#شؤون إسرائيلية

الحرب التجارية العالمية : الخصائص والآثار المترتبة على إسرائيل

 معهد  دراسات الأمن القومي – بقلم شموئيل ايفن ونيتسان فيلدمان – 22/7/2018

في 15 يونيو 2018، أعلنت الولايات المتحدة عن فرض ضرائب بنسبة 25% على واردات بقيمة 50 مليار دولار من الصين، وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حينها أنه لو ردت الصين فإن الولايات المتحدة ستفرض ضريبة 10% على واردات أخرى من الصين، بقيمة 200 مليار دولار. في 6 يوليو 2018 بدأ تطبيق فرض الضرائب لأول مرة على تجارة بقيمة 34 مليار دولار، والتي فرضتها الولايات المتحدة على الصين التي ردت بفرض ضرائب من جانبها. في أعقاب الرد الصيني، نشرت الإدارة الأمريكية في 11 يوليو 2018 قائمة بـ 6000 منتج صيني يُتوقع أن تفرض عليها هذه الضرائب، أساس الخطوة يقف خلفه عجز تجاري للولايات المتحدة أمام الصين بقيمة 375 مليار دولار (أعلى من أي دولة أخرى)، إذ أن واردات البضائع الأمريكية من الصين وصل عام 2017 إلى 505 مليار دولار مقابل تصدير بقيمة 130 مليار دولار فقط، كما تشعر الولايات المتحدة بالقلق من خطوة انتقال تكنولوجيا أمريكية للصين واستيعابها في الشركات الصينية، والتي تقوم بعد ذلك بتصدير منتجاتها للولايات المتحدة وباقي دول العالم بأسعار رخيصة نسبيًا. فرض ضريبة على منتجاتها للسوق الأمريكي هدفها الحد من هذه الظاهرة.

في السابق، ألغت الولايات المتحدة استثناء الاتحاد الأوربي، المكسيك وكندا من الضريبة التي فرضتها الولايات المتحدة على الصلب والألومنيوم. من جانبهم، ردوا بفرض ضرائب، بالإضافة لذلك، في الـ 10 من يونيو 2018، ترك ترامب البيان الختامي لقمة مجموعة السبع بشأن التجارة الحرة.

تغير نظام التجارة العالمي يطابق مبدأ ترامب الأساسي “أمريكا أولًا”، لهذه الفكرة جوانب أخرى، من بينها: سياسة صارمة بالنسبة لمهاجري العمل والسعي للحد من تكاليف الولايات المتحدة لحماية دول أخرى، من بينها مواقع قوات أمريكية، مع مطالبة أعضاء الناتو برفع تكاليف أمنهم. في سياق أوسع، الحديث عن انسحاب واضح من إجراءات العولمة ومؤسساتها، ترامب – الذي كانت أحد أبرز إجراءاته في البيت الأبيض إلغاء موافقة الولايات المتحدة على الشراكة عبر المحيط الهادئ (يناير 2017) – أوضح أن الأطر متعددة الأطراف تمنع الولايات المتحدة من التعبير عن أفضليتها؛ ولذلك سيسعى لتأسيس علاقاتها التجارية في أطر ثنائية.

بين “الحرب التجارية” والحرب الاقتصادية

في مجال الأمن القومي، تدخل الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي يثير علامات استفهام حول إذا ما كانت هذه صراعات تجارية (حرب تجارية) أو نموذج قتال اقتصادي، وما هو توجه العالم في هذا الشأن. رغم أن هاتين الظاهرتين تندرجان تحت المظلة الكبرى للاقتصاد والأمن القومي؛ إلا أنه يجب التمييز بين صراعات التجارة وصراعات الاقتصاد، فالحرب الاقتصادية هي استخدام أو التهديد باستخدام دول طرق اقتصادية (عقوبات مثلًا) ضد اقتصاد دولة منافسة، وذلك لممارسة ضغوطات اقتصادية ضدها بهدف العمل على تغيير سياساتها بالاتجاه المطلوب أو لإضعافها والمساس بقدراتها لتخصيص موارد للجيش. الولايات المتحدة تقود حربًا اقتصادية من خلال عقوبات على كوريا الشمالية وإيران بتهمة عملهم في المجال النووي، كذلك العقوبات التي فرضت على روسيا هي حرب اقتصادية، حيث ان هدفها أن تشكل ردًا رادعًا للتدخل الروسي في الانتخابات لرئاسة الولايات المتحدة؛ كل هذه هي إجراءات في مجال الخارجية والأمن للولايات المتحدة، لا تهدف لتحقيق فوائد اقتصادية ولها ثمن اقتصادي معين.

مقابل ذلك، الصراع التجاري (حرب تجارية) يشير إلى تدخل دول في ظروف السوق الدولي من أجل احتياجات اقتصادية بحتة، مثل الحد من العجز التجاري، مع ذلك تتأثر السياسات التجارية للدول باعتبارات الأمن القومي. تشير الدراسات للعلاقات المتبادلة بين التجارة وبين وجود وتعزيز تحالفات بين الدول، يميل الحلفاء إلى التجارة مع بعضهم البعض، وتعتبر التجارة عاملًا في إظهار التزامهم بالتحالف؛ ولذلك فإن المساس بالتجارة المتبادلة من قبل أحد الطرفين لا يفيد التحالف. هذا بالإضافة لأنه يجب الإشارة للتوتر بين ممارسة حرب اقتصادية (عقوبات) ضد دولة عنيدة في العالم، والتي تتطلب تحالفات وتماسك في الساحة الدولية ضد دولة متمردة، وبين صراعات التجارة، التي تسبب إضعاف التحالفات وانشقاق في المنظومة الدولية.

في هذه المرحلة، يبدو ان الصراع التجاري الذي تقوده الولايات المتحدة ما زال لا يعتبر حرب اقتصادية، لأن غايته – حسب تصريحات ترامب – هي مصلحة الاقتصاد الأمريكي، هدفه ليس المساس باقتصاد دول أخرى (جزء منهم حلفاء) والأدوات (رسوم جمركية) لا تُصنف ضمن أدوات القتال الاقتصادية. مع ذلك، فهو مرتبط بالأمن القومي بالمعنى الواسع للفكرة، مثل الحاجة للحفاظ على التفوق التكنولوجي والاقتصادي الأمريكي العالمي، مع جهود لوقف الصين (برنامج MADE IN CHINA 2025). من الجانب الأوروبي، هناك دلائل على أن حلفاء الولايات المتحدة يربطون بين سياساتهم التجارية وبين حاجة الاتحاد الأوروبي لإظهار استقلال اقتصادي وسياسي أمام الولايات المتحدة.

بالنسبة للمستقبل

السيناريو الأول (التفاؤلي بالنسبة للولايات المتحدة) هو أن تنجح هذه السياسات بسرعة، وتنجح الولايات المتحدة فعلًا بانتزاع تنازلات من الصين وشركاء آخرين، ممّا يحسن من ناحيتها ظروف التجارة، وتظهر على شكل انخفاض في العجز التجاري ووقف عملية إخراج تكنولوجيا وممتلكات فكرية من أيديها (خصوصًا للصين).

السيناريو الثاني هو استمرار الصراعات التجارية، على عكس العقوبات الاقتصادية، التي تفرضها الولايات المتحدة على دول متمردة؛ تتعامل الولايات المتحدة في مجال الصراعات التجارية في نفس الوقت مع قوى اقتصادية كبرى (الاتحاد الأوروبي والصين)، لذا من المتوقع أن تحدث ردود وردود فعل، ممّا قد يؤدي للتأثير بشكل سلبي، بدرجة معينة، على الاقتصاد الأمريكي وقوة الولايات المتحدة السياسية، بما في ذلك قدرتها على التأثير على سياسات اخرى للانضمام لعقوبات على دول متمردة في العالم.

السيناريو الثالث (التشاؤمي) هو أن تتدهور الصراعات التجارية لممارسة حرب اقتصادية ثنائية الجانب، أي استخدام المجال الاقتصادي لإظهار قوة سياسات وردود قاسية ليست نتيجة لاعتبارات اقتصادية طويلة الامد، بأثمان اقتصادية وسياسية كبيرة.

قد تكون هناك حالات وسيطة بين هذه الثلاثة سيناريوهات، على سبيل المثال أن تنجح الولايات المتحدة بتحسين وضعها أمام دول معينة ويسوء وضعها أمام دول أخرى. بكل الأحوال، وقف “الحرب التجارية” مشروط باعتراف الطرفين أن استمرار لن يجدِ نفعًا لأي طرف.

الآثار المترتبة على إسرائيل

1. اليوم إسرائيل ليست طرفًا في الصراع، لكن التأثير المحتمل عليها، كلما تطور الصراع، يستحق دراسة معمقة. في الظاهر، يبدو أنه سيكون في اتجاهات معاكسة: من جانب، طالما أن دول أخرى ستفرض كل منهما ضريبة على الأخرى (لا تشمل إسرائيل)، سيصبح الأمر أسهل بالنسبة للصادرات الإسرائيلية. من جانب آخر، طالما أن “الحرب التجارية” ستسبب ضرر كبير بالاقتصاد العالمي، فإن اقتصاد إسرائيل سيتضرر جراء ذلك، خصوصًا إن كان موجهًا للتصدير.

2. ازدياد الخصومة الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة قد يؤثر في المدى البعيد على الطريقة التي يتعاملوا بها مع السياسات التجارية والاستثمارات لدى أطراف ثالثة. أي أنه لا يمكن استبعاد إمكانية أن تحاول الولايات المتحدة التأثير على السياسات التجارية واستثمارات إسرائيل أمام الصين.

3. على إسرائيل أن تنظر في قضية تطوير والحفاظ على الملكية الفكرية للاقتصاد الإسرائيلي، خصوصًا في ظل تصدير الملكية الفكرية بنطاق واسع وفي مراحل مبكرة.

4. في مجال العقوبات على إيران، قد ترى الدول، التي ستتضرر من الحرب التجارية (ومن ضمنهم دول مشاركة في الاتفاق النووي مع إيران، لو ظلوا موالين لها) نفسها أقل التزامًا بالاستجابة للمطالب الأمريكية بشأن العقوبات على إيران، وقد يعملوا على الانحراف عنها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى