الجهاديون الأوروبيون.. المأزق في التعامل مع الأطفال الدواعش
بقلم : جاسم محمد، صحيفة العرب ٢٣-٣-٢٠١٨م
بون – حذّرت الاستخبارات الإيطالية، في تقريرها السنوي الذي عرضته مؤخرا للنقاش أمام البرلمان الإيطالي، من أن تهديد الإرهاب “ملموس ومحدق”، ومن “تفاقم ظاهرة التطرف، وكذلك من إمكانية حدوث اعتداءات إما بمبادرة فردية وإما بتحريض من جهات منظمة”، والأخطر، وفق الاستخبارات، أن من سيقوم بهذه الهجمات هم الجهاديون الأوروبيون، الذين انضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، ثم عادوا إلى بلدانهم الأوروبية.
وتمثل عودة المقاتلين الأجانب تحدّيا بالنسبة إلى أجهزة الاستخبارات الأوروبية، ويعود السبب إلى عدم امتلاك أوروبا المعلومات والبيانات حول المقاتلين الأجانب، إلى جانب أن هذه الجماعات اختبرت إجراءات الشرطة والأمن في أوروبا، وهذا ما يمكنها من الإفلات من رادار السيطرة، وسلك طرق ومسالك من أجل العودة.
وأسدلت هذه القضية بثقلها على أجندات عمل اجتماعات ومؤتمرات دول أوروبا بهدف الحد من عودتهم، فيما شارك البعض منها بجهد عسكري استخباراتي ضد التنظيم في معاقله في الموصل والرقة، بهدف تصفيتهم والقضاء عليهم.
ورغم المساعي الدولية لإيجاد سياسات مشتركة، فإن وزراء دفاع دول التحالف الدولي ضد تنظيم داعش فشلوا في الاتفاق على إيجاد طريقة للتعامل مع المئات من المتطرفين الأجانب المحتجزين في مناطق تم تحريرها من التنظيم في سوريا والعراق.
وكشفت الهجمات الإرهابية الأخيرة عن بعض نقاط الضعف الهيكلية للاتحاد الأوروبي، حيث مازال التعاون الأمني وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول الأعضاء غير كافيين.
وفي معرض رده على الانتقادات التي طالت هذا التعاون، يقول فيليب لامبرتس، زعيم كتلة الخضر في البرلمان الأوروبي، إن التعاون الأمني بين الدول الأعضاء في الاتحاد، لم يصل بعد إلى الدرجة المطلوبة لا من حيث جمع المعلومات الأمنية أو من ناحية كيفية تبادلها بين مختلف الدول.
رغم التعزيزات الأمنية التي تحرص دول الاتحاد الأوروبي توفيرها لحماية أمنها القومي من التعرض إلى اعتداءات إرهابية جديدة، إلا أن المخاوف من عودة الجهاديين المقاتلين من الشرق الأوسط تشكّل خطرا محدقا وتحدّيا رئيسيا ليقينها بأن داعش وضع الأمن الأوروبي هدفا له بعد أن انكشف ضعف التنسيق الاستخباراتي والتبادل غير الكافي للمعلومات بين دول الاتحاد
ويكشف تقرير منسق مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي جيل دي كريشوف أن عدد الأوروبيين من الدواعش وصل إلى ما يقارب 5700 شخص، قتل 10 بالمئة منهم في مناطق الصراع في سوريا والعراق، وعاد منهم إلى أوروبا ما يقارب 1750 شخصا.
أما اللجنة الدولية للصليب الأحمر فقد تمكنت مع نهاية عام 2017، من الوصول إلى أكثر من 1300 زوجة أجنبية وطفل لمن يشتبه في أنهم مقاتلون في تنظيم داعش، وكانت القوات العراقية تحتجز هذه الأسر بالقرب من الموصل قبل أن ترحّلهم إلى بغداد.
وحظي ملف عودة أطفال وعائلات مقاتلي تنظيم داعش من سوريا والعراق إلى أوروبا بالكثير من الاهتمام. وبحسب تقييم الخبيرة الألمانية في شؤون الإسلام سوزانه شروتر، فإن “جميع الشابات اللواتي ذهبن إلى هناك لديهن أطفال وهذه واحدة من المشكلات التي ينبغي علينا كمجتمع التعامل معها في المستقبل القريب”.
وتصنّف الاستخبارات الأوروبية العائدين من سوريا والعراق إلى:
*جماعة تشعر بالندم بعد عودتها من القتال إلى جانب صفوف التنظيمات المتطرفة، وتتخلى عن الأيديولوجيا ونسبة كبيرة منها تتعاون مع أجهزة الاستخبارات، وتعرض تجاربها إلى الآخرين ضمن برامج مكافحة الإرهاب ومحاربة التطرف.
*جماعة تبقي على أيديولوجيتها المتطرفة وتعمل على نشرها، حتى بعد عودتها وهي جماعة الجهاد العابر للقارات، وهؤلاء لديهم التزام أيديولوجي للعنف في الداخل والخارج، وهي الأكثر خطرا.
وهناك إجماع لدى المعنيين بمكافحة الإرهاب والتطرف، على أن عودة المقاتلين الأجانب وعائلاتهم، تمثل قنبلة موقوتة يصعب التعامل معها.
ويقول توماس موكه، مدير أعمال شبكة الوقاية من العنف والذي يهتم أيضا بقضية العائدين من مناطق الصراع “الجهادية” إلى ألمانيا، إن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي تلعب دورا كبيرا داخل هذا الوسط. والشباب يتلقون في غالب الأحيان عروضا من أقرانهم، فيما يحاول المتطرفون إحداث شرخ بين الشاب ووسطه الاجتماعي ليتمكنوا من التأثير عليه بقوة.
وبالتالي هناك حاجة للتواصل المباشر لإضعاف ميول التطرف. وهذا ما لا يحدث إلا قليلا داخل المعتقل الذي يقبع فيه العائدون بتهمة مساندة تنظيم إرهابي.
وكشفت التحقيقات أن استراتيجية التنظيم على شبكات التواصل الاجتماعي لا تقوم على تقديم فيديوهات العنف وقطع الرؤوس فقط، بل تتبنى استراتيجية معينة تناسب كل مجموعة مستهدفة من ضحاياه.
وبدا واضحا التباين في إجراءات استقبال عائلات الدواعش في الموقف الفرنسي والبريطاني الذي يفضل إبقاء العائلات والمقاتلين في مناطق النزاع، خاصة في العراق وإخضاعهم إلى المحاكم هناك، فيما بدا موقف ألمانيا مختلفا تماما، كونها تعمل على استعادة عائلات الدواعش والمقاتلين من الألمان وتسهل عملية إخضاعهم إلى القضاء الألماني.
ومهمة نزع أيديولوجية التطرف من عقول هذه الجماعات ليست بالمهمة السهلة أبدا، ورغم التوصيات بضرورة استنساخ تجربة “المناصحة الفكرية” التي اتبعتها بعض الدول في المنطقة، لكن في أوروبا يبدو من الصعب الحصول على نتائج إيجابية، وهذا يعني أنه إلى جانب تطبيق برامج الاندماج الاجتماعي والمناصحة الفكرية، فإن هذه الدول مطالبة أيضا بإبقاء هذه الجماعات تحت المراقبة.