السفير ملحم مسعود يكتب – بلقانيات ١: مقدونيا ، عقدة .. وتعقيد

السفير ملحم مسعود *، اليونان ٩-١٢-٢٠١٨
في السبعينات من القرن الماضي وفي احد المهمات لدولة يوغوسلافيا الصديقة , والتي كانت تربطنا معها علاقات صداقة وتعاون منذالسنوات المبكرة للثورة الفلسطينية , وكنت برفقة الأخ والصديق حمدان ( يحيى عاشور ) رحمه الله للإطلاع على أحوال الطلبة الذين كانوا يتلقون العلم في أنحاء يوغسلافيا , وكان الحضور الفلسطيني قويا ومتميزا بالزخم الطلابي في هذا البلد . وقد كان لنا لقاءات شارك فيها مندوبين عن الطلبة من كافة المناطق .
وفي أحد اللقاءات دار حديث عام عن أحوال يوغوسلالفيا ومستقبل البلد في مرحلة ما بعد الزعيم التاريخي … ” تيتو “ … وإندهش البعض من السؤال … وخصوصا المكان والزمان …. طماننا البعض بأن الإمور مضبوطة , والسنوات الطويلة الماضية التي تعايشت خلالها التجمعات الإثنية في أمن وسلام في عموم ” الجمهوريات اليوغسلافية ” كافية وضامنة ودليلا على الإستقرار في المستقبل .
ومن المعروف منذ تحرير يوغسلافيا من الاحتلال الألماني عام 1945 أُعلنت في نفس السنة قيام ” اتحاد الجمهوريات اليوغوسلافية الشعبية والذي ضم كل من صربيا، كرواتيا، سلوفينيا، البوسنة والهرسك، الجبل الأسود وجمهورية مقدونيا “. واصبح ” تيتو ” رئيسا للإتحاد وبقي رئيساً حتى مماته عام 1980 . حيث بدأ العد التنازلي لنهاية هذا الإتحاد وما تلى ذلك من نزاعات وإقتتال ….. وباقي القصة معروف . هذا البلد الذي طماننا عليه يوما بعض الشباب في يوغسلافيا.
وطالما الشئ بالشئ يذكر … أذكر يوما وخلال نقاشا جرى بحضور أبو عمار رحمه الله و بعض الإخوة , وكان الحديث عن يوغسلافيا البلد الصديق , وشخصية الزعيم اليوغسلافي وكيف تحدث أبو عمار بثقة ومحبة عنه ودعمه المبكر للقضية الفلسطينية ذكرته بأن تيتو ” كرواتي “ …. سائلا ومتخوفا على اليوم التالي , والطبيعة الصعبة لصربيا واهلها .!!!! قال أبو عمار :
لنا أصدقاء من الصرب وغيرهم في يوغسلافيا . وبالتاكيد حزن على رحيل تيتو كثيرا … واكثر … على ما آلت عليه الأوضاع في هذا البلد الصديق .
من كان يصدق أو يتخيل أن يحدث كل ما حدث من قتال وإقتتال ودمار وإنهيار في هذا الإتحاد البلد الجميل ؟؟؟؟؟
حكاية يوغسلافيا هي حكاية البلقان كله … طويلة … لم تتوقف الأطماع فيهامنذ الدولة العثمانية في الشرق والإمبراطوريات الأوروبية في الغرب . الحكاية التي لم تكتمل أبدا وستظل مفتوحة وناقصة …. ولنا عودة.
اليوم ….. نتوقف سريعا عند جمهورية مقدونيا اليوغسلافية ” الصغيرة ” التي إستقلت كسائر الجمهوريات فيما كان يعرف بإتحاد الجمهوريات اليوغسلافية , و التي تجاور اليونان جغرافيا على حدوده الشماليه , ونزاع مضى عليه 27 عاما بينهما على إسم هذه الجمهورية المقدونية , التسمية التي تعارضها اليونان بتطرف وطني و بشدة لأنها تعتبر أن هذه التسمية تعود للإقليم الواقع في شمال بلادهم على حدود الدولة المقدونية والذي كان في الماضي مهد إمبراطورية الإسكندر الأكبر مصدر فخر اليونانيين .
جرت محاولات ومبادرات لحل النزاع اليوناني المقدوني , والذي اصبح الإتفاق الان أقرب للنجاح حين تستكمل المعطيات اللازمة للإخراج الدستوريوإستكمال ما يلزم في البلدين , المهمة التي نجح فيها أخيرا الوسيط المفاوض للأمم المتحدة ” ماثيو نيميتز ” الحل الذي يقترب من نهايته السعيدة , بتعديل إسمها ليصبح ” مقدونيا الشمالية “ …. الأمر الذي يفتح أمامها المجال للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي …. وحلف الأطلسي ( القطبة الخفية ) في العقدة المقدونية . بعد إبعاد شبح الفيتو اليوناني مما يسمح بتحقيق طموحات مقدونيا ” الشمالية ” الدولة المجاورة للإنتماء إلى الغرب الأوروبي , والإنضمام إلى المحافل الدولية .
كما يهدف الإتفاق الواقع في 20 صفحة إلى معالجة أحد آخر النزاعات الموروثة عن تفكك يوغسلافيا … أو هكذا يقولون .
وعندما نتابع اليوم التطورات في ” كوسوفو ” على سبيل المثال والتي تعتبرها واشنطن ” بؤرة لعدم الإستقرار ” ….
من جهة أخرى تنظر روسيا بعدم الرضى عن التطورات في ” مقدونيا ” ومعارضتها إنضمامها المتسرع لحلف الأطلسي , وإتهامها للولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي في التدخل في الشؤون الداخلية لدولة مقدونيا …..
مع التذكبر بالأزمة الروسية اليونانية التي عكرت العلاقات الطيبة والتاريخية مع روسيا التي تربطهم خصوصية الإرثوذكسية تاريخيا وغيرها …. حينما إحتجت اليونان على تصرفات روسية داخل بلدها !!!! و أبعدت دبلوماسيين روس من البلاد بحجة التدخل بالشؤون الداخلية اليونانية ( يقال عن محاولات وجهود الدبلوماسيين في عرقلة وصول اليونان ومقدونيا للإتفاق ) الأمر الذي ترك ندوبا واضحة على علاقات البلدين .
كل هذا يجعلنا نرى وكأننا لسنا أمام عقدة بل مزيد من التعقيد البلقاني …. وكان هذه النزاعات البلقانية ما زالت كالنار تحت الرماد .
وللحديث بقية .
* اول معتمد للثورة الفلسطينية في قبرص واليونان