شوؤن عربية

الجزائر في مواجهة الداء الليبي

مركز الناطور للدراسات والابحاث
تحدثت العديد من التسريبات عن احتمالات وشيكة لجهة انتقال زخم الأزمة الليبية غرباً، وتحديداً باتجاه الجزائر، وفي هذا الخصوص تسير توقعات الخبراء إلى أن عدوى الصراع الليبي سوف تأخذ طابعاً عابراً للحدود الليبية- الجزائرية: فما هي حقيقة هذه التسريبات وما هي المعطيات والمؤشرات الدالة على ذلك، وما هي ملامح وخطوط سيناريو العنف الجزائري الذي أصبح وشيكاً؟
•    الجزائر في مواجهة الداء الليبي (توصيف المعلومات الجارية):
رصدت  التقارير الجارية بأن الحدود الجزائرية- الليبية قد شهدت خلال أشهر شباط (فبراير) آذار (مارس) نيسان (إبريل) 2011 الماضية عمليات تدفق واسعة كبيرة الحجم للعناصر الجهادية الناشطة في الحركات الإسلامية المسلحة الجزائرية والمغربية والموريتانية، إضافة إلى قيام أعداد كبيرة من العناصر الجهادية المصرية والشرق أوسطية الأخرى بعبور خط الحدود الليبية- المصرية باتجاه مناطق شمال غرب ليبيا.. وإضافة لذلك أكدت التقارير والتسريبات النقاط الآتية:
–    تعتبر الجماعة الليبية للجهاد والقتال بمثابة الفصيل الرئيسي الذي ظلت عناصره تشكل حضوراً قوياً فاعلاً في العمليات القتالية التي شنتها المعارضة الليبية المسلحة ضد نظام القذافي.
–    تعتبر الجماعة الليبية للجهاد والقتال بمثابة الفرع الليبي المحلي لتنظيم القاعدة، إضافة إلى علاقاتها الوثيقة بتنظيم القاعدة الأم، وتنظيم الجهاد المصري ، إضافة إلى ارتباطها العضوي بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي وبقية الحركات السلفية الجهادية المغاربية، وعلى وجه الخصوص الجزائرية..
–    أكدت العديد من التقارير الموثقة بأن القوة الرئيسية المسلحة التي خاضت العمليات القتالية ضد نظام القذافي تتكون بشكل أساسي من العناصر الجهادية، وما كان لافتاً للنظر ومثيراً للاهتمام، أن كل العمليات العسكرية الصعبة قد تم خوضها بواسطة هذه العناصر، وبالذات عمليات اقتحام منطقة طرابلس ومقر باب العزيزية، إضافة إلى مدن البريقة ورأس لانوف والزاوية ذات الأهمية الإستراتيجية.
هذا، وأشارت التقارير إلى أن السلطات الجزائرية ظلت تنظر بقلق وتوتر شديد إزاء التطورات الميدانية الجارية في ليبيا، وتحت تأثير ضغوط المخاوف فقد سعت هذه السلطات بشكل شبه علني لجهة دعم قدرات نظام الزعيم معمر القذافي سواء عن طريق تمرير الأسلحة، (إضافة إلى تزويده بالمعلومات الاستخبارية، وأشارت المزيد من التقارير والتصريحات الرسمية الجزائرية إلى وجود العديد من زعماء وعناصر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي والجماعة السلفية المسلحة للجهاد والدعوة، وهم ينخرطون في فعاليات الصراع المسلح الليبي..
•    المسرح الجزائري في مواجهة العدوى:
شهدت العلاقات الليبية- الجزائرية مؤخراً المزيد من التوترات، والتي أخذت طابعاً معلناً، على خلفية النقاط الآتية:
–    رفض السلطات الجزائرية الاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي.
–    معارضة الجزائر لقيام الاتحاد الإفريقي بالاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي.
–    قيام السلطات الجزائرية باستقبال أفراد عائلة الزعيم معمر القذافي.
–    اتهام السلطات الجزائرية للمجلس الانتقالي الليبي بأنه يعتمد على العناصر المسلحة الجهادية في فعالياته العسكرية.
–    إعلان السلطات الجزائرية رسمياً أسماء العديد من العناصر الإسلامية المسلحة الذين سبق أن اعتقلتهم الأجهزة الجزائرية وقامت بتسليمهم لأجهزة نظام القذافي.. وقامت قوات المعارضة المسلحة الليبية بتحريرهم من السجون واستيعابهم في فعالياتها العسكرية، ومن أبرزهم القائد الميداني عبد السلام بلحاج الذي قاد عملية اقتحام طرابلس ومنطقة باب العزيزية.
هذا وتقول التسريبات والتقارير بأن عدد الجهاديين الجزائريين المشاركين في فعاليات المعارضة المسلحة الليبية قد بلغ بضعة آلاف، وما هو مخيف للسلطات الجزائرية أن هؤلاء الجهاديين أصبحوا يتميزون بالآتي:
–    الخبرة القتالية العالية في عمليات مواجهة القوات النظامية، وبالذات في شن الهجمات الخاطفة وعمليات التقدم والسريع واقتحام المناطق الحصينة.
–    القدرة على مواجهة الأسلحة والوسائط العسكرية المتطورة، وذلك لان كتائب القذافي كانت تستخدم المزيد من العتاد العسكري المتطور وعلى وجه الخصوص المدرعات والدبابات والراجمات المتطورة..
–    القدرة على المناورة والحركة في المساحات الواسعة، بما يشمل المناطق الساحلية والصحراوية والجبلية، الأمر الذي أتاح لهذه  العناصر المعرفة والإعلام بأساليب القتال الصحراوي والجبلي والساحلي.. إضافة إلى قتال المدن وحرب الشوارع..
تحدثت التسريبات قائلة بأن المسرح الليبي، يشهد في الوقت الحالي عملية تعبئة سلبية فاعله مزدوجة، الأولى تتمثل في جهود تعزيز قبضة النظام الليبي الجديد، والذي تقول التسريبات بأنه سوف يكون إسلامياً، خاصة أن سيطرة العناصر الإسلامية المسلحة على فعاليات العمل العسكري ستدعم جهود صعود العناصر الإسلامية في طرابلس، والثانية تتمثل في عمليات الاستعداد وترتيب الأوضاع لجهة نقل الصراع إلى المسرح الجزائري، وذلك لأن العناصر الإسلامية الجزائرية الكبيرة العدد التي قاتلت إلى جانب المعارضة الليبية، قد أصبحت أكثر حماساً لجهة مواصلة القتال والجهاد في الجزائر، وتقول التسريبات بأن فعاليات هذه  العناصر ستأخذ شكل سيناريو الحرب الجهادية الدائمة، والذي سينتقل قريباً إلى الجزائر، وبعدها سوف يتخطى باتجاه المغرب وموريتانيا.
•    بيئة المسرح الجزائري: حسابات الفرص والمخاطر
من المعروف أن بيئة المسرح الجزائري تتماثل بقدر كبير يصل إلى حد التطابق مع بيئة المسرح الليبي، وفي هذه الخصوص نشير إلى التماثلات الآتية:
–    ليبيا دولة منتجة ومصدرة للنفط والغاز والشيء نفسه بالنسبة للجزائر إضافة إلى تميز البلدين بوجود مخزونات النفط والغاز، مع ملاحظة أن المخزونات الجزائرية تتميز بالضخامة ووفرة الحجم.
–    تقول معطيات الجغرافيا الإستراتيجية، بأن ليبيا تتميز بالمساحة الكبيرة، مع وجود قلب الدولة الحيوي في المناطق الشمالية الساحلية المطلة على البحر الأبيض المتوسط حيث يقيم معظم السكان، وبقية ليبيا عبارة عن جبال صحراء شبه خالية، والشيء نفسه بالنسبة للجزائر..
–    تمثل القارة الأوربية، وتحديداً مناطق جنوب أوروبا السوق الرئيسية لحركة الصادرات والواردات الليبية والشيء نفسه بالنسبة للجزائر..
–    التركيب السكاني الليبي هو عبارة عن خليط يضم ثلاثة مكونات رئيسية هي: القبائل العربية البدوية (في المناطق الساحلية)، القبائل الأمازيغية (في المناطق الوسطى والجبلية)، القبائل الإفريقية (في مناطق التخوم الجنوبية).. والتركيبة السكانية ذاتها موجودة في الجزائر وبذات التوزيع الجغرافي الديمغرافي.
وإضافة لذلك تشير التحليلات إلى أن الساحة الليبية قد شهدت خلال الأعوام الماضية حركة صعود كبيرة في شدة وقوة وحجم تيارات الإسلام السياسي.. وبالنسبة للجزائر فإن صعود حركة الإسلام السياسي أكثر قوة وشدة عن نظيرتها الليبية، وتشير التحليلات مؤكدة أن حركة صعود الإسلام السياسي في ليبيا قد حدثت بالأساس بفعل تأثيرات انتقال العدوى الأصولية من الجزائر.
على أساس اعتبارات معطيات نظرية المؤامرة، تقول المعلومات والتسريبات بأن أجهزة المخابرات الأمريكية والأوروبية الغربية، وبالذات المخابرات الفرنسية والبريطانية تنخرطان حالياً في إعداد التخمينات التي تسعى لمعرفة مدى جدوى إشعال الساحة الجزائرية عن طريق نقل عدوى سيناريو الصراع الليبي للجزائر، وفي هذا الخصوص تشير المعطيات إلى الآتي:
–    إن إشعال الجزائر سوف يتيح التخلص من آلاف العناصر الجهادية المسلحة الموجودة حالياً في ليبيا، وهو أمر سوف يتيح لحفاء الناتو القيام بترتيب الأوضاع في ليبيا دون خوف من مخاطر وجود هذه العناصر.
–    إشعال الساحة الجزائرية وإسقاط النظام الجزائري سوف يتيح إضعاف القدرات الجزائرية، وتحويل الجزائر إلى دولة فاشلة، وهو أمر مهم بالنسبة لفرنسا التي أصبحت أكثر قلقاً على نفوذها في منطقة شمال وغرب إفريقيا من خطر صعود الجزائر إلى مصاف القوى الإقليمية..
–    إشعال الجزائر سوف لن يتيح التخلص من العناصر الجهادية الإسلامية الموجودة في ليبيا وحسب، وإنما التخلص من العناصر الجهادية والأصولية الإسلامية الموجودة في أوروبا والتي ظلت الدوائر الأوروبية تحاول البحث عن منفذ يتيح إخراجها من أوروبا.
هذا، وإضافة لذلك، تميز الجزائر بوجود العديد من الأحزاب الأصولية الإسلامية العميقة الجذور منها على سبيل المثال لا الحصر: الجبهة الإسلامية الجزائرية للإنقاذ –حزب التحرير الجزائري-
يتوقع الخبراء أن يؤدي إشعال المسرح الجزائري إلى حدوث واحدة من أكبر عمليات الإبادة وجرائم الحرب في التاريخ المعاصر، وذلك لأن معطيات خبرة صراع القوات الجزائرية مع الحركات الجهادية المسلحة قد تضمنت خلال الأعوام الماضية المزيد من المواجهات الدامية، والتي نفذت المذابح وعمليات القتل الجماعي خارج النطاق القضائي، وفي حقبة تسعينيات القرن الماضي وقعت أكثر من 15 مذبحة جماعية منها على سبيل المثال لا الحصر مذابح: عين دفله- بطنا- بويرا- بليد- معاسيلا- عوران- شليف …..
وبالتالي، فالأكثر احتمالاً إن لم يكن من المرجح أن يأخذ إشعال المسرح الجزائري طابع العنف السياسي الديني المرتفع الشدة.. وحالياًُ تكمن المشكلة الرئيسية في مدى مصداقية أن تنجح الجهود الفرنسية والأمريكية والبريطانية في تأمين نجاح سيناريو قيام مجلس الأمن الدولي بفرض منطقة حظر الطيران ضد الجزائر عند أول أسبوع لاندلاع العنف.. وهي مصداقية أصبح مشكوكاً فيها خاصة وأن روسيا بدأت تفهم وتدرك جيداً أن أمريكا تسعى لجعل دول الاتحاد الأوروبي تحصل على إمدادات النفط والغاز من ليبيا والجزائر حصراً، الأمر الذي سوف يبطل مفعول مشروعات روسيا الرامية لجهة احتكار تزويد أسواق الاتحاد الأوروبي بالنفط والغاز الروسي، بما يؤدي إلى تبديد أحلام وطموحات الكريملين وزعيمه بوتين وميدفيديف..

نقلا عن: الجمل قسم الدراسات والترجمة 3/9/2011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى