#أقلام وأراء

السفير ملحم مسعود يكتب – اخي الرئيس … ” تبديل السروج راحة “

السفير ملحم مسعود – اليونان 28.5.2021

الحراك الذاتي العالمي الذي شاهدناه من اجل فلسطين لا سيما في معاقل صناعة القرارات وتشكيل الرأي العام في مناطق ودول كانت الكلمة فيها إلى حد كبير للآلة الصهيونبة بلا منازع … جاء نتيجة التحولات في المزاج الدولي على مستوى الجماهير غير مسبوقة … كما ستكون له أبعاد استراتيجية مستقبلية خصوصا بعد أن استمر أمد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي  قرابة ثلاثة أرباع القرن ... ليضع هذه المرة الكرة في الملعب الفلسطيني , مما يتطلب التعبئة والإستنفار والإستعداد لمواجهة تحديات ومسؤوليات غير مسبوقة أيضا …

خرجت مسيرات التضامن مع فلسطين من كل درب وصوب … في العديد من المدن الأميركية والكندية بينها نيويورك وبوسطن وواشنطن وديربورن وميشيغان ومونتريال وغيرها  … في اوروبا وإستراليا وامريكا اللاتينية , وحدث في مجلس الامن أن أعلنت 14 دولة تضامنها مع الشعب الفلسطيني  والأهم التحولات … ” في الرأي العام العالمي بالتضامن مع فلسطين من خلال مظاهرات وحراك سياسي ومجتمعي عالمي لأول مرة , ولم يبتعد الوسط الفني والرياضي العالمي والعربيايضا عن مجريات الصراع الفلسطيني , وسيكون هذا الحراك في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية مفصليا و تاريخيا لشعبنا ونضالاته من أجل حقوقه المشروعةوجاء في المكان والزمان الذي إستطاع العالم  ان يعبر بهذه الطريقة على عدالة  قضيتناكما كان بمثابة صحوة ضمير عالمية لكل هذه السنوات من الظلم والمعاناة التي عاشها شعبنا …

رفرفت  الأعلام الفلسطينية في كل مكان … من أجل فلسطين … لا لمنظمة ولا لتنظيم ولا لمن يحزنون … تضحيات شعبنا وصموده الذي أعاد للقضية الفلسطينية وهجها التاريخيوليس لمن يعتقد انه صاحب «العقد والحل» بالنسبة للقضية الفلسطينية من خلال ادواته , ويقودها لحساباته واجندته الخاصة التي ليس لشعبنا  فيها ناقة ولا جمل . وعلى القاصي والداني أن يعلم ان عنوان وتمثيل ” فلسطين ” معروف وكفى متاجرة بإسم فلسطين  وشعبها ودماء ابنائها … وإذا إختلفنا معهم … لا نختلف عليهم .

في الصورة : تضامن الجماهير مع فلسطين في ملاعب كرة القدم في اليونان

الآن وعلى القائمين عليناأن يدركوا  حان وقت الحصاد … بالبدا بإعطاء الأولوية لبناء وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني , وتجديد وتحديث المؤسسات القادرة على مواجهة التحديات , وتطوير الخطاب الفلسطيني … وإعادة النظر في سياساتنا على الساحة الدولية وادواتها القادرة على المواجهة وقبول التحدي … وهي حجر الرحى في نشاطاتنا الدولية في المرحلة القادمة , هذا يتطلب ( تعويم ) الدبلوماسية الفلسطينية المتعثرة والتي كانت معظم  نشاطاتها خلال الأيام  السابقة … خجولة و مجرد إجتهادات فردية … ليس الان وقت المراجعة والمحاسبة … ويرجع ذلك العجز الدبلوماسي إلى غياب مرجعيتها وعدم القدرة على التخطيط والمتابعة في المركز لكن هذا لا يقلل من أهميتها كما أثبتت الأحداث ذلك …

من جهة اخرى والحديث على الساحة الدولية ومكوناتها , ضرورة صياغة عمل وتنظيم علاقات الشتات الفلسطيني الذي اصبح دوره أساسي على الساحة الدولية والذي له إيجابيات فاعلة ومباشرة في مناطق التواجد والتجمعات الفلسطينية  ,  في ظل كل هذه المستجدات  والإستحقاقات .  

الأمر الذي يتطلب المبادرة بالتحديد والتغيير والتحديث والإستفادة من كل الطاقات المجمدة والمجمدة سواء بالتقاعد أو النسيان … ومشاركتها ودمجها في كافة المواقع والمسؤوليات في أي مكان وزمان . ... كما يقول المثل العربي :

تبديل السروج راحة

 اليوم نحن أمام تحديات جديدة , تفرضها علينا   التحولات الجديدة بأسرع ما يمكن وقبل ان تصيبنا أمراض ضياع الفرص و الإجتماعات والمفاوضات والإتصالات والتفاهمات والمبادرات … والتصريحات التي تطفح بها القنوات الفضائية طالما سئمها مجتمعنا الفلسطيني ... وضرورة ( إصلاح الحال ) ما أمكن مما خرًبته الإنشقاقات وتداعياتها وما آلت عليه الأوضاع من تجاذبات وتداخلات   ( غير عربية … معروفة )  سببا لإستمرار حالة الإنقسام الذي صب في مصلحة أعداء فلسطين والفلسطينيين وكما قال يوما امير الكويت الراحل صباح الأحمد طيب الله ثراه واكرم مثواه : علينا أن نتشاور , ولا نتخاصم , وأن نختلف ولا نتعادى , وأن ننتقد بلا تشهير , وأن نحاسب بلا انتقام “.

المناخ الجديدوهذا يعني التحولات في النظرة العالمية و الأقليمية ايضا للمسالة الفلسطينية و بشكل عام بدات تتغير وهي اليوم في حالة تفاعل مستمر لصالح الحق الفلسطيني , و فهم وإهتمام واسع ليس في أروقة الحكم فقط إنما في المجتمعات ومكوناتها … الأمثلة كثيرة وسيكون لها من الكتابات وألادبيات الكثير … ومنها ما دار في الديار …  العربية من  عودة الروح ” مع إعتذاري لتوفيق الحكيم . كذلك ما اصاب  إسرائيل من إرتجاجات هزت مجتمعها المركب والمعقد اصلا وتركت ندوب وشروخ وتداعيات لن تنتهي .

إنه زمن التحولات … وهنا مثال سريع عما نقول هل كانت تصريحات وزير الخارجية الفرنسي في الأمس القريب صدفة ام أنها صحوة الوعي لدي فرنسا واوروبا بوجه عام؟؟؟

عندما قال في معرض تعليقه على المواجهات التي اندلعت بين يهود وعرب في مدن إسرائيلية عدة خلال النزاع الأخير مع غزة، بأن “مخاطر الفصل العنصري كبيرة ” ما لم يتم التوصل إلى قيام دولة فلسطينية بجانب إسرائيل … واضاف في حال وُجد في المستقبل حل مغاير (لإقامة) الدولتين سنكون أمام وصفة لفصل عنصري مزمن . الحقيقة التي  اثارت نيتانياهو و احتجاجه الشديد ” على التصريحات “الشنيعة” التي أدلى بهالودريان.

هذا ما نتحدث عنه اليوم عن أهمية التحولات وحجمها على الساحة الدولية  والأمثلة كثيرة تستحق المتابعة لضرورة  تصويب سياساتنا على الساحة الدولية .

والشء بالشئ يذكر … من مفارقات وزير الخارجية الأمريكي للمنطقة الزيارة التي سأعود إليها  في الوقت الذي اشار فيه وزير الخارجية الأمريكي إلى المظاهرات التي شملت معظم الولايات الأمريكية  إن لم يكن كلها ضد إسرائيل ومناصرة فلسطين … على أنها من مظاهر «معاداة السامية» وهو موقف ( طَرب ) له نتنياهو فأشاد به على الفور في الوقت الذي تصادف فيه إستمرار المظاهرات … كان سكان ولاية تينيسي في شوارع وسط مدينة ناشفيل لدعم فلسطين والاحتجاج على العدوان الإسرائيلي على المدنيين الفلسطينيين . وكانت هذه المظاهرة الثانية من نوعها في ناشفيل خلال أسبوع للتضامن مع فلسطين … هل كانت معادية للسامية ؟؟؟

هل كانت المظاهرات الإسرائيلية  في قلب تل ابيب والتي ضمّت آلافاً، ونظّمتها جماعتا «نقف معاً» و«كسر الصمت»، وهي لم تكن التظاهرة الوحيدة، مع أنّها ربّما كانت الأكبر. الروحيّة التي عبّرت عنها تلك التظاهرة ومثيلاتها تقول كم أنّ إسرائيل قبيحة وظالمة ومطلوب تغييرها، وكم أنّ العنف لا يجدي نفعاً: هل كانت معادية للسامية ؟؟؟ 

وفي أمريكا أيضا نظم  يهود أرثوذكس ( في الأمس ) مظاهرة إحتجاجية جابت عدة شوارع بمدينة نيويورك، تنديدًا بـ”الجرائم الإسرائيلية”، ودعمًا للفلسطينيين . والتي حرص فيها المحتجون على حمل لافتات كتبوا عليها عبارات توضح الفرق بين الصهيونية واليهودية من قبيل “معاداة الصهيونية، ليست معاداة لليهودية وفي حديث له خلال المسيرة قال الحاخام ( هرشيل كلارأحد قادة يهود الأرثوذكس بالولايات المتحدة:

“ثمة اعتقاد سائد بأن كل اليهود يدعمون الدولة الإسرائيلية، ولكن في حقيقة الأمر ليس الوضع كذلك، فنحن على سبيل المثال ضد إسرائيل ونندد بحروبها”

إعترف المفكر السياسي الإسرائيلي سامي كوهين بأن إسرائيل إرتاحت إلى أنها دولة ديموقراطية وإرتكبت كل أشكال التمييز …. الخ.

هذا قليل من كثير … هل كان كل ذلك ” عداء للسامية ” ؟؟؟  
أما في الولايات المتحدة , البلد الأهم … بلد المهاجرين والإثنيات , وما له من دور في تاسيس دولة إسرائيل وحمايتها … بدأت التحولات في التوجهات السياسية والأهم المجتمع الأمريكي , وإعادة مراجعة المواقف ومدى تحول الثقل السياسي في الحزب الديمقراطي بشأن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في السنوات الأخيرة. ومن المعروف   ( حجم تعكيز) الحزب الديموقراطي على أصوات الناخبين اليهود (والتي تعتبر قاعدة كبيرة للحزب الديمقراطي ) .

وتعود بنا الذاكرة إلى ما قاله الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن يوما في بداية إشتعال معركة الإنتخابات الرئاسيةكلاماً جيداً عن الشعب الفلسطيني وقضيته التي هي قضية عربية وقضية إقليمية ودولية يذكرنا هذا ببعض ما جاء في تراثنا العربي  : 

“حديث السرايا”يصبح ” حديث القرايا

ونبقى قليلا في مقالنا اليوم عن أمريكا , بشئ من التوضيح , إن زيادة التنوع في الكونغرس الأمريكي اليوم أدت إلى  نتائج خطيرة على الموقف الأمريكي تجاه إسرائيل. كما أدى هذا التنوع في الخلفياتإلى تنوع أكبر في وجهات النظر وتفتت للقوى. ويتجلى ذلك على سبيل المثال في مجموعة عضوات الكونغرس الليبراليات اللاتي يُطلق عليهن اسم “الفريق”، ومن بينهن الفلسطينية الأمريكية رشيدة طليب عن ولاية ميشغان، واللاجئة الصومالية إلهان عمر عن ولاية مينيسوتاوإذا كان للحركة التقدمية اليسارية دور في زيادة التنوع في الكونغرس وانتخاب أشخاص مثل الناشطة أوكاسيو-كورتيز من أصول لاتينية فالفضل في ذلك يعود إلى رجل واحد، هو الديمقراطي الاشتراكي بيرني ساندرز

لقد عصفت رياح التحولات في كل مكان  وأصبح أمراً محورياً … نحن نتحدث عن مكاسب فلسطينية جاءت بفضل نضال شعبنا التاريخي وصموده في الوطنوالمخيمات والشتات …   وعلينا أن نستثمرها ( المكاسب ) في تطوير  الخطاب الفلسطيني وإعادة صياغته ,   وادواته في الساحة الدولية الغائبة دوما , وضرورة الإسراع في البناء عليها  ...

لا يحرث الأرض سوى عجولها …

. عودة إلى السيد بلينكن..

جاء للمنطقة من أجل تثبيت وقف إطلاق النارولضمان عدم انفجار الأوضاع مرة ثانية. مبشرا في مؤتمره الصحفي مع نتنياهو … بالمقولة المعروفة دوما وحفظناها من كثرة ما رددها رؤساء امريكا وقياداتها … لكسب الرضى الصهيوني .. بأن الولايات المتحدة ملتزمة بامن إسرائيل ومساعدتها في الدفاع عن نفسها المقولة الإسرائيلية التي عفا عليها الزمن … في الوقت الذي تستمر فيه إسرائيل في عزل حي الشيخ جراح كما وفي اقتحاماتها لباحات المسجد الأقصى .

كان مجرد وقف إطلاق النار … ويبقى مؤقتا دون أن يعالج جذور الأزمة كالإستفزازات الإسرائيلية في القدس وغياب أفق السلام لم يوصف الوضع بالإحتلال … ( دولة إيرلندا على ضفاف الأطلسي والعضو في الإتحاد الأوروبي تصبح اول دولة تصنف الإستيطان الإسرائيلي بالإحتلال ) وكانت هناك تصريحات له أقرب ما تكون بالعلاقات العامة , او نوع من إدارة الأزمات اكثر من الولوج فيها لإيجاد الحلول وفرض الإلتزام . مثل التاكيدعلى حلّ الدولتين ومنع تهجير الفلسطينيين واحترام وضع الأقصى وأكد ايضا على حق الإسرائيليين والفلسطينيين في العيش بأمن وأمان والتمتع بالمقدار نفسه من الحرية والرخاء والديمقراطيةتمنيات امريكية . إفرح يا قلبي… كذلك ضرورة التعاون مع السلطة والأمم المتحدة لدعم جهود إعادة الإعمار ( من دون أفقٍ سياسي يضمن عدم اندلاع جولة جديدة من العنف في وقت قريب ) يلبي طموح الفلسطينيين اليوم أكثر من أي شيء آخر هو أفقٌ سياسي مستقبلي، وضوء في آخر نفق الاحتلال الطويل … )

اخيرا … ليس عسيراً على البيت الأبيض إعادة التشديد على أن مسألة القدس جوهرية في تشكيل هوية الدولة الفلسطينية المقبلة، وهي أكثر تعقيداً من مجرد اختزالها إلى موضوع نزاع حول العبادات والمقدسات وملكية العقارات وأركيولوجيا التاريخ .. 

ملحم مسعود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى