبتت ثقافة موسيقية دمجها بعبقرية في نقده الادبي فيما بعد , لا سيما في كتابه ” متتاليات موسقية ” الذي إحتاج منه سنوات .    … كما أسس معهدا موسيقيا في فلسطين سمي بعد وفاته ” معهد إدوارد سعيد للموسيقى ” تكريما له

 اصبح إدوارد سعيد احد عمالقة الفكر في القرن العشرين كما وصفه الصحفي المعروف جهاد الخازن في مقال له بعد رحيل إدوارد في صحيفة ( الحياة ) أو كما وصفته فاتنة الخطيب ( دبي ) بالفيلسوف الناقد والمنظر الفكري الذي ترك إرثا ثقافيا عابرا للقارات ولحدود الإثنية والقومية .

بالإضافة لوضعه الحقائق التاريخية لشعب فلسطين كي يطرح مسألة ماهية أرض فلسطين والشعب الفلسطيني التي تستمر الحركة الصهيونية في إنكارها عارضاً الأجوبة ببساطة بأن الشعب الفلسطيني هو الشعب المقيم على الأرض والذين هثجٍروا منها، وحتى الآن لايعترف بمشروعيتهم في أرضهم والذين يعتبرون جزءاً من تاريخ الشعوب المهُجرة من أراضيهم ويقدم الوثائق التي تنقد الدعاية الصهيونية بعدم وجود شعب في أرض فلسطين.

 وبسبب تأثيره في الرأي العام العالمي، حيث كان يعمل أستاذاً جامعياً للغة الإنجليزية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية ومن الشخصيات المؤسسة لدراسات ما بعد الكولونيالية، كان من أكثر المفكرين شعبية في الولايات المتحدة حيث تم وصفه هناك بـ… ( نجم المفكرين ) وكان منخرطاً بالنقد الموسيقي والثقافة الشعبية والاستشارات الإعلامية والسياسة المعاصرة والإنجازات الموسيقية، وتعتبر الشهرة العالمية له بسبب المزيج الفريد والمبتكر من النقد الثقافي إلى الأدب والسياسة.

ولا تزال عباراته في وصف العالم نهاية القرن العشرين قائمة  أماكن عديدة زالت , وأشخاص عديدون لم يعودوا على قيد الحياة , بإختصار إنه عالم قد إندثر ” ولو عاد الآن معنا لوجد أن عبارته قد حَقًت وسط الصراعات الدموية والتشرذم اللذين يعصفان بعالمنا العربي على الأقل , في رصيده زهاء ( 30 ) كتابا في النقد والسياسة والأدب والفن والموسيقى والثقافة  والإعلاموالقضية الفلسطينية الحاضرة عنده أبداً… والذي يُعتبر من أهم المدافعين عن القضية الفلسطينية في العالم أجمع، حيث وصفه الصحفي البريطاني الشهير روبرت فيسك:
بأنه أكثر صوت فعال في الدفاع عن القضية الفلسطينية، لما كان له من تأثيرات كتابه مسألة فلسطينالذي حلل فيه سعيد وضع القضية الفلسطينية ضمن المنظور الفلسطيني .

في عام 1975 وبينما كان المفكر الفلسطيني إدوار سعيد يعمل أستاذاً زائراً في جامعة ستانفورد، جال بخاطره أفكار عن نظرة الغرب للمجتمعات العربية ودول الشرق الأوسط، لكنه كان يُدرك في قرارة نفسه بأن هناك تحيزا مستمرا وماكرا من دول مركز أوروبا تجاه الشعوب العربية الإسلامية، هذه الأفكار والكلمات بلورها سعيد كفكرة لبداية كتابه (  الإستشراق ) ذلك الكتاب الذي أحدث ثورة فكرية لدى عدد كبير من دول الغرب وتغيير نظرتهم تجاه الشرق الأوسط .

وطالما إرتبط إسمه بنقد ” الإستشراق ”  وهو عنوان مؤلفه الأبرز ( 1978 ) والذي ترجم لأكثر من 12 لغة وعُرف وذاعت شهرته بفضله , وحاول من خلاله تفكيك الصور النمطية التي تكونت لدي الإعلام الغربي ومفكريه , بما قدمه من أفكار حول نظرة الغرب إلى العرب والمسلمين …

كما نظر إدوارد سعيد إلى الإستشراق في كتابه كنظرائه ميشيل فوكو وغيره بإعتباره توظيفا سلطويا للمعرفة بالشرق بعد ” شرقنته ” وتنميطه , تمهيدا لإستعماره والسيطرة عليه … كذلك إعتبر أن الإستشراق شكًل منذ أواخر القرن أسلوبا غربيا للسيطرة على الشرق مهما حاولت أن تبدو عملية وموضوعية

بإختصار كان إدوارد سعيد المفكر الفلسطيني الذي اعلن الحرب على ” الإستشراق … ”

واصبح  إدوارد سعيد الفلسطيني  بكتابه هذا من نجوم الأدب العالمي ..

واول أعمال إدوارد سعيد حسب ما جاء في مقال نادية عصام حرحش ( في راي اليوم ) كان بإطروحته الخاصة بالدكتوراه ” جوزيف كونراد ورواية السيرة الذاتية ” ورواية السيرة الذاتية  (1966 ) ومن أعماله أيضا ” بدايات : القصد والمنهج ”  كذلك ” تغطية الإسلام ” 1979 …  ” قضية فلسطين ”  1980 … كذلك ” العالم والنص والناقد ” 1983 … وايضا ” متتاليات موسيقية ” 1993 … و” تمثلات المثقف ” 1994 … ” و أوسولو : سلم بلا أرض “…. “ و غزة أريحا  : سلام أمريكي “ كذلك أكثر من 40 كتابا ألفت عنه وعن أعماله وأفكاره والتي أثارت ردود فعل نافذة ين مؤيدة ومختلفة … الخ.  

كذلك  حصل إدوارد سعيد على 20 شهادة فخرية من جامعات عالمية،  حيث حصل من جامعة هارفرد على جائزة بودين، وحصل على جائزة ليونيل تريلين مرتين أولهما كانت في النسخة الأولى من قبل الجمعية الأمريكية للأدب، بالإضافة لحصوله على جائزة ويليك وجائزة سبينوزا، وفي سنة 2001 حصل على جائزة لانان الأدبية عن مجمل انجازاته، ونال جائزة أمير أستورياس سنة 2002، كما دون اسمه كراعي فخري لجامعة الجمعية الفلسفية وكلية ترنتي في دبلن بعد وفاته بوق قصير.

خارج الزمان

ليس هناك اقرب من هذا الوصف الذي إختاره المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد عنوانا لسيرته الذاتية , في كتاب نشرته دار الآداب في بيروت (2015) بعد رحيله لوصف حالة الإغتراب التي عاشها منذ ولادته … يقول ماذا يعني أن تولد خارج المكان ؟

ويتساءل في كتابه ايضا إن كان المرأ يزداد حكمة مع تقدمه في السن ؟ وهل هناك مؤهلات فريدة في الرؤية والشكل يكتسبها الفنانون بسبب العمر في الفترة المتأخرة من سير حياتهم ؟

ويقول في كتابه أيضا ( على مدى السنوات الأربع والأربعين من عمري لم أشعر قط أنني أنتمي لأي مكان عشت فيه , مضت كل تلك السنوات وأنا لا زلت أبحث عن مكان أدعوه وطن … 14 سنة في الكويت ,  9 سنوات في الأردن , وما يقرب السنتين في فلسطين , وما يزيد عن العشرين عام في أمريكا … وأنا خارج الوطن ) .

يتساءل إدوارد سعيد في في الصفحات الأولى من مقدمة الطبعة العربية لكتاب سيرته عن رأي القارئ في الترجمة ؟؟؟

قائلا ” انتظر بشغف ردود فعل القُراء العرب على ترجمة فواز طرابلسي ” وإذ يصعب على من لا يتقن اللغة الإنجليزية إبداء الرأي … فحسبه ان يستمتع بالصيغة العربية للكتاب . هذه الصيغة التي نجحت في بلوغ هدفها بجعل الكاتب يتكلم اللغة الام وكانت على حد تعبيره أشبه ” بإعادة توزيع عربي ” لمعزوفة كان يمكن ان تكتب بالعربية لولا أن كاتبها عاش ” في غير مكانه ” وبفضل هذه الترجمة التي يصفها الكاتب بالأناقة سيتمكن قُراء كُثر من الإستمتاع والإفادة من هذا المؤلف الجميل الذي قرأته  أكثر من مرة , ستظل زمنا تحدث نفسك به وتتحاور بشأنه معها ومع الأخرين … والذي حظى بقراءات عدة  قيمة تناولت في غالبيتها الحيز النفسي وكرسي التحليل الذي جلس عليه بجراة وريادة إدوارد سعيد ...

كان يصوغ أفكاره ويربطها بما يخدم موضوعه وقضيته , ومن هنا يعكس أسلوبه المتأخر أو الأخير في الكتابة والفكر والأدب والفلسفة والحياة .

منذ أن وعى المفكر العالمي إدوارد سعيد ( بعد رحلة كان قد وضع فيها اسمه في مصاف أبرز مفكري عصره ) أن “ سيف ديمكلس” مسلط على رأسه، وهو التعبير الذي اختاره لمعايشته لمرض السرطان الذي أصيب به، مدركا أن سني عمره معدودة، لم يفارقه هاجس ترك بصمته الفكرية التي بدأها بكتابه النقدي عن الروائي جوزيف كونراد، وأتبعه بكتابه المدوي “الاستشراق

في العام 1991 تلقى سعيد نبأ إصابته بسرطان الدم، وبعد استيعابه الخبر الذي وضعه في موعد مؤجل مع الموت، بدأ رحلته المثيرة في السباق معه، مقررا أنه إلى أن يأتي ذلك الموعد فإن عليه أن يفرغ ما في جعبته من رصيد فكري وأدبي وفي حديث إنساني مؤثر تستعيد رفيقة عمره  مريم سعيد ( في الجزيرة نت 27.10.2011 مع أحمد الشريقي ) أيامه الأخيرة وأفكاره التي كان يهجس فيها قائلة :

“كانت الكتابة الكثيرة هي أبرز ما يشغله، وما يلح عليه بسبب الضغط الذي كان يلازمه، من أن الوقت بدأ يقصر وأن الفسحة المتاحة له ضئيلة جدا .

وكانت قد قالت زوجة صاحب “الاستشراق” أيضا أنه “مع كل إشراقة وصحوة كان يتيحها له العلاج من مرضه “اللوكيميا” النادر الذي أصيب به في عام 1991 إلا عاد أكثر نهما للكتابة وكأنه في بداية تدشينه لمشروعه الفكري، وبداية إطلاق نفسه كناقد أدب .

وفي غمرة نشوته التي كان يمنحها إياه العلاج كان لدية ثقة بالانتصار على المرض ، لافتة إلى أنه حتى في ظل المعاناة الهائلة لم يكن يفقد فكاهته التي كانت تخفف كثيرا عن العائلة من وطأة معاناته .

في أمريكا التي شهدت ميلاده مفكرا وناقدا أدبيا عالميا كان إدوارد فلسطينيا بامتياز، يدافع عن قضية “خاسرة” في أوساط لا تلقى القضية ترحيبا فيها ولا صاحبها رغم اعتباره نجما ساطعا في أوساط الأدب العالمي، وفي العالم العربي كانت كتب صاحب “الثقافة والإمبريالية “ تواجه منعا ولا تروق أفكاره حول دولة ثنائية القومية تجمع اليهود والفلسطينيين رضا كبيرا، لا في أوساط نخب ثقافية عربيا ولا حتى في أوساط شعبية .

وما كان يشغل سعيد بحسب زوجته عندما أصابه سرطان الدم هو العودة إلى جذوره في الشرق وأن كتابه “خارج المكان” الذي سجل فيه ذكرياته في المكان الأول حيث طفولته في القاهرة، كان تتويجا للرغبة التي اكتنفته باستعادة أيامه الأولى في القدس والقاهرة

وتشير إلى أنه بعد إنهائه كتابه الشهير ” الثقافة والإمبريالية ” إتجه إضافة إلى كتاباته الصحافية في الأهرام والحياة إلى الكتابة في حقل النقد الأدبي الذي بدأ به مشروعه ( النقدي والفكري ) وكتب فيما بعد ” صور المثقف ” والذي كان عبارة عن عدد من المقالات كان قدمها لإذاعة ال (بي بي سي )

 وترى مريم زوجته الثانية، بعد زواج أول لم يعمر طويلا من سيدة أميركية, أن سعيد لم يتخل عن جرأته النقدية في أواخر حياته انسجاما مع الخط الذي بدأه في مستهل حياته الفكرية، ولم يكن يخاف من أي جديد يطرحه، لافتة إلى أن موقفه من الرئيس الفلسطيني عرفات من حرب الخليج الثانية لم يكن شخصيا بقدر ما كان حرصا على حياة الفلسطينيين في الكويت، الذي رأى أن موقف عرفات بالاصطفاف إلى الجانب العراقي كان مهددا لهم .

وتضيف أن موقفه من اتفاق أوسلو فيما بعد جاء من موقف مبدئي ومن قراءة متعمقة للاتفاق، وأنه قال لمنتقديه في ذلك الوقت لقد قرأت أوسلو بكل تفاصيله، لافتة إلى أنه كان دقيقا في رؤيته ومهتما بالتفاصيل .

وحول الربيع العربي وما تقديرها لو أن سعيد حيا، تلفت إلى أنه كان سيسعد بهذه الثورات، مشيرة إلى مناهضته احتلال بوش للعراق، وسجلت الحزن الذي اعتراه لموقف الشعوب العربية تجاه احتلال العراق في العام 2003 .

وعن زواجها بسعيد تقول مريم التي كانت تعمل موظفة بنك، إنها تعرفت إليه من خلال أخته، لافتة إلى أن الفارق في الاختصاص المعرفي بينها وبينه لم يكن عائقا في التواصل والمشاركة في الآراء والاطلاع على كل ما يكتب، مشيرة إلى أن أهم ما كانت تحبه فيه هو موقفه وآراؤه السياسية.

وعن ردود الفعل التي كان يتلقاها تعتبر أن أهم ما يضايقه هو التأويل الخاطئ لمواقفه وتفسيرها في اتجاهات غير صحيحة، وتشير إلى ارتباطه الوثيق بجذوره، لافتة إلى أن ابنه الأكبر وديع تمت تسميته على اسم أبيه تقديرا للمحبة التي كان يحملها له، فيما اختار اسم ابنته نجلاء على اسم عمتها لإعجابه بالاسم.

وعن رغبته بدفنه في لبنان، تقول مريم إن علاقة حميمة كانت تربط زوجها به فأمه نصف لبنانية، وإن ارتباط عائلته يعود إلى أربعينيات القرن الماضي وكان يصيٍف وعائلته هناك، لافتة إلى أنه طلب في أواخر حياته أن يدفن في مدافن العائلة هناك لمحبته الشديدة لعائلته من جهة ومحبته للبنان من جهة أخرى ..

سردية فلسطين بين إدوارد سعيد ومحمود درويش

أهمية سعيد ودرويش تأتي من سرديتيهما وكسرهما لمألوف السردية التاريخية المثقلة بالطابع الوطني السوسيولوجي أو التقليدي

إدوارد سعيد ومحمود درويش محظوظان، ليس لأن شهرتهما شاسعة، ومقروئيتهما واسعة، ومكانتيهما وإنما لى هذا كله ( وغيره ) أن إنجذاب التأليف   في المتن الثقافي الفلسطيني، ثم الإنساني، عاليتان والكتابة عنهما ما زال على حرارته .

يسعى الناقد والأكاديمي المغربييحيى بن الوليدفي كتابه “سرديّة فلسطين بين إدوارد سعيد ومحمود درويش” وهو باكورة إصدار دار “العائدون للنشر” في عمّان، إلى الغوص المقارن في عوالم سردية الهوية عند المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد والشاعر الفلسطيني محمود درويش لطالما كان المنتصر هو من يكتب التاريخ ويحرف ويسطر أركانه وفق ما يشتهيه بمنظومته الثقافية المهيمنة، لكن هذا لا ينطبق على القضية الفلسطينية، حيث كان الأدباء ومفكري فلسطين دور هام للغاية في التصدي للروايات المغلوطة التي بثها الاحتلال الإسرائيلي، ومن أبرز هؤلاء الفلسطينيين الشاعر محمود درويش والمفكر إدوارد سعيد اللذان كان لهما دور كبير في نحت سردية فلسطينية تتجاوز منظومات الاحتلال بكل عناصرها .

إدوارد سعيد لم يمكث في الحياة كثيراً حيث توفي في عام 2003 عن عمر ناهز 67 عاماً، وقتها كتب صديقه الشاعر الفلسطيني محمود درويش قصيدة بعنوان “طباق” يرثي فيها إدوارد سعيد  تحكى مأساة القضية الفلسطينية. 

مطلعها :

الشمس صحن من المعدن المتطاير
فوضى لغات
زحام على مهرجان القيامة
هاوية كهربائية بعلو السماء
قصائد ويتمان
تمثال حرية لا مبال بزوّاره
جامعات
مسارح
قداس جاز
متاحف للغد
لا وقتَ في الوقت
قلت لنفسي الغريبة:
هل هذه بابل، أم سدوم؟
هناك التقيت بإدوارد قبل ثلاثين عاما
وكان الزمان أقلَّ جموحا من الآن
…….

وفي ختام قصيدة “طباق إلى إدوارد سعيد” الطويلة قال درويش:

وأصرخ لتعلم أنَّكَ ما زلتَ حيّاً

…..

فالإقامةُ فوق الأولمب

وفوق القِمَمْ

تثير السأمْ

وداعاً

وداعاً لشعر الألَمْ .

وللحديث بقية

مع إدوارد سعيد … وحكاية ” الصدفة ” التي صنعت صداقتنا  … زمانها ومكانها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى