ترجمات أجنبية

الربيع العربي السعودي، أخيراً.. حوار توماس فريدمان مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان

نيويورك تايمز – توماس فريدمان – 23/11/2017
الرياض، المملكة العربية السعودية- لم أكن أعتقد أنني سأعيش طويلاً بما يكفي لكتابة هذه العبارة: إن عملية الإصلاح الأكثر أهمية في أي مكان في الشرق الأوسط اليوم تحدث في المملكة العربية السعودية. نعم، إنكم تقرأون هذا بشكل صحيح. وعلى الرغم من أنني جئتُ إلى هنا في بداية الشتاء السعودي، فإنني وجدت أن البلد يمر بربيعه العربي الخاص، على النمط السعودي.
على عكس تجارب الربيع العربية الأخرى -التي ظهرت جميعها من أسفل إلى أعلى وفشلت فشلاً ذريعاً، إلا في تونس- فإن هذا الربيع يقوده من أعلى إلى أسفل ولي عهد البلد البالغ من العمر 32 عاماً، محمد بن سلمان، وإذا نجح، فإنه لن يغير طبيعة المملكة العربية السعودية فحسب، وإنما سيغير لهجة الإسلام ومغزاه في جميع أنحاء العالم أيضاً. والأحمق فقط هو الذي يمكن أن يتنبأ بنجاحه –لكن الأحمق فقط هو الذي لا يشجعه ويأمل له النجاح.
من أجل تحصيل فهم أفضل، توجهتُ إلى الرياض لمقابلة ولي العهد محمد بن سلمان، الذي لم يتحدث عن الأحداث الاستثنائية التي حدثت هنا في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر)، عندما اعتقلت حكومته عشرات الأمراء ورجال الأعمال السعوديين بتهمة الفساد، وألقت بهم في سجن مؤقت مذهَّب -فندق ريتز كارلتون الرياض- حتى يوافقوا على تسليم مكاسبهم غير المشروعة. ويمكنكم أن تروا ذلك كل يوم.
التقينا ليلاً في قصر عائلته مزخرف الجدران في العوجا، شمال الرياض. وتحدث محمد بن سلمان باللغة الإنجليزية، في حين تبادل شقيقه الأمير خالد والسفير السعودي الجديد في الولايات المتحدة والعديد من كبار الوزراء أطباق لحم الضأن المختلفة، وأضافوا البهارات إلى المحادثة. وبعد ما يقرب من أربع ساعات قضيناها معاً، استسلمتُ في الساعة 1:15 صباحاً أمام شباب محمد بن سلمان، مشيراً إلى أنني بضِعف عمره تقريباً. ومع ذلك، مر وقت طويل منذ أرداني زعيم عربي بخرطوم حريق من الأفكار الجديدة حول تحويل بلده.
بدأنا بالسؤال الواضح: ما الذي يحدث في فندق ريتز؟ وهل هذه هي لعبة السلطة الخاصة به للقضاء على منافسيه من أعضاء عائلته ومن القطاع الخاص قبل أن يسلم والده المريض، الملك سلمان، مفاتيح المملكة إليه؟
“من السخف”، قال الأمير، اقتراح أن حملة مكافحة الفساد هذه كانت من أجل انتزاع السلطة. وأشار إلى أن العديد من الأعضاء البارزين في حشد ريتز كانوا قد أعلنوا مُسبقاً ولاءهم له ولإصلاحاته، وأن “أغلبية العائلة المالكة” تقف خلفه بالفعل. هذا ما حدث، قال: “لقد عانى بلدنا الكثير من الفساد منذ الثمانينيات وحتى اليوم. وتقدير خبرائنا هو أن ما يقرب من 10 في المائة من جميع الإنفاق الحكومي يتم اختلاسها من خلال الفساد كل عام، من أعلى المستويات إلى أدناها. وعلى مر السنين أطلقت الحكومة أكثر من ‘حرب على الفساد’، والتي فشلت جميعاً. لماذا؟ لأنها بدأت، جميعاً، من أسفل إلى أعلى”.
وهكذا، عندما صعد والده، الذي لم تتلطخ سمعته أبداً بتهم الفساد خلال ما يقرب من خمسة عقود قضاها حاكماً في الرياض، إلى سُدة العرش في العام 2015 (في وقت انخفاض أسعار النفط)، فإنه تعهد بوضع حد لذلك كله، كما قال الأمير:
“رأى والدي أنه ليست هناك طريقة تبقينا في مجموعة العشرين الكبار وتجعلنا ننمو مع هذا المستوى من الفساد. وفي أوائل العام 2015، كان واحد من أوامره الأولى لفريقه هو جمع كل المعلومات عن الفساد -في القمة. وعمل هذا الفريق لمدة عامين حتى جمع المعلومات الأكثر دقة، ثم جاؤوا بحوالي 200 اسم”.
وعندما أصبحت جميع البيانات جاهزة، شرع النائب السعودي العام، سعود المعجب، في اتخاذ الإجراءات، كما يقول محمد بن سلمان، موضحاً أنه تم القبض على كل ملياردير أو أمير المشتبه به وأعطى خيارين: “عرضنا عليهم جميع الملفات التي لدينا، وبمجرد أن يروا هذه الملفات، يوافق حوالي 95 في المائة على تسوية”، وهو ما يعني التوقيع على تسليم النقد أو أسهم أعمالهم التجارية إلى خزينة الدولة السعودية.
وأضاف محمد بن سلمان: “تمكن 1 في المائة من إثبات أنهم نظيفو اليد وتم إسقاط قضاياهم هناك. وقال حوالي 4 في المائة إنهم ليسوا فاسدين ويريدون الذهاب مع محاميهم إلى المحكمة. وبموجب القانون السعودي، فإن المدعي العام مستقل. إننا لا نستطيع أن نتدخل في عمله -يستطيع الملك أن يصرفه، لكنه يقود العملية… لدينا خبراء للتأكد من عدم إفلاس أي عمل تجاري في هذه العملية”- لتجنب التسبب في البطالة.
سألت: “كم من المال يستعيدون”؟
يقول النائب العام إن المبلغ يمكن أن يكون في نهاية المطاف “حوالي 100 مليار دولار من التسويات”، كما قال الأمير.
وأضاف أنه ليست هناك طريقة للقضاء على كل الفساد من أعلى إلى أسفل، “لذلك عليك أن ترسل إشارة، والإشارة التي يتم إرسالها الآن هي: ‘إنكَ لن تهرب’. وقد أصبحنا نرى التأثير فعلاً”، مثل ما يكتبه الناس على وسائل الاعلام الاجتماعية، “لقد اتصلت بوسيطي وهو لا يجيب”. وأوضح محمد بن سلمان أن رجال الأعمال السعوديين الذين دفعوا رشاوى للحصول على خدمات يقدمها البيروقراطيون لا تتم محاكمتهم، وقال: “إنهم أولئك الذين اختلسوا المال من الحكومة” -عن طريق تقاضي الأجور المفرطة والحصول على رشاوى.
تبقى المخاطر مرتفعة على محمد بن سلمان في هذه الحملة لمكافحة الفساد. فإذا شعر الجمهور بأنه يقوم حقاً بتطهير الفساد الذي كان يسيطر على النظام، وبأنه يقوم بذلك بطريقة تتسم بالشفافية ويوضح للمستثمرين السعوديين والأجانب في المستقبل أن سيادة القانون سوف تسود، فإن ذلك سيغرس الكثير من الثقة الجديدة في النظام حقاً. أما إذا انتهى المطاف بالعملية وهي تخلق انطباعاً بأنها تعسفية، متسلطة وغير شفافة، وتهدف أكثر إلى تجميع السلطة من أجل السلطة، ومن دون أي رقابة أو قيد من أي حكم للقانون، فسوف ينتهي بها المطاف إلى غرس الخوف الذي سينهي ثقة المستثمرين السعوديين والأجانب بطرق لا يستطيع البلد تحملها.
لكن هناك شيئاً واحداً أعرفه على وجه اليقين: لم يعبر حتى سعودي واحد من الذين تحدثتُ إليهم هنا على مدى ثلاثة أيام عن أي شيء آخر غير الدعم القوي لهذه الحملة لمكافحة الفساد. ومن الواضح أن الغالبية الصامتة من السعوديين ضاقت ذرعاً بالظلم الذي يمارسه الكثير من الأمراء والمليارديرات الذين يمزقون بلدهم. وفي حين كان الأجانب، مثلي، يستفسرون عن الإطار القانوني لهذه العملية، كان المزاج بين السعوديين الذين تحدثت إليهم: “اقلبهم كلهم رأساً على عقب، وهز المال من جيوبهم، ولا تتوقف عن هزهم حتى يخرج كل شيء!”.
ولكن، خمِّنوا ماذا؟ إن حملة مكافحة الفساد هذه ليست سوى ثاني أكثر المبادرات غير المعتادة والمهمة التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان. وكانت الأولى هي إعادة الإسلام السعودي إلى توجهه الأكثر انفتاحاً وحداثة -إلى حيث تحوَّل في العام 1979. بمعنى العودة إلى ما كان محمد بن سلمان قد وصفه في مؤتمر استثماري عالمي عقد مؤخراً بأنه “إسلام معتدل، متوازن ومنفتح على العالم وجميع الأديان وجميع التقاليد والشعوب”.
وأنا أعرف جيداً ذلك العام. كنت قد بدأت مسيرتي كمراسل صحفي في الشرق الأوسط في بيروت في العام 1979، وقد تشكل الكثير من تكوين المنطقة التي غطيتها بفعل الأحداث الثلاثة الكبرى التي حدثت في ذلك العام: استيلاء متطرفين سعوديين على المسجد الحرام في مكة المكرمة -والذين نددوا بالعائلة الحاكمة السعودية ووصفوها بأنها فاسدة، ملحدة ومستسلمة للقيم الغربية؛ والثورة الإسلامية الإيرانية؛ والغزو السوفياتي لأفغانستان.
هذه الأحداث الثلاثة معاً أفزعت الأسرة الحاكمة السعودية وأخرجتها على أطوارها في ذلك الوقت، ودفعتها إلى محاولة تعزيز شرعيتها عن طريق السماح لرجال الدين الوهابيين بفرض نسخة أكثر تقشفاً بكثير من الإسلام على المجتمع، ومن خلال إطلاق مسابقة على نطاق عالمي مع آيات الله الإيرانيين على من يستطيع أن يصدِّر النسخة الأكثر أصولية من الإسلام. ولم تساعد محاولة الولايات المتحدة الاستفادة من هذا الاتجاه باستخدام المقاتلين الإسلاميين ضد روسيا في أفغانستان. وفي الحصيلة، عمل ذلك على دفع الإسلام على الصعيد العالمي إلى اليمين وساعد في تغذية (هجمات أيلول/سبتمبر) 11/9.
باعتباره محامياً بالدراسة، والذي نشأ في مؤسسة عائلته للتعليم والرعاية الاجتماعية، ينخرط محمد بن سلمان الآن في مهمة لإعادة الإسلام السعودي إلى المركز. ولم يقم الأمير فقط بكبح سلطة الشرطة الدينية السعودية التي كانت مرهوبة الجانب في وقت سابق ومنعهم من إمكانية تعنيف امرأة لعدم تغطيتها كل بوصة من بشرتها فحسب، وإنما أتاح للنساء قيادة السيارات أيضاً. وعلى عكس أي زعيم سعودي قبله، فإنه تحدى المتشددين أيديولوجياً. وكما قالت لي امرأة سعودية متعلمة في أميركا بعمر 28 عاماً، فإن محمد بن سلمان “يستخدم لغة مختلفة. إنه يقول: ‘سوف نقوم بتدمير التطرف’. وليس هذا كلاماً معسولاً. إنه مطمئن بالنسبة لي بأن التغيير حقيقي”.
وفي الحقيقة، ثقَّفني محمد بن سلمان. قال لي: “لا تكتب أننا ‘نعيد تفسير’ الإسلام -إننا ‘نستعيد’ الإسلام إلى أصوله -وأكبر أدواتنا هي ممارسات النبي و(الحياة اليومية في) السعودية قبل العام 1979”. في وقت النبي محمد، كما قال الأمير، كانت هناك مسارح للموسيقى، وكان هناك اختلاط بين الرجال والنساء، كان هناك احترام للمسيحيين واليهود في الجزيرة العربية. “أول قاض تجاري في المدينة المنورة كان امرأة!” وهكذا، إذا كان النبي قد تبنى كل هذا، تساءل محمد بن سلمان: “هل تعنون أن النبي لم يكن مسلماً؟”.
عندئذٍ، أخرج أحد وزرائه هاتفه المحمول وتقاسم معي صوراً ومقاطع فيديو على “يوتيوب” للمملكة العربية السعودية في الخمسينيات -النساء من دون رؤوس مغطاة، يرتدين التنانير ويمشين مع الرجال في الأماكن العامة، فضلاً عن الحفلات الموسيقية ودور السينما. كانت المملكة ما تزال مكاناً تقليدياً ومتواضعاً، لكنها لم تكن مكاناً تُحظر فيه المتعة، وهو ما حدث بعد العام 1979.
إذا كان بالإمكان أن تعكس السعودية وجهة هذا الفيروس من الإسلام المناهض للتعددية والكاره للنساء الذي خرج من السعودية في العام 1979، فإن ذلك سيدفع الاعتدال في جميع أنحاء العالم الإسلامي، ومن المؤكد أنه سيكون موضع ترحيب هنا، حيث 65 في المائة من السكان هم تحت سن 30 عاماً.
قال لي مصرفي سعودي في منتصف العمر: “لقد تم احتجاز جيلي كرهينة في العام 1979. وأصبحت أعرف الآن أن أولادي لن يكونوا رهائن”. وأضافت رائدة اجتماعية سعودية بعمر 28 عاماً: “قبل عشر سنوات، عندما كنا نتحدث عن الموسيقى في الرياض، كان ذلك يعني شراء قرس مُدمج (سي. دي.) -والآن، أصبحتَ تتحدث عن الحفل الموسيقي الذي سيقام هنا في الشهر المقبل، وما هي التذكرة التي ستشتريها وأي من أصدقائك سيذهبون معك”.
سيكون أمام السعودية طريق طويل جداً لتقطعه قبل أن تقترب من أي شيء يشبه المعايير الغربية لحرية التعبير وحقوق المرأة. ولكن، باعتباري شخصاً ظل يأتي إلى هنا منذ ما يقرب من 30 عاماً، فقد أذهلتني معرفة أنه أصبح بوسعك سماع حفلات الموسيقى الكلاسيكية الغربية في الرياض الآن، وأن المغني الريفي، توبي كيث، أقام حفلة للرجال فقط هنا في أيلول (سبتمبر)، حتى أنه غنى مع مغنٍ سعودي، وأن مغنية السوبرانو اللبنانية، هبة طوجي، ستكون من بين أوائل المطربات اللواتي سيقمن هنا حفلة موسيقية للسيدات فقط في 6 كانون الأول (ديسمبر) المقبل. وقال لي محمد بن سلمان إنه تقرر للتو أن تتمكن النساء من الذهاب إلى الملاعب وحضور مباريات كرة القدم. وقد رضخ رجال الدين السعوديون لذلك تماماً.
زعم وزير التعليم السعودي أنه يقوم -من بين مجموعة واسعة من الإصلاحات التعليمية- بإعادة مراجعة جميع الكتب المدرسية ويقوم برقمنتها، ويرسل 1700 مدرس سعودي سنوياً إلى مدارس من الطبقة العالمية في أماكن مثل فنلندا لرفع مستوى مهاراتهم، وأعلن أنها ستكون للفتيات السعوديات، للمرة الأولى، حصص للتربية البدنية في المدارس الحكومية هذا العام، وأنه سيتم إضافة ساعة هذا العام إلى اليوم الدراسي السعودي لكي يستكشف الأطفال السعوديون شغفهم بالعلوم والقضايا الاجتماعية، تحت إشراف معلم، حيث يصنعون مشاريعهم الخاصة.
لقد تأخر الكثير من هذه الإصلاحات وكان مستحقاً منذ زمن طويل. لكن قدوم الشيء متأخراً أفضل من عدمه، مع ذلك.
فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، لن يناقش محمد بن سلمان الأحداث الغريبة التي تجري مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وقدومه إلى السعودية وإعلان استقالته، تحت ضغط سعودي على ما يبدو، وعودته الآن إلى بيروت وإلغاء تلك الاستقالة. وأصر ببساطة على أن خلاصة القول في القضية برمتها هي أن الحريري، وهو مسلم سني، لن يستمر في توفير غطاء سياسي لحكومة لبنانية تخضع لسيطرة حزب الله اللبناني الشيعي الذي تسيطر عليه طهران أساساً.
وشدد محمد بن سلمان على أن الحرب المدعومة من السعودية في اليمن، والتي شكلت كابوساً إنسانياً، تميل لصالح الحكومة الشرعية الموالية للسعودية هناك، والتي قال إنها تسيطر الآن على 85 في المائة من البلاد، ولكن، بالنظر إلى حقيقة أن المتمردين الحوثيين الموالين لإيران، الذين يسيطرون على البقية، أطلقوا صاروخاً على مطار الرياض، فإن أي شيء يقل عن السيطرة على 100 في المائة من اليمن سيظل إشكالياً.
بدا أن وجهة نظر محمد بن سلمان العامة تميل إلى دعم إدارة ترامب -وأشاد بالرئيس ترامب باعتبار أنه “الشخص المناسب في الوقت المناسب”- وكان السعوديون وحلفاؤهم العرب يبنون ببطء تحالفاً للوقوف في وجه إيران. وأنا متشكك. فقد عمل الخلل الوظيفي والتناقضات في العالم العربي السني عموماً على منع تشكيل جبهة موحدة حتى الآن، ولهذا السبب تسيطر إيران بشكل غير مباشر على أربع عواصم عربية اليوم -دمشق، وصنعاء، وبغداد وبيروت. وكان هذا الإفراط في مدى الوصول الإيراني هو أحد الأسباب التي جعلت محمد بن سلمان لاذعاً في انتقاد المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي.
“المرشد الأعلى في إيران هو هتلر الجديد في الشرق الأوسط”، قال محمد بن سلمان. وأضاف: “لكننا تعلمنا من أوروبا أن الاسترضاء لا يعمل. نحن لا نريد أن يكرر هتلر الجديد في إيران ما حدث في أوروبا هنا في الشرق الأوسط”. لكن ما يهم أكثر ما يكون، مع ذلك، هو ما تفعله السعودية في الوطن من أجل بناء قوتها واقتصادها.
ولكن، هل يستطيع محمد بن سلمان وفريقه مواصلة هذا المشروع حتى إنجازه؟ مرة أخرى، ليست لدي أي تنبؤات بهذا الخصوص. إن لديه عيوبه التي سيترتب عليه السيطرة عليها، كما قال لي المطلعون هنا. وهي تشمل الاعتماد على دائرة ضيقة جداً من المستشارين الذين لا يعارضونه دائماً بما فيه الكفاية، كما لديه ميل إلى البدء في أشياء كثيرة جداً، والتي لا يتم إنهاؤها. وهناك قائمة كاملة. ولكن، خمِّنوا معي؟ ليسَ الكمال مُدرجاً على القائمة هنا. كان على شخص ما إن يضطلع بهذه المهمة -سحب المملكة العربية السعودية وإدخالها في القرن الحادي والعشرين- وقد تقدم محمد بن سلمان للاضطلاع بهذه المهمة. وأنا، من جهتي، أمنحه دعمي وتمنياتي لينجح في جهوده للإصلاح.
وكذلك حال الكثير من الشباب السعوديين أيضاً. وهناك شيء قالته لي رائدة اجتماعية سعودية شابة بعمر 30 عاماً، والذي ما يزال عالقاً في أذني: “نحن محظوظون بأن نكون الجيل الذي شهد ما قبل وما بعد”. وأوضحت أن الجيل السابق من النساء السعوديات لم يكنَّ ليتخيلن أبداً قدوم يوم عندما تستطيع المرأة قيادة السيارة، ولن يكون الجيل القادم قادراً على تخيل يوم عندما لم تكن المرأة تستطيع ذلك.
وقالت لي: “لكنني سأتذكر دائماً أنني لم أكن أستطيع قيادة السيارة”. وحقيقة أن الأمر لن يكون كذلك ثانية أبداً ابتداء من حزيران (يونيو) “تعطيني الكثير من الأمل. إنها تثبت لي أن أي شيء ممكن -أن هذا هو وقت الفرصة. لقد رأينا الأمور تتغير، ونحن صغار السن بما فيه الكفاية لإحداث الانتقال”.
هذا الاتجاه نحو الإصلاح يعطي الشباب السعوديين هنا فخراً جديداً ببلدهم؛ هوية جديدة تقريباً، والتي تروق للكثيرين منهم بوضوح. كان كون المرء طالباً سعودياً في أميركا ما بعد 11/11، كما يعترف السعوديون الشباب، يعني أن تشعر دائماً بأنه يُنظر إليك كإرهابي محتمل، أو كشخص قادم من بلد مسجون في العصر الحجري.
والآن، أصبح لديهم زعيم شاب يقود الإصلاح الديني والاقتصادي، ويتحدث لغة التكنولوجيا الفائقة، والذي ربما تكون خطيئته الكبرى هو أنه يريد المضي قدماً بسرعة كبيرة. وقد أصبح معظم الوزراء الآن في الأربعينيات من العمر -وليس في الستينيات. ومع رفع اليد الخانقة للإسلام الأصولي، فإن ذلك يعطيهم فرصة للتفكير بشكل جديد في بلدهم وهويتهم كسعوديين.
“نحن في حاجة إلى استعادة ثقافتنا إلى ما كانت عليه قبل أن تتولى الثقافة المتطرفة (الإسلامية) زمام الأمور”، قالت لي صديقة سعودية تعمل مع منظمة غير حكومية. “لدينا 13 محافظة في هذا البلد، ولكل منها مطبخ مختلف. ولكن، لا أحد يعرف ذلك. هل كنتَ تعرف هذا؟ لكني لم أر أبداً أحد الأطباق السعودية يصبح عالمياً. لقد حان الوقت لكي نحتضن مَن نكون ومَن كنا”.
للأسف، يتضمَّن تعريف مَن تكون المملكة العربية السعودية أيضاً مجموعة كبيرة من كبار السن، من السعوديين الأكثر ريفية، والأكثر تقليدية، وسوف يكون سحبهم إلى القرن الحادي والعشرين تحدياً. لكن هذا هو السبب في أن كل بيروقراطي كبير أصبح يعمل ساعات مجنونة الآن. إنهم يعرفون أن محمد بن سلمان يمكن أن يتصل بهم على الهاتف في أي من تلك الساعات ليتأكد مما إذا كان شيء يريد عمله يجري عمله. قلت له إن عاداته في العمل تذكرني بجملة في مسرحية “هاميلتون”، عندما تسأل الجوقة: لماذا يعمل دائماً كما لو أنه “ينفَدُ من الوقت”.
“لأنني”، قال محمد بن سلمان، “أخشى أنني في اليوم الذي أموت فيه، سأموت بدون إنجاز ما لديَّ في ذهني. الحياة قصيرة جداً والكثير من الأشياء يمكن أن تحدث، وأنا حريص حقاً على أن أرى ذلك بأم عيني -وهذا هو السبب في أنني في عجلة من أمري”.
*نشر هذا الموضوع تحت عنوان :
Saudi Arabia’s Arab Spring, at Last
ترجمة علاء الدين أبو زينة – الغد – 25/11/2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى