أقلام وأراء

الحبيب الأسود: فاغنر في جربة: خبر إيطالي أم تنبيه استباقي أميركي

الحبيب الأسود 2024/05/22: فاغنر في جربة: خبر إيطالي أم تنبيه استباقي أميركي

يثير خبر نشرته إحدى الصحف الإيطالية عن هبوط طائرات عسكرية روسية في جزيرة جربة التونسية (جنوب شرق البلاد)، ونفته موسكو لاحقا، التكهنات حول الجهات التي تقف وراءه، وما إذا كان مجرد خبر إيطالي لا يعرف مدى دقته أم استباقا أميركيا ينبه تونس إلى مخاطر الاقتراب من مجموعة فاغنر.

ولا توجد مؤشرات على أن تونس تفكر في استقبال فاغنر التي تجري الاستعدادات لاستبدالها بالفيلق الأفريقي، أو فتح مجالها الجوي أو البري أمامها. كما لم ترشح أي تسريبات عن ذلك بالرغم من توسع نشاط المجموعة في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، ما يرجح أن يكون الهدف من وراء الخبر تنبيه الرئيس التونسي إلى مخاطر التعاون مع روسيا التي توسع نفوذها العسكري في المنطقة بشكل متزايد من بوابة فاغنر.

ولا يبدو أن التنبيه صادر فقط عن جهات إيطالية، وقد يكون رسالة أميركية بالدرجة الأولى خاصة أن صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية، التي نشرت الخبر، أوردت تحذيرا أميركيا مبطنا لتونس منسوبا إلى متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لم تذكر اسمه، قال “لا نزال نشعر بالقلق إزاء أنشطة مجموعة فاغنر وتلك التي تدعمها روسيا في القارة الأفريقية، والتي تؤجج الصراعات وتشجع الهجرة غير النظامية، بما في ذلك إلى تونس”.

وبدا تصريح المسؤول الأميركي ملتبسا، وهو ما يدفع إلى التساؤل عما إذا كان الأمر متعمدا بهدف الخلط بين دور روسيا في أفريقيا الذي يتسبب في الهجرة غير النظامية، وحساسية التونسيين تجاه الأمر، أم أن المقصود هو دور لفاغنر داخل تونس كما يسعى الإيطاليون للإيحاء به.

ويعتقد المراقبون أن زيادة التمدد الروسي في شمال أفريقيا، من خلال التمركز في ليبيا والتقرب أكثر إلى الجزائر، وفي دول جنوب الصحراء تعطي أهمية كبيرة لتونس في المقاربة الأمنية الأميركية للمنطقة وأنشطة القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، خاصة بعد سحب القوات الأميركية من النيجر وتشاد.

وتعود المخاوف الأميركية من استجابة تونس للتقارب مع روسيا إلى خطاب التذمر الذي ظهر لدى قيس سعيد في الفترة الأخيرة من التدخلات الغربية بشأن موضوع حقوق الإنسان بعد التوقيفات التي طالت معارضين وإعلاميين ومحامين والانتقادات بخصوص التعامل مع المهاجرين الأفارقة، بالإضافة إلى انزعاج تونس من تأخر الدعم المالي الغربي لها في مواجهة أزمتها المالية.

واعتبرت “لا ريبوبليكا” أن وجود مؤسسة روسية في تونس من شأنه أن يكمل اختراق موسكو في جميع أنحاء المنطقة ، وقالت “بالنسبة إلى إيطاليا، تشكل المسألة التونسية مصدر قلق كبير حيث تعتبر تونس أقرب دولة في شمال أفريقيا إلى سواحلها، ونقطة انطلاق مهمة لقوارب المهاجرين إلى صقلية”.

وأوضحت الصحيفة أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني قد استثمرت شخصيا في احتواء ظاهرة الهجرة غير النظامية من خلال قيامها بأربع زيارات إلى تونس وتوصلها إلى اتفاقات مع الرئيس قيس سعيد في إطار “خطة ماتي” .

وتساءلت في خاتمة تقريرها “هل قررت تونس تغيير مواقفها من خلال الانفتاح على (فلاديمير) بوتين؟ أم أنها تمارس ضغوطا على الغرب من خلال الإشارة إلى استعدادها للانضمام إلى تحالف الجنوب الجديد الذي تسعى روسيا والصين إلى تشكيله لزعزعة استقرار العالم وإضعاف القيادة الأميركية؟”.

وفي الأشهر الأخيرة لم تخف أوساط سياسية تونسية دعمها لتوجه تونس نحو الشرق كخيار بديل عن تأخر الدعم الغربي. واستقبلت تونس وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف، ووزير خارجية الصين وانغ يي، ما أوحى بأن تونس تتجه إلى الشرق وأن الأمر ليس مجرد تلويح.

وأوقف فشل الجزائر في الحصول على عضوية مجموعة بريكس تحمّس التونسيين، وخاصة الأوساط الداعمة لقيس سعيد، للتوجه شرقا، بعد اكتشاف أن الانضمام إلى المجموعة ليس قرارا سياسيا فقط، ولا يحتكم إلى ردة الفعل، وأنه يتطلب شروطا اقتصادية محددة لا تتوفر لأي من دول شمال أفريقيا.

ولا يستبعد أن يكون الخبر الإيطالي عن نزول الطائرات العسكرية الروسية في مطار مدينة جربة التونسية محاولة ضغط من حكومة ميلوني على تونس بسبب شروط قيس سعيد التي تربط التعاون في مجال مواجهة تدفق المهاجرين غير النظاميين بضوابط، منها رفض توطينهم في تونس ومطالبته بمقاربة أوسع تقوم على دعم دول جنوب الصحراء اقتصاديا للحد من الهجرة غير النظامية في حين تسعى إيطاليا إلى حلول أمنية سريعة لوقف قوارب تهريب البشر.

ونقلت وكالة “نوفا” الإيطالية عن ميكيلا ميركوري، أستاذة الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط بجامعة نيكولو كوزانو، قولها إن تونس ليست فقط القطعة المفقودة للتوسع الروسي في شمال أفريقيا، ولكنها أيضًا دولة إستراتيجية في السيطرة على تدفقات الهجرة من الحدود الجنوبية لأوروبا، وإن “روسيا موجودة بالفعل في الجزائر، المورّد الرئيسي للغاز إلى إيطاليا، وأقامت علاقات مع دول أخرى في شمال أفريقيا والساحل وقارة أفريقيا”.

وحذرت ميركوري من أن “هذه العلاقة يمكن أن تتعزز أكثر لأن روسيا لديها الكثير من الحيل في جعبتها، فهي تبيع الأسلحة وتزوّد تونس بالحبوب وكذلك الجزائر ودولا أخرى هي في أمس الحاجة إليها. ومن المؤكد أن هذا قد يثير تساؤلات جدية ليس فقط حول خطة ماتي، ولكن أيضًا حول استقرار السياسات الإيطالية والأوروبية تجاه تدفقات الهجرة”.

وأضافت أن “الرئيس التونسي في هذه اللحظة يجد نفسه، بطريقة أو بأخرى، يحظى بامتياز الاختيار بين التقرب إلى روسيا أو الحفاظ على علاقاته مع أوروبا. ومن المحتمل أن يلعب في كلا الملعبين، ومن الواضح أنه لن يتخلى عن الملعب الروسي لأنه يستفيد من كليهما”.

وفندت موسكو الاثنين تقرير “لا ريبوبليكا”. وقالت السفارة الروسية بطرابلس في بلاغ لها إن التقرير الذي يحمل عنوان “كل الأعين على فاغنر” يعتبر إنتاجا آخر لمخابرات الغرب يهدف إلى تشويه صورة روسيا وشركة فاغنر.

ووصفت السفارة الروسية التقرير الذي نشرته وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية عن شركة فاغنر بالمفبرك، وأكدت أن لا أساس له من الصحة، واعتبرته خليطا من الحقيقة والكذب يقدم تحت ذريعة التحقيق المستقل.

كما نفت السفارة قطعيا ما سمته ادعاءات صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية حول وجود طائرات قتالية روسية في مطار جزيرة جربة التونسية، مؤكدة أن هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة، وتأتي في إطار التوجيهات السياسية التي تتبعها وسائل الإعلام الغربية لتشويه صورة روسيا.

ونوهت الخارجية الروسية إلى أن خيالات الصحافيين الأجانب يمكن أن تُحسد موسكو عليها، لكن كل ما ينشرونه كذب. ووفقا للوزارة، فإن إيطاليا، من خلال نشر الأخبار الكاذبة، تؤكد فقط عدم احترامها لسكانها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى