#أقلام وأراء

السفير ملحم مسعود يكتب ” خبطة ” مصرية … ومصيرية

السفير ملحم مسعود – اليونان 6.6.2021

هل هناك خبطة ” مصرية متوقعة قريبا  … ؟؟؟ للحفاظ على مجرى نهر النيل الذي شق طريقه ومجراه على مدار الزمن , بعد ان بلغ الصبر بالمصريين الزُبى أو ما قاله علي بن أبي طالب :

صبِر قَليلاً فَبَعدَ العُسرِ تَيسيرُ     وَكُلُّ أَمرٍ لَهُ وَقتٌ وَتَدبيرُ

وَلِلمُهَيمِنِ في حالاتِنا نَظَرٌ        وَفَوقَ تَقديرِنا لِلّهِ تَقديرُ

ضربة تبدو ضرورية , ستكون موجعة بكل المقاييس , وسيخرج آبو أحمد الصغير بعدها أول رئيس وزراء من عرقية  أورومو , الحائز على جائزة نوبل لجهوده في حل النزاع الحدودي مع إريتريا … الذي مارس جرائم حرب ضد شعب التيغراي , زعيم بلاد اثيوبيا التي تتكون اكثرمن 80 مجموعة عرقية , متعددة اللغات ( 90 لغة ) … والأديان , تمزقها النزاعات والإقتتال ليقول لشعبه :

إنتظرناهم من الشمال  … وإذا بهم جاءو من الجنوب

نعود للكتابة في موضوع المياه على هذا الموقع مرة أخرى ضمن رؤية واسعة وشاملة في تعدد المواضيع ونوعيتها على الموقع , بعد ( عشرة مقالات ) تحت عنوان ” حروب المياه “ بدأنا نشرها بتاريخ ( 9.4.2020 ) لمن يرغب في مراجعتها … تناولنا فيها بشكل خاص , إقامة السدود على الأنهار العابرة … وتداعياتها  بما قد تحمله من مخاطر قد تكون فنية او بيئية والأسوا إذا ما لم يكون هناك توافق وإتفاقيات ملزمة بين دول المنبع والمصب … إضافة  إلى الدول العابرة إذا وجدت .  

إنه النزاع الأزلي حول الأنهر، كما يقال دئما بين أهل النبع وأهل المصب . على سبيل المثال في منطقتنا بين تركيا والعراق وسوريا في دجلة والفرات , أو في أماكن عدة من العالم . وكان الحل في تشارك أهل الحوض وفقاً للمعايير الدولية. لأن حروب المياه هي الأكثر شراسة وضرراً وتهجيرا اليوم ما يجري حول نهر النيل مثال على ذلك ، وهو خيار لا يريده أحد , خصوصاً مصر في هذه الأوقات , لكن المواطن المصري العادي ناهيك بالمسؤول لا يتخيل النيل ناقصاً نقطة واحدة ...

نحن نتحث عن هذه المخاطر , وخطورة الصدام وإندلاع الحروب … والتي تمثل الخطوط الحمراء في كل مكان وزمان … في أمريكا على سبيل المثال بالرغم من أن الحدود الأمريكية الكندية طالما وصفت بأنها أطول حدود غير محصنة في العالم، إلاً أن النزاع على مضيق مدخل ديكسون لا يزال واحدا من النزاعات الحدودية طويلة الأمد بين الدولتين..
حدث أن جرى  نوع من (البلطجة الأمريكية ) للتعليط … على مياه  جارتها كندا في الشمال وكان غير مقبول من الجانب الكنديلدرجة أنها إستنفرت وحركت جيوشها نحو الحدود  للدفاع عن مياهها وأراضيها … حتى تم تسوية الموضوع  بالحسنى. .

سبق وان أشار الكاتب المصريإميل أمين في مقال له قبل فترة عن آخر وأهم الدراسات ( وما أكثرها … ) التي أجريت بشأن أزمة المياه العالمية , كانت في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2018، وقام عليها فريق من العلماء من مركز الأبحاث المشتركة التابع للمفوضية الأوروبية، وقد سلطت الضوء على بؤر أساسية، يمكن أن تكون في القريب العاجل موقعاً وموضعاً لصدامات مسلحة , حفاظاً على الحقوق المائية , بما فيها نهر النيل، ونهر الغانج , ونهر السند , ونهري دجلة والفرات، ونهر كولورادو … الخ ..

ولعل السؤال الواجب طرحه هنا هو: هل نقص المياه يعني ضرورة الحروب ؟

بدأت إثيوبيا تتعامل فعليا مع النيل الأزرق باعتباره بحيرة إثيوبية داخلية، وليس نهرا دوليا خاضعا للاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بالأنهار المشتركة وخطورة ما يجري الآن في الهضبة الأثيوبية رغم كل التطمينات اليومية التي تحاول بها إثيوبيا الرهان على إستهلاك الوقت في التفاوض والحديث مع الوسطاء وتخوض في مسلسل( التسريع… ) في ملء السد الذي يزيح الحديث عن موضوع الحصص إعتقادا منها أن الوقت يصب في سياساتها وإستراتيجياتها   بالمقولة المجلة :

إثيوبيا تؤكد أنها لا تريد الإضرار بمصر والسودان بسبب بناء السد

في الوقت الذي يصرح فيه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قبل أيام قليلة , بنية بلاده إنشاء 100 سد خلال العام المالي القادم سرعان ما لاقت شجبا وتنديدا رسميا من دول المصب، مصر السودان لتزيد الطين بلة (على مَن يريد أن يركب بحر النيل أن تكون لديه أشرعة منسوجة من الصبر)  للروائي البريطاني الشهير الحائز على جائزة نوبل، وليام غولدنغ، قبل أكثر من ثمانية عقود ، ويبدو أن مقولته   صائبة إلى اليوم، وهي تنطبق بشكل خاص على طموحات إثيوبيا طويلة الأمد للسيطرة على النيل , والمتاجرة بمياه النيل والإبتزاز السياسي بواسطة سد ضخم يُبنى فوق موقع مختار بعناية على النيل الأزرق، أهم روافد النهر الكبير.

وما تحمله هذه التطورات من أخطار الحرب , التي باتت الخيار الأخير ( والله أعلم ) عبًر عنها الرئيس المصري اخيرا في تصريحه الذي كان أقرب ما يكون بما يحمله من “رسائل للداخل والخارج” قائلا : إن أحدا لا يستطيع المساس بحق مصر في مياة النيل، محذرا من أن المساس بها “خط أحمر” وسيكون له تأثير على استقرار المنطق بكاملها

وكأن طبول الحرب وأجراسها تدق ضد إثيوبيا …. عندما يكون الخيار العسكري … آخر الحلول“.

 

– خريطة توزيع حصص المياه يئن دول حوض النيل 

إذا تركنا جانب التمويل وآليات ذلك , وضبابية العملية … فمن المعروف ان مصر والسودان وإثيوبيا  خاضت مفاوضات شاقة ومتعثرة، منذ نحو 10 سنوات، للتوافق على ( آليات ) تشغيل وفترة ملء السد… وطالما طالبت مصر والسودان باتفاق «قانوني ملزم» ينظم قواعد تشغيل وملء «سد النهضة»، المقام على النيل الأزرق يمكن الرجوع إليها بما يمكنهما من تجاوز الأضرار المتوقعة لـ «السد»، خاصةً في مواسم الجفاف , وسرعة الملء فيما ترفض إثيوبيا «إضفاء طابع قانوني ملزم على أي إتفاق. كما تصاعد النزاع بين الدول الثلاث خلال الأسابيع الأخيرة مع بدأ تباشير موسم الأمطار على الهضبة الإثيوبية , بسبب إصرار أديس أبابا على تنفيذ الملء الثاني لبحيرة السد , بغض النظر عن عدم التوصل إلىى إتفاق , الأمر الذي رفضته مصر والسودان , والذي يعتبر تهديدا للأمن القومي المائي … وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قد صرح إن «مسألة المياه ونهر النيل لمصر ترتقي إلى مرتبة (القضية الوجودية) التي ترتبط بحياة هذا الشعب وببقائه »

( نصيب الفرد في مصر لا يتجاوز 560 متراً مكعباً سنوياً من المياه في الوقت الذي عرّفت فيه الأمم المتحدة الفقر المائي على أنه 1000 متر مكعب للفرد في السنة وتعتبر مصر من أكثر الدول جفافاً والأقل نفاذاً للموارد المائية المتجددة، كما أنها تعد الأعلى من بين دول العالم من حيث نسبة الاعتماد على مصدر أوحد للمياه المتمثل في حصتها في مياه النهر 55 مليار متر مكعب حسب إتفاقية 1959 الذي يوفر 98 في المائة من احتياجاتنا المائية … كانت مصر قرابة 30 مليون نسمة حينذاك … تصوروا حاجة مصر اليوم مئة مليون نسمة ؟؟؟ ) … وجرى كل ذلك ضمن تفاهمات وإتفاقيات معروفة … يشكك فيها آبو احمد بحججه الواهية   اليوم بانها إتفاقيات ابرمت خلال حقبة الإستعمار وحاجة بلاده للتنمية وهذا امر لا خلاف عليه , لكن ليس على حسابحقوق شعوب النهر التاريخية واهله على مدار الزمان . والمعروف أن مياه الهضبة الإثيوبية وفيرة وغزيرة مليئة بالبحيرات والأنهار التي لم يستغلوها بعد  .

لم يبقَ نابليون طويلاً في مصرلكي يحقق حلمه بالنهر الذي كان مبهورا به للإستفادة من كل نقطة ماء قبل أن  تهدر في البحر ... لكن مصر والوالي الألباني محمد علي الذي جاء من بعده , ادرك أهمية مياه النهر وحسن إستخدامها وبدأ بإقامة اول السدود على النهر بدءاً من 1840. وإستمرت البلاد وحتى وقتنا هذا في شق القنوات , وتطوير المنشآت النهرية مثل الترع والقناطر على طول النهر ووضع نظم حديثة للري والصرف  على طول الوادي … حتى إقامة السد العالي في الفترة من عام 1958 إلى 1970 لحماية مصر من مواسم الجفاف وتوفير الكهرباء للتنمية .

كذلك تكونت بحيرة ( ناصر ) نتيجة المياه المتجمعة أمام السد العالي بطول 500 كم منها 350 كم بالأرض المصرية، والباقى بالأراضي السودانية ومتوسط عرض 12 كم ويصل عمقها إلى 180 مترًا بسعة تخزين كلية 162 مليار متر مكعب، لتصبح بذلك ثانى أكبر البحيرات من حيث المساحة، وتتميز البحيرة بملاءمة ظروفها البيئية لتربية العديد من أصناف الأسماك، بالإضافة إلى وفرة القاعدة الغذائية الطبيعية .

نهر النيل.. هبة الله التي حولت الصحراء المصرية إلي حضارة عريقة

بعض ما جاء في كتب التاريخ :

ان الإنسان المصري القديم أول من إستشكف منابع النهر  … أي  قبل صمويل بيكر الرحالة الإنجليزي 1821 – 1893 وضابط وكاتب وخبير في التاريخ الطبيعي وكان ومن دعاة التحرير من العبودية. يعرف بالدرجة الأولى لمحاولته اكتشاف منابع النيل. حمل لقب باشا ولواء في مصر العثمانية .

مصر هبة النيل”..

لم تكن في يوم من الايام مجرد عبارة نرددها في كُتب التاريخ، فبهذه الكلمات الثلاث استطاع أبو التاريخ المؤرخ الإغريقي الأشهر “هيرودوت” خلال القرن الخامس قبل الميلاد، أن يلخص كل شيء، فذلك النهر بدأت علي ضفتيه أقدم وأعظم حضارة الكرة الأرضية، وبدونه تبقي مصر صحراء قاحلة مترامية الأطراف. 

 “مصر هبة النيل”.. هكذا كان يقصد هيرودوت قبل ألفى وخمسمائة سنة، فتلك الحضارة التي ازدهرت علي ضفافه، ما كانت لتكون لولا ماء النيل وطميه المتجدد مع كل عام جديد، ضامنا إلى الأبد خصوبة التربة وما تطرح من ثمار، وهو ما يمكن أن تلاحظة عندما تري مصر لأول مرة من نافذة الطائرة فى الجو، شريط أزرق طويل ، يحيط به من الأطراف شريطان أخضران ينتهي بدلتا مثلثة الشكل، ومن خلفهما تترامى الرمال الصفراء بلا حدود.

“مصر هبة النيل”.. لم يبالغ العالم الفرنسي جاك فاندييه في دراسته “المجاعة في مصر القديمة”، عندما أشار إلى أن نهر النيل هو الأساس الذي اعتمدت عليه الحياة المادية والاجتماعية في مصر، لذا إجتهد المصري القديم في ابتكار طرق تهدف إلى الاستفادة من مياه النهر، وذلك من خلال تنظيم الري وحفر الترع لزراعة أكبر مساحة ممكنة من أرض الوادي.

ماذا ستقول أو تكتب بالأحرى ” اغاثا كريستي ”

لو كانت معنا اليوم تسمع وتتابع أخبارالنيل الذي أحبته و في ” أجواء رحلتها ” على السفينة  النيلية ( السودان )   مصدر إلهام لها في كتابة الفصول الاولى لأحد أشهر روايتها ” موت فوق النيل ” التي نشرت عام 1937 (أغاثا كريستي التي كتبت 66 روايةو لا تزال سفينة “السودان” البخارية التي ألهمت “ملكة الجريمة” أغاثا كريستي تقاوم الزمن، محافظة على ذكرى الروائية البريطانية حية في الأذهان.
ويتباين التصميم الأنيق لهذه السفينة البخارية البالغ طولها 73 متراً وعرضها 14,5 متر، مع المراكب البدائية الأخرى التي تبحر في نهر النيل شُيدت السفينة لصالح الأسرة المالكة المصرية في عام 1885 قبل تحويلها باخرة سياحية سنة 1921  وإستضافت الكاتبة مع زوجها عالم الآثار ماكس مالوان على السفينة في العام 1933

إنه النيل الخالد  وكان أكثر ثراء من أن تنفذ إستلهاماته … ملهم الشعراء , نختار مطلع قصيدة الشاعر محمود إسماعيل الذي تغنى بها الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب

مسافر زاده الخيال     والسحر والعطر والظلال

للمزيد عن موضوع النيل الأزرق في ( كتاب النيل الأزرق … لآلان مورهيد … الهيئة المصرية للكتاب عام 2011 )

ملحم مسعود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى