السفير ملحم مسعود يكتب – أمريكا على صفيح ساخن
بقلم السفير ملحم مسعود – 31/12/2020
ليس فقط امريكا على صفيح ساخن … بل ايضا نحن عرب وعجم نعيش … وغيرنا في هذا العالم نتحسب بما يمكن أن تحمله لنا الأيام القليلة القادمة من مفاجئات … من عيار إغتيالات … وصدامات … ونزاعات . قبل إستقرار الوضع في اروقة المؤسسات الأمريكية .
أما الحديث على اليوم التالي الذي اخذت معالمه تتبلور وبالقليل من التفاؤل , حتى لا نذهب بعيدا … اقول ان أولويات المرحلة القادمة أمريكيا تتركز داخليا على محاولة (ترميم ) ما افسده الدهر من أضرار تركها ترامب خلفه غير مأسوفا عليه … اما نصيبنا نحن العرب , الذين راحوا بعيدا مع سياسات ترامب ليس لهم سوى الصبر… وضرورة إستعادة الوئام والتفاهم والتعاون , وربما هنا نتفاءل بما سوف يكون عليه حال الأسرة الخليجية في الايام القادمة ( وكنا قد تحدثنا عن ذلك في هذا الموقع ) .
فلسطينيا اقول مهلا ايها الإخوة الأعزاء , ستكون هناك ( فرملة ) في سياسات وسرعة ترامب في المنطقة لكن الاهم بالنسبة لنا ليس في وارد السياسة الخارجية الأمريكية أو أولياتها في الوقت الحاضر … لكن هناك اجواء وبالأحرى ظواهر جديدة نحو التعاطف مع ( الحالة ) الفلسطينية شعرنا فيها من داخل الحزب الديموقراطي … وتصريحات ومواقف خلال الحملة الإنتخابية التي نجحت بالتغيير … ووصول أمريكيين من إصول فلسطينية وعربية إلى مؤسسات الدولة . وضرورة البناء عليها , برؤية جديدة مستفيدين من الزخم الحالي بعناصر امريكية من اصول فلسطينية … بجانب من تبنوا السلام في المنطقة من الفعاليت الأمريكية … وهذه حكاية اخرى .
دعونا ندررك حجم الماساة التي نحن أمامها بالمقارنة مع نكبات بشرية سابقة وأهمية وخطورة ما ينتظرنا ذلك .
عالمنا اليوم أمام ماساة إنسانية غير مسبوقة بحجمها وخطورتها … منذ ضرب فيروس قوي الكرة الأرضية قبل مئة عام ونيف , وتفشى إلى درجة أنه أصاب ثلث البشر في ذلك الزمان، ليترك بصمة سوداء عرفت باسم “الإنفلونزا الإسبانية” حيث بدات في مكان محدود , عام 1918 في الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الأولى … ولم تفرق بين البشر، إذ أصابت الكبار والشباب والمرضى والأصحاء، وكانت شديدة للغاية على الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20-30 عاما وقيل الكثير عن سر إنتشاره , تماما كما في حالة فيروس كورونااليوم الذي تشير كل الدلائل بشرارة تفشيه في سوق الماكولات البحرية بمدينة ووهان الصينية … وصعوبة السيطرة عليه وإنتشاره من المختبرات … إلى ما آلت عليه أحوال البشر .
ألا يكفينا هذا الوباء الذي يهدد البشرية …؟؟؟
واصبح العالم كله تحت رحمة الأبحاث التي بدات في سباق مع الزمن … لتبدا تباشيرها اخيرا واعدة ... وتحفظات لا تنتهي .
لتداهمنا ازمة سياسية … جعلتنا امام تحديات من نوع آخر هذه المرة , حول ما يدور في امريكا التي طالما إعتبرت إحدى القوى العظمى … أو الأقوى في العالم إستنادا إلى حجم إقتصادهأ ونفوذها السياسي , ومركزا للإبتكار وريادة الأعمال التي تعد محركا رئيسيا للنمو الثقافي والإقتصادي للبلاد .
نام الرئيس الامريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب في العشرين من يناير على حرير احلامه وثقته ( المطلقة ) بانه سوف يُنتخب مرة اخرى لأربع سنوات قادمة يشطح وينطح , مع ان كلإستطلاعات الراي كانت عكس ذلك تماما وكانت تعطي المرشح الديوقراطي ن . الرئيس أوباما “بيدن “ تقدم كاسح على الرئيس الحالي وبفارق كبير .
لم تاتي الرياح بما كان يشتهيها الرئيس ترامب … وكانت المفاجاة له صادمة … وحاله يقول كما قال شاعرنا ” طرفة بن العبد ” في معلقته الشهيرة : لِخَولةَ أطْلالٌ بِبُرقَة ِ ثَهمَد
ويَأْتِيْكَ بالأخْبَارِ مَن لمْ تَبِعْ لهُ — بَتاتاً ولمْ تضْرِبْ لهُ وقتَ مَوْعِـدِ
لتصبح الحالة السياسية الجديدة … التي تكسرت عليها طموحات الرئيس الحالي مماجعلته يصطنع منها ماساة حقيقية تتجه نحو الاسوا يوم بعد يوم , والتي تاتي خارج المكان والزمان … طبعا . جاءت النتائج التي تمخضت عنها عملية التصويت كما هو معروف ( إنتصار كاسح للفائز بايدن باكثر من 80 مليون صوت من الناخبين اي بنسبة 52% وعدد 306 عضو في المجمع الإنتخابي … اما الرئيس الحالي الخاسر حصل على أقل من 74 مليون صوت اي بنسبة 48% … و232 عضو في المجمع الإنتخابي )وكما هومعروف يتطلب إنتخاب الرئيس على 270 عضوا على الاقل علىى مستوى البلد .
… بدات ردود فعل الرئيس في التقليل من صحة ونتائج ما افرزته صناديق الإقتراع وفي مناخ ديموقراطي لا تحتاج إلى التقويل والتشكيك التي ( لم يصدقها … وصارت تصرفاته كالفيل في محلات الخزف ) كما وصفها بعض من هم حوله , وخصوصا تبدل خيارات الولايات الأمريكية التي كانت دائما محسوبة على الحزب الجمهوري … والتي جرت في مناخ غير مسبوق سمته التحدي المعلن … قبل بداها … وعلى سبيل المثال الإقبال الكبير على شراء الاسلحة لدرجة ندرتها من على رفوف المخازن وتكديسها للتخويف والتهديد …
إنقسامات وإصطفافات لم يسبق ان عرفها المجتمع الأمريكي ( الحديث ) والتطورات التي غيرت معالم المجتمع الامريكي ثقافيا وإجتماعيا وسياسيا ودينيا إلى حد كبير … وسط هذه التحولات و المناخ الجديد … راح الرئيس يوزع التهم بتزوير الإنتخابات ويتوعد ويهدد … وأخذ يحشد الموالين المسلحين ( الشبيحة ) ويامر قوات الحرس الوطني الأمريكي بنشر قواته في العاصمة واشنطن … في اجواء من التوتر الإجتماعي منذ وقوع الحادث الماساوي والطريقة التي قتل فيها المواطن الاسود (فلويد ) وتداعياتها , التي تؤكد مدى وحجم الإحتقان الداخلي الذي تراكم على مدى عقود طويلة يغذيه يمين متطرف ونظام عدالة ما زال لا يكفي لإحداث الردع الشامل عن ارتكاب جرائم العنصرية .
وقد لجا الرئيس وكل مناصروه إلى المحاكم بكل درجاتها بالطعن في نتائج ولايات متعددة , بالتشكيك في نتائج الإنتخابات وتبادل تهم التزوير … وحتى اللحظة … لدرجة أن اكثر الشخصيات السياسية من الحزب الجمهوري والمناصرين والمساعدين إنفضت وإبتعدت عنه ويمكن وصف الحالة بالمثل القائل : إنفخت الدف … وتفرق العشاق.
الموقف والتصريحات والقرارات العبثية التي لا تتوقف , وتحريك الجيوش جعل العالم اليوم يشد انفاسه بما يمكن أن يحدث … في الوقت الذي يريد جيلنا ان ينسى ازمات الحرب الباردة مثل ازمة الصواريخ السوفييتية في كوبا ( في مطلع الستينيات ) الذي وضعت العالم على أبواب الحرب النووية , وادرك العقلاء حينذاك من خطورة الموقف … وإستطاعوا نزع فتيل الأزمة , وغيرها من الازمات .
اليوم هناك رئيس امريكي … بمثابة ” الذئب الجريح ” مُستوحش … يبحث عن اي وسيلة للبقاء في البيت الأبيض , حيث ضاقت به السبل في إستخدام سلطات طارئة غير مسبوقة بحجج واهية مثل (إنتشار وباء كورونا … على سبيل المثال ) … وبما يحرض به ممن تبقى من جوقة ( المطبلاتية ) … يضع البلاد على حافة الهاوية … علىابواب حرب اهلية يتخوف منها الكثيرون . وحول هذا الموضوع قيل الكثير منهم المحلل والصحفي توماس فريدمان حول غموض موقف رئيس البلاد بشان تسليم السلطة , الامر الذي أثار مخاوف من عدم قبوله بنتائج الإنتخابات الرئاسية … مضيفا :
أن إقتناعه بإندلاع حرب أهلية في الولايات المتحدة الأمريكية امر ممكن في ظل الأجواء والمؤشرات السائدة في الظرف الحالي , منتقدا الجمهوريين والرئيس ترامب على تصرفات يراها شديدة الخطورة على وحدة البلاد ومستقبلها .
ربما يكون هذا صعبا رغم حجم الشرخ الإجتماعي الذي أصاب المجتمع الأمريكي .… إلى حين … مما يجعله يبحث عن ساحات اخرى ليختلق ازمة ( تتفاقم إلى مسلسل ازمات وتداعيات غير محسوبة في ايامه الأخيرة للبقاء في البيت الأبيض , والتي تتطلب إتخاذ سلطات طارئة للبقاء في الحكم … رغم تزايد المعارضة والخلافات من رموز الحزب الجمهوري ومحاولة دفعه للقبول بالأمر الواقع وكان آخر هذه المواقف نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس الذي رفض التوقيع على خطة لإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية . … ويذكرنا هذا بالمثل الهندي الظريف : “عندما يكون الفيل في مأزق … حتى الضفادع تَرْكُلُه”.
وبالتالي هناك إحتمالين :
الأول العمل لخلق مبررات دستورية ( حالة طوارئ ) للإستمرار في الحكم … الساحة المرشحة في ذهنه ( واضحة ) تماما وهي إيران الذي وجه لها اقصى واخطر التهديدات , والتي كان يتربص بها منذ سنوات , والإجراءات والعقوبات المعروفة ضدها , ونشر قوات غير مسبوقة في منطقة الخليج واخطرها الغواصات النووية وحاملة الطائرات وتوابعها المحملة باحدث الصواريخ والأسلحة ( إضافة إلى مشاركة إسرائيلية … ) وكانت قد قالت البحرية الأمريكية قبل ايام في بيان لها : “عبرت غواصة الصواريخ الموجهة يو إس إس جورجيا تي التي تعمل بالطاقة النووية عبر مضيق هرمز ودخلت الخليج العربي”. كما أشارت إلى عبور طرادات لصواريخ موجهة أيضا مع الغواصة...
ونحن هنا نخشى من الأداء الإيراني بمحاولة إستخدام الأذرع والجماعات المنتشرة في العراق وسوريا ولبنان واليمن … الخ. لإعطاء الفرصة ” للذئب الجريح “ ليس لبقائه في الحكم فقط إنما سببا لإشعال النيران في المنطقة .
امضِ قيسْ امضِ جئتَ تطلـُبُ ناراً
أم تُـــرى جئـــــــتَ تُشعِلُ البيتَ نارا؟
والإحتمال الثاني :
وهو المؤكد وبدا به فعلا ويعمل كل ما يسمح له الدستور من إجراءات وقرارات يائسة , في الوقت الضائع لتكون من الحجم الثقيل والله اعلم ما يتفتق به ذهنه , في الأيام الأخيرة له في السلطة … يتركها امام الرئيس المنتخب … لوضع العصى في دولاب الرئيس القادم , في محاولة منه إلى قلب الطاولة … على وعلى اعدائي …أمام كل خطط الرئيس المنتخب وبرامجه المعلنة , التي يحاول من خلالها ترقيع اللُحمة الإجتماعية وما اصابها من عطب على مدار الايام السابقة … إذا كان العطار يصلح ما افسده الدًهر .
أتمنى للإخوة القُراء عاما سعيدا … إنشاء الله