الجمهوريون يحاولون ربط قضية بتراوس مع قضية بنغازي لكن من الجائز أن الأمر يتعلق بقضية مختلفة تماما
ترجمة: مركز الناطور للدراسات والابحاث 11/11/2012.
الأصدقاء المقربون لديفيد بتراوس مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA الذي استقال بصورة مفاجئة يوم الجمعة 9 نوفمبر يحاولون إقناع الرأي العام الأمريكي بأنه ليس هناك من شيء خلف هذه الاستقالة باستثناء قضية العلاقة الغرامية بين الجنرال الذي يحمل أربع نجوم وكاتبة سيرة حياته باولا برودويل البالغة من العمر 39 سنة.
باولا برودويل كانت ترافق بتراوس أثناء خدمته في أفغانستان كقائد للقوات الأمريكية وحلف الناتو هناك وقد ظهرت معه في كل مكان ذهب إليه.
وهذه هي النقطة بالضبط، علاقة غرامية خارج الزواج هي ليست بالأمر الذي يتطلب الاستقالة من مناصب أمنية.
الولايات المتحدة وواشنطن مرتا قبل 14 عاما بقضية مماثلة قضية مونيكا لوينسكي حيث كان الرئيس بيل كلينتون الذي كان يشغل أيضا منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة الأمريكية وكذلك المسؤول عن عمليات CIA لم يقم مثل هذه العلاقة الغرامية فقط وإنما كذب وبشكل علني على الشعب الأمريكي بأكمله ولم يستقل، إذن لماذا ينبغي على بتراوس أن يستقيل الآن؟
الذريعة الخادعة التي قدمت هي أنه كان بإمكان باولا برودويل الوصول إلى عناوين الإيميل الشخصي لبتراوس وكان واضحا أن كل ما يتردد الآن عن هذه الاستقالة هو غطاء لشيء أكثر عمقا والذي لا بد أن يماط اللثام عنه حتى ولو كان بشكل غير كامل خلال السنوات القادمة.
حتى الآن ولا يبدو أيضا أن الإجابة ستقدم في المستقبل القريب حول كيف حدث أن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي كان يتابع مدير وكالة الاستخبارات المركزية؟ أو كما طرح الأمر بشكل رسمي بأنه لم يكن هو وإنما هي موضوع التحقيق.
متى عرضت بالضبط هذه القضية على الرئيس أوباما هل قبل فترة طويلة من استقالته المفاجئة يوم الجمعة بحيث أمر رئيس وكالة الأمن القومي الداخلي الأمريكي روبرت مولر بإجراء تحقيق ضد مدير وكالة المخابرات المركزية الجنرال بتراوس؟
في واشنطن يشار إلى أن قضية العلاقة الغرامية لبتراوس أبلغت للرئيس يوم 7 نوفمبر فقط عندما كان الرئيس لا يزال يحتفل بالفوز في الانتخابات، بيد أن هذه الصيغة الرسمية غير مقبولة.
وإذا كان مكتب التحقيق الفيدرالي يراقب رئيس وكالة الاستخبارات المركزية وعشيقته فإنه ليس من الجائز أن الرئيس أوباما لا يعلم بذلك حتى قبل الانتخابات، وليس من الجائز أيضا أن لا يجري محادثات حول ذلك مع روبرت مولر قبل فترة طويلة من الانتخابات.
في هذه الأثناء الجمهوريون يحاولون الإفاقة من الهزيمة التي لحقت بهم في الانتخابات الرئاسية هذا الأسبوع، فهم يحاولون الربط بين قضية بتراوس وعلى الأقل توقيتها بقضية الهجوم على السفارة الأمريكية ومقتل السفير الأمريكي مع ثلاثة من مساعديه والذين كانوا على ما يبدو عملاء لوكالة المخابرات المركزية في القنصلية الأمريكية في 11 سبتمبر الماضي.
حتى الآن وبعد ثلاثة أشهر من وقوع الهجوم ليس فقط لم تقدم صورة دقيقة لما حدث ومن شارك في هذا الهجوم وكيف أن البيت الأبيض ووزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية علقوا لحظة وقوع الحادث، وإنما بقيت الصورة أكثر غموضا وأن الغموض ظل يلفها وظل يتمعق.
الجمهوريون يتهمون الرئيس أوباما وكثير من وسائل الإعلام الأمريكية المؤيدين له بمؤامرة متعمدة لإخفاء الحقيقة حول هذه القضية، الهدف هو إبعاد هذه القضية عن جدول أعمال الرأي العام الأمريكي واهتمامه من أجل أن لا يضر الفشل العسكري والاستخباراتي الأمريكي بفرص الرئيس لانتخابه مرة ثانية، وبالصورة التي اكتسبها لنفسه على ضوء اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في باكستان في مايو 2011 وكمقاتل شجاع وعنيد ضد الإرهاب الإسلامي.
في يوم الخميس من هذا الأسبوع 15 نوفمبر ستعقد لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ اجتماعا من أجل مناقشة هذه القضية حيث أن عددا من قادة المنظومة الاستخباراتية الأمريكية بمن فيهم كبار المستشارين للرئيس أوباما لشؤون الإرهاب للمثول أمامها.
كما أن رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابق ديفيد بتراوس ينبغي عليه أن يمثل أمامها.
في يوم الجمعة بعد ساعات من استقالته أعلن ديفيد بتراوس بأنه لن يظهر أمام اللجنة.
هذا الإعلان نشر بعد أن طرح عدد من المعلقين الأمريكان تفسيرا يقول أن السبب الحقيقي لاستقالة بتراوس كان نزولا عند رغبة الرئيس أوباما لمنع ظهور بتراوس أمام اللجنة التي كان من المنتظر أن يقدم شهادة كانت ستميط اللثام عن عدد من التفاصيل لم يكن الرئيس أوباما يريد إزاحة الستار عنها.
وإلى ذلك أضيفت ملاحظة رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ العضوة ديان فنشتاين وهي من الحزب الديمقراطي ومؤيدة للرئيس أوباما، لكنها معروفة بمواقفها المستقلة والتي قالت يوم الجمعة أنها تتوقع أن لا يقبل الرئيس أوباما الاستقالة.
بعبارة أخرى هناك بداية انتقادات علنية للرئيس أوباما الذي سارع إلى قبول استقالة بتراوس.
وإذا كانت الأمور على هذا النحو في الحقيقة فإن ديفيد بتراوس ليس المسؤول الأمريكي الأول الذي يدفع وظيفته ثمن قضية الهجوم على بنغازي.
مصادرنا في واشنطن تشير إلى أن قضية بتراوس تساعد على إسكات قضية أخرى في واشنطن وهي قضية مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة سوزان رايس وهي تتعلق هي الأخرى بقضية بنغازي.
في الأيام الأخيرة اضطر الرئيس أوباما أن يخرق تعهده الشخصي لرايس بتعيينها بعد الانتخابات كوزيرة للخارجية الأمريكية بدلا من هيلاري كلينتون والتي ستعتزل.
السبب مثل هذا التعيين ينبغي أن يحصل على قبول وموافقة مجلسي الشيوخ والنواب ولما كان أوباما يعتقد أن الموضوع الرئيسي الذي ستسأل عنه رايس أثناء هذه العملية سيكون ماذا تعرف أو لا تعرف في الحقيقة عن الهجوم في بنغازي، فقد قرر المجازفة وإلغاء هذا التعيين.
صحيح ـن لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ يمكنها أن تدعوها هي وبتراوس لكي يدليا بشهادتهما لكن مثل هذه الخطوة تتطلب موافقة جميع أعضاء اللجنة ورئيستها العضوة ديان فنشتاين.
نحن نقف أمام عتبة قضية نجح فيها تنظيم القاعدة ليس فقط في مهاجمة القنصلية الأمريكية في بنغازي وإنما قتل السفير الأمريكي وثلاثة من مساعديه وكذلك أيضا في إسقاط رئيس وكالة الاستخبارات المركزية ديفيد بتراوس والمرشحة لتولي منصب وزيرة الخارجية سوزان رايس، أو أن الأمر يتعلق بقضية مختلفة تماما.
من الصعب الافتراض بأن نتعرف على الحقيقة حول ذلك في القريب العاجل.