السفير ملحم مسعود يكتب – قراءة في “أدبيات” … الإنتخابات الفلسطينية

السفير ملحم مسعود، اليونان 8.11.2019
منذ أن سمعت كلمة الرئيس في الجمعية العمومية لهئة الأمم المتحدة , وأعلن عن قراره أو عزمه إجراء إنتخابات فلسطينية شاملة , وأنا أتابع مع الكثيرين كل ما يتعلق بهذا الموضوع , وما أكثر ما قيل وكُتِب بهذا الشأن مما يمكن تسميته ( أدبيات الإنتخابات الفلسطينية ) …و ” الهبًات ” المتفائلة بين الحين والحين تتراوح بين تقدم هام وجدي … من جهة , ومن جهة اخرى الحديث ضمن مطالب عديدة سبق وان سمعناها كان آخرها التصريح أمام المبعوث الأممي الخاص للأمم المتحدة لشؤون الشرق الأوسط على ضرورة عقد لقاء وطني …. لترتيب إجراء الإنتخابات وإنجاحها قبل الشروع في الإجراءات الفنية !!! يا فرحة د. حنا ناصر…
ربما يراجع الكثيرون موقف الرئيس هذا الذي اعلنه في هذا الزمان والمكان ونعني هذا المنبر الأممي الأهم عالميا في محاولة تفهم اهمية هذا الحدث وابعاده , وما يحمل في طياته ؟؟؟ فهو أدرى اكثر من اي شخص أو جهة فلسطينية أو غير فلسطينية بما ما يجري على الأرض الفلسطينية , والمتاهات التي أوصلتنا وأوصلت قضيتنا ووحدتنا من ممارسات الإخوة في حماس وعلى مدار عشر سنوات … إلى نكبة جديدة إستفادت منها أطراف كثيرة في المنطقة والاكثر والأسوا إسرائيل … وهو ما أن يستنتجه تلاميذ المدارس .
شخصيا أفهم … واتفهم هذا الموقف ضمن مفهومي العام ” المتواضع ” في السياسة ودروبها … ولزوم ما لا يلزم , ضمن الوصول للاهداف المشروعة والتي تفترض إبقاء كل الأبواب مفتوحة دون يأس أو ملل . وشعار الديموقراطية ومفاهيمها واضحة لدي أبو مازن وخصوصا تداول السلطة , عندما نجحت حماس ( 2006 ) وحصدت غالبية مقاعد المجلس التشريعي البالغة 132 مقعدا , وسلمها الرئيس المسؤولية بشكل حضاري ثمنته جهات دولية , بتكليف هنية بتشكيل وزارته كما هو الحال في الدول العريقة في الديموقراطية … وباقي القصة معروف ويطول شرح أسبابه وتداعياته …
الأمر الذي لا نفهمه سوى أن الإخوة في حماس في إنقلابهم الدموي ( 2007 ) كانوا في عجلة من أمرهم لتاسيس ” إمارتهم الإسلامية “
أكتب هذه الكلمات وانا اتالم واحزن على إخوتنا ابناء غزة واللاجيئن في المخيمات , والذين عانوا وظُلموا أكثر من مرة … واليوم يُظلمون من جديد بحجة ما تمخضت عنه صناديق الإقتراع قبل عشر سنوات وتداعياتها … وما زالوا يعانون في حياتهم اليومية ومعيشتهم وتنقلاتهم … في إنتظار ما سوف تحمله لهم رياح التغيير …
يبدو من تصرفات حماس ومواقفها لا تعني إدراكهم أهمية إجراء الإنتخابات لتوحيد الصف الفسطيني وإعادة التواصل والتعاون والعلاقات بين أنحاء الوطن , وتعزيز دعم العالم لحقوق الشعب الفلسطيني , ومواجهة الإحتلال والإستيطان¸ ونحن في هذا الوقت في أمس الحاجة إلى بلورة إستراتيجية وطنية متماسكة , وتمكين السلطة من بناء مؤسسات الدولة المنشودة على كافة الأراضي الفلسطينية … مما يؤكد أن دورهم بات يتكرر والمهمة معروفة والأهداف واضحة :
الوحدة مرفوضة بالنسبة لهم ولحلفائهم بما يحاولون تسويقه من مطالب ومخاوف ومعوقات وحجج نسمع و نقرا عنها كل يوم لوضع “العصى في الدولاب “
الرئيس الفلسطيني وحماهير شعبنا تتسامح … بما فعلته حماس منذ إنقلابها العسكري الدموي بشعبنا وإخواننا في القطاع , وتقويض الوحدة الفلسطينية , وتعطيل مسيرة الدولة وطموحاتا … لكن وبالتاكيد لم ولن ننسى مواقفها عندما إرتدت وتراجعت على إتفاق مكة المكرمة , وتفاهمات ولقاءات ومبادرات كثيرة في أكثر من عاصمة لم تلتزم بها . وها هو حالنا اليوم … كما قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه :
لستُ بالخِبِّ، ولا الخِبُّ يَخدعُني
على هامش هذه المحاولات الجارية والمبادرات وإنشغال السطة , ومنظمة التحرير , وكافة القوى والفعاليات الفلسطينية بها ,علينا التفكير وتوفير البدائل لإنجاز هذه الإنتخابات ما أمكن وهي الأهم في هذه المرحلة التي تتبلور فيها السياسات والمواقف والأنظمة في المنطقة … إذا ما رفضت إسرائيل إجرائها في القدس … كذلك مماطلات حماس بحججها الواهية من أجل الهروب الكبير امام الإستحقاقات الأكبر .
كما جاء في مقال للأخ صالح قلاب في الشرق الأوسط بأن الفيتناميين في الجزأ الشمالي من فيتنام كانوا يمثلون أشقائهم في الجزا الجنوبي , وهذا يعني انه بالإمكان تمثيل ابناء قطاع غزة والقدس المحتلة أيضا في المجلس التشريعي المنتخب من قبل أشقائهم المنتخبين … وأضاف أخونا صالح بالمثل القائل :
الضرورات تبيخ المحظورات …. نحن لا نتمنى ذلك لغزة وأهلها …
وربما يسأل المواطن الفلسطيني عما إذا لم تتوافق الاطراف على إلإنتخابات والتي لا يبدو طريقها معبدا , والعودة إلى المربع الأول خصوصا عندما تطلب حماس عقد لقاء وطني على مستوى عالي يناقش الأبعاد السياسية للعملية الإنتخابية وأسسها وآلياتها … ضمن مطالبها التي لا تعدوا … من ..عَك … إلى عَك الخ. ؟؟؟ ومن المعروف إصرار الرئيس على عقد مثل هذا اللقاء الوطني بعد إصدار المرسوم الرئاسي …وليس قبل ذلك .
او ما جاء في مقال بقلم هشام ساق الله يعرب فيه عن مخاوفه مما قاله الدكتور أحمد مجدلاني بتطبيق الإنتخابات على الطريقة القبرصية … أي إجرائها في الجانب اليوناني … ويكون ذلك تمثيل للقبارصة في الجانب التركي . أي إجراء الإنتخابات بالضفة الغربية يمثل قطاع غزة والشتات وهذا سيخلق شرخ لن نخرج منه ابدا .
تعليقنا على ذلك أن ملف الشتات الفلسطيني وحقوقهم ليست رهنا بالإحتلال … أو مزاجية اي طرف ولنا عودة لهذا الملف المهمش والمهمل … لمناقشته من كل جوانبه نظرا لأهميته … وإمكانيات الإنتخابات هنا ليست من البساطة لأسباب يطول سردها .
كذلك المقارنة مع الحالة القبرصية ليست دقبقة , وللتوضيح فإن حقوق المواطنة للقبارصة ( ابناء الطائفة اليونانية و التركية ) محفوظة , وكافة البيانات المتعلقة بالمواطنين القبارصة من الطائفتين مسجلة وموثقة منذ الإحتلال البريطاني وهي في عهدة المراجع الرسمية في إرشيف الدولة. القبرصية منذ الإستقلال .
وعلى سبيل المثال يستطيع أي قبرصي ” تركي ” يقيم في الشمال الذهاب إلى نيقوسيا أو إلى اي سفارة أو قنصلية قبرصية ويطلب جواز سفر الدولة القبرصية ” الفخيم ” العضو في الإتحاد الأوروبي … هذا رغم محاولات الإحتلال التركي تغيير ديموغرافية المنطقة الشمالية منذ عام 1974 بتهجير اتراك من تركيا للجزيرة . وهذ حكاية اخرى .
وسبق أن كتبت على هذا الموقع كيف نجح صديقي الاستاذ الجامعي ” نيازي كيليوريكس “ في جامعة قبرص في العاصمة القبرصية نيقوسيا ( القبرصي التركي) نجاحا كاسحا وصفت الحدث ( بالإختراق ) حيث عبَر أكثر من خمسة آلاف مواطن قبرصي تركي لهم حق المواطنة من القطاع الشمالي المحتل الخط الفاصل وأدلوا باصواتهم لمواطنهم القبرصي .
إننا نعيش فترة حرجة من تاريخ المسيرة الفلسطينية , ورأينا أكثر من مرة الناس في الشوارع ليسوا من اجل المطالب بل من أجل الحقوق … وبدل أن تحدد المؤسسات سقوف القوانين وقعورها … تتناولها على انها نزاع لا حل . البعض منا اقحاح بمعنى القحة والجلوزة والتخلف … والجهل مصدر كل شيئ … قال المتنبي ” يا أمة ضحكت من جهلها الامم ”
أخيرا إما أن نساعد في اللُحمة … وإما أن نلتزم أدبياتها , ولكن عندما يغيب زمن الحكمة يقوم زمن الثرثرة … والثرثرة طريقُ الخراب .
السفير ملحم مسعود – من اسرة مركز الناطور للدراسات والابحاث