#أقلام وأراء

السفير ملحم مسعود يكتب – الدبلوماسية … والدبلوماسي 2

السفير ملحم مسعود – اليونان 3.12.2020

إن طبيعة العمل الدبلوماسي تختلف  عن الكثير من الأعمال والمهن … والذي يختار الإلتحاق بالسلك الدبلوماسي, يمر بعدة إختبارات للتدقيق في مؤهلاته العلمية وثقافته , ومعرفته اللغات … يتبعها مقابلة أو أكثر  مع الشخص المرشح , لتقييم وتثمين ما يملكه من مؤهلات مقارنة مع  شخصيته …  بمعنى حضوره وذكائه وربما الهواية او الهوايات التي يمارسها … ليكون مؤهل فعلا بالإلتحاق بالسلك الدلوماسي , وتبدا عملية التدريب او التأهيل من خلال  دورات دراسية يشارك بها قبل بدا مسيرته المهنية في الدرب الطويل .

لسنا هنا بصدد الدراسات والأبحاث العلمية التي تعتبر ضرورية لمن يعمل في هذا المجال , في التاريخ والجغرافيا والسياسة وعلم الإجتماع … والإتفاقات  والمعاهدات الدولية  التي تنظم العمل الدبلوماسي . وفي حالات كثيرة في بدا النشاط الدبلوماسي للملتحقين الجدد يتم إعدادهم بدورات متخصصة عن المنطقة والبلد الذي سوف يبدأ به من ثقافة وتاريخ ( ومشاكل ) إذا وجدت داخليا أو مع الدول المجاورة … الخ . وهكذا تصبح لديه الرغبة الذاتية لتطوير نفسه بالقراءة والبحث … والتنقيب في المكتبات والكتب عن كل ما يتطلب معرفته عن منطقة أو بلد معين … والكثير منهم يصبح لاحقا خبيرا في مؤسسات أوشركات بما له من خبرة ثمينة في منطقة معينة أو حالة خاصة بعد تقاعده أو تركه العمل الدبلوماسي  . 

 ويمكن الإشارة هنا  إلى بعض أوجه النشاطات المنوطة به حسب البلد الذي يُكلفالدبلوماسي في العمل فيها والظروف التي تحدد هذه الأولويات . مثل مراقبة ومتابعة مجريات الامور والتطورات المحلية التي تؤثر في حماية مصالح دولة الدبلوماسي أوالسفير . والإتصالات في كل ما يهمها … فمراقبة كل ما يمس مصالح الدول في علاقاتها ببعضها , مثل النزاعات الحزبية في هذا البلد أو  ذاك على سبيل المثال مهمة شاقة واسعة النطاق , وخصوصا إذا كان السفير او البعثة حديثة العهد في ذلك البلد وليس لديها قاعدة واسعة من العلاقات اي ( لوبي) صديق , مما يتطلب الحيطة والحذر لتجنب الوقوع في الخطأ أو التغرير … في دقة المعلومات الضرورية التي يستفاد منها , وتهم دولته ان تلم بها للبناء على مثل هذه المعلومات لإتخاذ المواقف ورسم السياسات .

كذلك مصالح رعاياها , الأمر الذي يتطلب معرفة وتنفيذ المعاهدات , وإتباع قواعدالقانون المحلي والدولي … وهذا ربما يستدعي التدخل في الوقت المناسب لمنع الإخلال بالحقوق او المصالح الشرعية … ومتابعة مثل هذه الحالات في حذق ولباقة ومراعاة إنتهاج الوسائل التي تلائم الظروف , وتوافق أمزجة المخاطب معهم … بحيث توحي إليهم بما يجب عمله دون أن تفرضه  عليهم , وتقنعهم في حزم عند اللزوم دون صدهم , إن خلق أجواء ودية مع دوائر الدولة لا سيما وزارة الخارجية ومدراء الأقسام يساعد في تجنب الأزمات وتدبير الإمور وتمهد لعقد المعاهدات وإبرام الإتفاقيات التي يتم بها توثيق وتجسير العلاقات وتدبير الحلول للمشكلات .

إن وجود جهة قانونية  أو مكتب محاماة ( صديق ) بشكل او بآخر للبعثة  وقضاياهاالوطنية بقدر الإمكان يساعد كثيرا في تجنب السفير والبعثة الدبلوماسية المطبات القانونية في هذا البلد … وتجعله في غنى عن المشاكل والمنازعات القانونية التي ربما يلجا إليها كل من لا يرغب في هذا الحضور والنشاط الدبلوماسي لهذه البعثة النجاح .

هذا بالإضافة إلى نصائح وإرشادات كثيرة للدبلوماسي المبتدئ يجب الاخذ بها لمساعدته في تحقيق الهدف الذي أرسل من أجله ونذكر بعضها و وأهمها :

أن يحسن إختيار النوعية من العلاقات مع الأشخاص والمؤسسات والجمعيات …الخ. وإحترام عادات الشعوب وتقاليدها , والمحافظة على الكرامة وقيمة المهمة التي يقوم بها , وعدم إستغلال الوظيفة لأسباب شخصية , والتمسك بالقول الحسن … وحُسن المعاملة مع رؤسائه وزملائه ومرؤوسيه وبروح التعاون كذلك مع زملاء العمل وإحترام افراد الطواقم المحلية , وتجنب إنتقاد سياسات بلده وعدم إنتقاد سياسة البلد المضيف علنيا , أو اي دولة أخرى مما يعود بالأذى على العلاقات الثتائية ...  (ولمن يريد المزيد عن البروتوكول والإتيكيت  والمجاملة عليه الإطلاع على كتاب الدبلوماسية  للسفير أحمد حلمي  صادر عن دار عالم الكتب عام 1976 القاهرة )  .

والدبلوماسي مكلف بالتعبير  عن مواقف دولته الرسمية وشرحها   من كافة القضاياخلال مناقشات او تساؤلات , إلى جانب عدم التفاخر بإتصالات رسمية  وعلاقات مع دوائر الدولة المضيفة , كذلك عدم التقرب زلفا من السلطات المحلية والأجهزة المختلفة للدولة المضيفة … فأنت تمثل دولة ذات سيادة … من الافضل  تجنب التصريحات الكلامية … والحرص كل الحرص على طبيعة ونوعية علاقات الدبلوماسي مع وسائل الإعلام , والصحفيين بشكل خاص وتركها للمعنيين في البعثة الدبلوماسية , وخصوصا السفير  تجنبا لتحوير وتدوير الكلمات والعبارات من قبل صحفيين شبه مجهولين لتحقيق سبق صحفي ما  لحساب الصحيفة أو محطة تلفزيونية … والقليل من الإعلام كثير من المنافع والافضل إذا تطلب الأمر  بإصدار بيان ( مكتوب ) بإسم السفارة لإيضاح موقفها… وكما جاء في القرآن الكريم ( سورة النساء )

لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا

وكما قال هارولد نيكلسون إن مجموعة الصفات والميزات التي تتوافر في الدبلوماسي هي فريدة ومميزة . ولكن حتى لو توافرت في الدبلوماسي هذه المميزات فإن مقياس نجاحه الذي يحققه في مضمار بناء النظام الدولي … سيقى  معتمدا ولدرجة كبيرة على ظروف معقدة وتجريبة  وقد مُنحت للدبلوماسي حصانات وإمتيازات دبلوماسية لتسهيل مهمته واداء عمله في الدولة المضيفة بموجب إتفاقية فيينا 1962 .  

* المزيد عن إتفاقيتا فيينا ولأهمية هذه الإتفاقيات يمكن الرجوع إليها في كتاب (العلاقات القنصلية والدبلوماسية ) حصاناتها وإمتيازاتها من تاليف  ط سهيل فريجي بيروت “عام 1970  

وللحديث  بقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى