#أقلام وأراء

السفير ملحم مسعود يكتب – أردوغان اليوم في قبرص … إشارات ودلالات

السفير ملحم مسعود – اليونان في 19.7.2021

قبرص ما قبل … 15  يوليو 1974 … يوم الإنقلاب وما بعدها بايام الحدث الذي قدمته السلطات الدكتاتورية في أثينا على طبق من ذهب بما  وفًره من مناخ سياسي . وفي غياب رئيس الوزراء التركي مصطفى بولند أجويد” ( السياسي اليساري صحفي و شاعر تركي تولى منصب رئاسة الوزراء أربع مرات… ) في زيارة رسمية إلى لندنإنتهز أربكان الفرصة وتحرك … وكان حينها نائبا لرئيس الوزراء وبسرعة مع بعض اعضاء الحكومة , إستطاع أن يقنعهم بضرورة التدخل العسكري مباشرة لحماية الشعب القبرصي ولم يتأخر الغزو التركي لقبرص وكان في   20 يوليو 1974. وقد راجت المقولة إن “أجاويد” هو من قام بحركة التحرير القبرصية، ولكن في حقيقة الأمر أن أربكان هو الذي قاد تلك الحركة

تداعيات الإنقلاب الذي نظمته وحركته المنظومة الدكتاتورية وذراعها الطويل في قبرص ومحاولة تصفية مكاريوس (وكانت هناك أكثر من محاولة للتخلص منه … باءت كلها بالفشل )   وهي التي حكمت اليونان منذ إبريل عام 1967 حتى ذلك الوقت جلبت  الدمار والخراب على قبرص واهلها  … وسارعت في إنهاء وإسقاط النظام القائم في أثينا وعودة الديموقراطية إلى موطنها واهلها.

في ذكرى الغزو التركي هذه المرة يزور الرئيس التركي قبرص التركية اليوم وهي ليست الاولى له … وعنده ما يقول حتما … والمعلومات التي وردتني من الجزيرة من مصادر جنوبية وشمالية أيضا أن التوجس سيد الموقف … من إحتمالات تسريع قوانين وتشريعات  وربما ( فبركة ) صيغ دستورية جديدة تصب كلها في النهاية إلى المزيد من الإنتماء التركي للقبارصة الأتراك  …

  هذا شهر يوليو

الذي يتمتع الناس فيه بالراحة والعطلاتيخافون عليه ويخافون منهوقد إنقسم العرب حول ثورات يوليو وما يزالون . 

فرنسا أيضا على سبيل المثال لا تزال منقسمة حول 14 يوليو، الثورة التي كانت «حواء» الثورات في العالم . منهم من يرى فيها انتصار «الحرية والآخاء والمساواة»، ومنهم من يعتبرها أم العنف والمؤامرة وحروب الرفاق … ضمن ما جاء في وصف تفصيلي لهذا لشهر   لمقال الصحفي والكاتب سمير عطالله عن بعض ما في يوليو … 

تحضرنا هنا قبرص

و إنقلاب ( 15 يوليو ) الذي اعده ونفذه النظام الدكتاتوري في اليونان وادواته في الجزيرة , و تداعيته جديرة بالكتابة والتذكير( ربما تنسى الاحداث … لكنها لا تُمحى ) الكتابة هذه المرة من زاوية أخرى , لكل من يهتم بصفحات تاريخ النضال الفلسطيني والتخطيط على الساحة الدولية و لا سيما الأجيال الناشئة , والحالة القبرصية مثال لذلك …  

بمناسبة ما يقال لدينا من الجديد والتجديد عن اللجان والمكلفين بالملف الدبلوماسي الفلسطيني . وحقبة التحول في العمل الفلسطيني الخارجي من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة , وهي مرحلة مفصلية وفي حالة تفاعل  لم تنتهي بعد ...

قبرص … واهمية هذا البلد لنا والشرق الأوسط   قبرص حالة فريدة ومتميزة …

ليس بسبب موقعها الجغرافي والتاريخي بل في بعضه من تشابه وإنخراط وتقارب …فلسطيني قبرصي , لم تتشابه مع أي بلد اوروبي آخر ...

الغزو التركي بعد ايام في   20 يوليو 1974

وفي مراجعة سريعة كانت الصدفة بإنتظاري  … وأقولها الصدفة فقط …  في تكليفي بهذه المهمة ( عام 1968 ) وسبق  أن أشرت إليها في مقالاتي  … وكانت بإختصار في لقاء مع أبو جهاد رحمه الله في عمان  وباشر بالسؤال :  ماذا تفعل هنا أريدك ان تذهب إلى أهم بلد لنا … الخ. وبعد مقدمة لم تكن سريعة سالته إلى أين إنشاء الله ؟؟؟

وجاءت  كلمة السر … ” قبرص ”  

داهمتني الإجابة وشعر الرجل  بانني صُدمت , فعلا صُدمت … قلت له قبرص وماذا افعل في هذه الجزيرة المنسية ؟؟؟

بإختصار كُنت هناك وما أصعب البدايات … قبل يوليو  1974    ( كنت أنحت … ) الصخر وحيدا , والصبر والصمت …  والسرية قوت يومي … وما بعدها .

 الحكاية اليوم وحتى لا ننسى ,  تفرض علينا كيفية وإمكانية  بداية الولوج الفلسطيني التي كانت  سمتها التضحيات الكبيرة والدماء الفلسطينية الزكية التي سالت في أماكن مختلفة على أرض الجزيرة  , في تلك الأوقات المبكرة في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات    … والمظاهرات والإحتجاجات التي كانت تنطلق ذاتيا وتنادي بطرد القتلة من البلاد …

   لكن لكل زمان … له ايضا ظروف ومكان … كان يطلق على اصحاب مثل هذه المهمات إذا خرج من السرية إلى العلنية بممثل الثورة الفلسطينية …

إلى أن  أثمرت  نضالات شعبنا وبدأت الإعترافات  تنهال وإقامة البعثات في أنحاء المعمورة  … وإرسال الرُسل ” المندوبين ”  ثم تطور الحال ليصبح الكثير منهم بمرتبة السفراء  وما توفر لهم من إمتيازات دبلوماسية هنا وهناك … الخ .

ثم تأتي مرحلة التمكن من الإنخراط  ليكتشف حينها الطرفان كم حجم التشابه الذي يربطهم  لا سيما مرحلة ما بعد الغزو التركي وإحتلال قرابة 40  % من الجزيرة و( تتريكها ) إلى حد كبير … وراح الجانب اليوناني وما تبقى من ارض الجزيرة , يعمل في سباق مع الزمن للحصول على عضوية الإتحاد الأوروبي وباقي القصة اشهر من أن يقال .

بقيت في الساحة القبرصية لسنوات وأهمها صباح ذلك اليوم (15 يوليو 1974 ) وكنت استعد للتوجه إلى المطار عائدا إلى بيروت  بعد مهمة مستعجلة … لتصبح إقامة شبه دائمة, أهم ما في هذا كله وتفاصيله قد يكون قريبا (إذا بقى في العمر بقية ) في كتاب ” قبرص … حديقة ذكريات ”   ومع تطور الأحداث وفشل الإنقلاب … ونكبة الإحتلال التركي …

رغم الإشارات التي وصلتني من القيادة  لترك الجزيرة بسبب خطورة الأوضاع  … شعرت أن البقاء ضروري وسوف اتدبر إموري وحان وقت العمل وجني الحصاد … وبقيت هناك 4 شهور.

في مايو 1975 وكنت قد نسجت علاقات خاصة خلال الشهور الأولى بعد الإنقلاب … مع الرموز السياسية في البلد , وفتحت لي أبواب كبيرة وكثيرة , كذلك الدائرة  العائلية لرئيس الأساقفة  و الفعاليات القبرصية  وراهنت على عودت مكاريوس ليس إلى قبرص فقط … إنما على مقعد الرئاسة والزعامة والدفع السياسي والكنيسة التي كان يتراسها. … وكان لي دالة وإمكانية الحديث معه شخصيا من ( طبخ ) اللقاء التاريخي بين مكاريوس خلال زيارتة الرسمية لسوريا وابو عمار ( سبق أن ذكرت التفاصيل في مقال سابق ) في مقر ضيافة الاول في دمشق وقرر مكاريوس الإعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية وفتح سفارة لنا .. وأذكر لأول مرة ماذا دار بين الرجلين حينما قال مكاريوس :

ستكون لها من الإمتيازات أكثر من كل السفارات  

ووضع أبو عمار يده على كتفي وقال هذا أول سفير لفلسطين في قبرص …

وبدوره إبتسم مكاريوس ليضع يده على كتفي بحنان بالغ ويقول لأبو عمار : من غيره ؟؟؟. 

الصورة التي تجمعني مع الاخ ابو عمار والأب مكاريوس 

 

لكنني قد شعرت بأن مهمتي في قبرص إنتهت وإعتذرت لأبو عمار بحجة أنني أرغب في تجربة أخرى … حتى داهمتنا الحرب الأهلية …

اردت ترك قبرص لكن قبرص لم تتركني ...

وكانت عودتي أكثر من ضرورية وكانت اكثر قوة وإمكانيات مفوضا من القيادة الفلسطينية . في تلك الحقبة من الحرب الأهلية في لبنان … وإنتهت بتلك الليلة الطويلة ليلة رحيل مكاريوس رئيس أساقفة قبرص صباح يوم 3 اغسطس 1977

والجدير بالذكر ان الكنيسة الإرثوذكسية القبرصية , هي أكبر كنيسة مسيحية في الجزيرة … وتعرف ايضا بكنيسة قبرص القديمة … وهي كنيسة أرثوذكسية شرقية وطنية  ( مستقلة ) عريقة في الجزيرة … ورئيس الأساقفة القبرصي هو الوحيد فيالكنيسة الإرثوذكسية عالميا الذي ما زال يوقع المراسيم والقرارات باللون الأحمر … وهو تقليد بيزنطي قديم … حسب ثقافتي ومعرفتي المتواضعة حول البيزنطية . الأمر الذي يجعل وضعه السياسي متألق في المحافل الدولية

ومع أبو عمار … بعد سنوات اصدر قرارا بنقلي من اليونان وتكليفي في المهمة الدبلوماسية في قبرص … إعتذرت لأخونا ابو عمار رحمه الله … ورجوته بإعفائي منالعمل في السلك الدبلوماسي الفلسطيني والتفرغ لأي مهمة أخرى , وعلى أي حال إختلافنا لم يفسد للود قضية , وإستمر بتكليفي بمهمات خاصة لها طابعالأزمات

أبوعمار ليس معنا اليوم والقرار لم يكن قراره , كان قرار بعضهم من ” الدغمة ” المعروفة … في مكتبه والأقرب إليه , لمصالحها … الشخصية والأخ والأخت   واللبيب … بالإشارة يفهم….

رحم الله ابو عمار

هناك مواضيع لا ترتوي .. مهما حفرت في ينابيعها .. وهناك قضايا لا تنتهي مهما بحثت فيها 

خلاصة القول :

ونحن ما زلنا هنا في الحالة القبرصية ( وغدا في حالات اخرى تعنينا مباشرة ) لا سيما ان المنطقة في شرق البحر  الأبيض تتفاعل وكانت زيارة الاخ الرئيس أبو مازن إلى تركيا ناجحة بلا شك , والمطلوب البناء عليها … لذالك أقترح على الإخوة القائمين على الدبلوماسية تشكيل لجنة عمل من الخبراء والمعنيين  للمتابعة والتنسيق  , يشارك فيها سفراؤنا في تركيا واليونان وقبرص للتعاون والتنسيق . حتى لا يهمش أو يبعد أي شخص معني في هذه المنطقة الساخنة  بالتحديد بكل جوانبها المتعددة … وحتى لا تكون سياساتنا ودبلوماسيتنا اقرب ممن  يهرفون بما لا يعرفون .

ونبقى اخيرا مع المتنبي … وكل عام وانتم بخير

عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيد  بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُُ

أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُم بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى