ترجمات أجنبية

الجارديان – مارتن تشولوف -“الميليشيات لا تسمح لنا بالعودة” : السنة يقبعون في المخيمات بعد سنوات من استعادة الموصل

الجارديان – مارتن تشولوف – 24/10/2020

ما لا يقل عن 400 ألف عراقيٍّ ما يزالون رهن الاحتجاز في المخيمات رغم إعلان الحكومة العراقية الانتصار على تنظيم «داعش» واستعادة الموصل منذ سنوات. 

مخيماتٌ رغم انتهاء المعركة

زياد عبد القادر ناصر، الذي كان يمشي باتجاه جامع النوري الكبير بالموصل في ظهيرة صيفية، ليتفاجأ بوصول رجالٍ مسلحين تبدو عليهم هيئة الجدِّ والتزمُّت. دخل ناصر وجيرانه إلى المسجد الذي يعدُّ من أقدم الأضرحة في العراق، وبدأ بعض من هؤلاء الرجال بوضع الكاميرات في الأنحاء، وهو ما تسبب بارتباك المصلين ورواد المسجد الذين اصطفوا في خطوطٍ مرتبة على سجاد المسجد.

يتذكر ناصر ذلك الحدث: «قلت لابني يوسف إن هناك شخصًا مهمًّا سيأتي. كانوا أجانب في أغلبهم»، مضيفًا أنهم أخبروهم بإغلاق أي هواتف بها كاميرات ومن ثم تعطَّلت كل الإشارات. كان المسلحون يصطفون في الشوارع حتى مسافة تصل إلى 500 متر حول المسجد، وأعلن رجلٌ ما أن الخليفة سيلقي خطبة. كانت هذه مقدمات ظهور أبي بكر البغدادي.

حدث هذا الأمر في 4 يوليو (تموز) 2014، ليكون الظهور العلنيَّ الوحيد لزعيم تنظيم «الدولة الإسلامية» قبل عودته للتخفِّي لسنوات، ومن ثم الموت في المنفى العام الماضي. يتحدث التقرير عن أثر هذا الظهور بتوجه عشرات الآلاف من الناس نحو القضية التي أعلنها البغدادي، وكذلك لتسريع تفكيك نسيج سوريا والعراق اللذين ما يزالان يرزحان تحت أثر الدمار والتداعي.

بعد ست سنوات كاملة، ما يزال أكثر من 400 ألف عراقي في مخيمات الاحتجاز في مختلف أنحاء الشمال العراقي، وهم ممن فروا من داعش أو ممن كانوا يعيشون في مناطق استولى عليها المتطرفون، ما يزال هؤلاء ممنوعين من العودة إلى ديارهم، أو أنهم كفُّوا عن المحاولة أصلًا وفقًا لتعبير التقرير. معظم المحتجزين من سنَّة العراق، ممن يخشون أنهم – بعد الانتصار على داعش- لم يعودوا يُعدون شركاء في عراق ما بعد الحرب.

تأوي مخيمات متداعية النازحين في شمال العراق أو المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الإقليمية الكردية. أنشئت المخيمات في عام 2016 لتكون مساكن مؤقتة للفارِّين من القتال في الموصل. استمرَّت المعارك تسعة أشهر، ودمرت أجزاء كبيرة من المدينة والبلدات التابعة لها، وبعد ذلك، استقرت قوات الأمن العراقية والميليشيات الشيعية في المنطقة بعد استعادة المدينة من داعش. يبدو التحول في ميزان القوى تحولًا دائمًا بالنسبة لبعض السكان النازحين من بيوتهم ومناطقهم، والذين يقولون إن لا خيار كان لديهم إلا تقبل حكم داعش أثناء وجوده، وهم يخشون الآن من أن يوصموا بصورةٍ سيئة بسبب ذلك من قبل الطائفة المنافسة لهم.

منذ أن انتهى وجود داعش حتى آخر مناطقه على ضفاف نهر الفرات في مارس (آذار) من العام الماضي، لم يحصل أيُّ تقدم حقيقي في عودة النازحين. في بعض الحالات، مُنعت مجتمعات بأكملها من العودة إلى بيوتها ومناطقها، وفي حالات أخرى كان توحد الميلشيات الشيعية تحت راية وحدات الحشد الشعبي هو العائق الكبير أمام رغبة العودة.

طه صابر صالح، الذي أمضى سنواته الأربعة الماضية في مخيم حسن شام للنازحين في شمال العراق، حيث يقيم آلاف الفارين من القتال في الموصل، والذي يصف الميلشيات بأنهم «موالون لإيران»، مضيفًا: «لن يتحد العراق مرة أخرى حتى تغادر الجماعات الإيرانية البلاد». يقابل التقرير لاجئًا آخر من بلدة باعج الواقعة بين الموصل والحدود السورية، وهو صدام الزنيدي، الذي يؤكد للصحيفة أنه لن يعود إلى دياره أبدًا: «استولت الميلشيات على منزلي، وهم لا يسمحون لأي شخص بالعودة. إنها منطقة استراتيجية لهم، وبالنسبة لي باعج انتهت».

صدعٌ لم يرأب

تبدو بغداد على غير استعداد لمواجهة واجباتها حيال الأعداد الهائلة للنازحين في العراق، والآثار المترتبة على انتماء أغلبهم لطائفةٍ واحدة. وفي هذا السياق، ينقل التقرير تصريح أحد الوزراء البارزين الذي طلب إبقاء هويته مجهولة: «لندع هذا الأمر ينتظر لوقتٍ آخر، تحتاج البلاد إلى إعادة توحيدها ببطء؛ إذ تسببت داعش في الكثير من الفوضى».

ومع ذلك، تحذِّر منظمات الإغاثة والجهات الإنسانية من أن التأخير في إيجاد الحلول قد يخلق صدعًا جديدًا ودائم الأثر في نسيج المجتمع العراقي. ينقل التقرير عن الباحثة الأولى في قسم الأزمات والنزاعات في «هيومن رايتس ووتش»، بلقيس والي، قولها: «الفشل في استيعاب مَن معظمهم من العرب، وكلهم تقريبًا من السنة، سيأتي بتداعياتٍ مدمِّرة على المدى الطويل، فهو يؤسس للمزيد من الغضب والاستياء في بلدٍ يبدو عليه الاستعدادية لشنِّ عقابٍ جماعي وإنزال العقاب بالنساء والأطفال الذين لم يرتكبوا أيَّة جرائم».

فمنذ انتهاء المعارك ضد داعش، وعودة المناطق التي كانت تحت سيطرتهم إلى سيطرة الحكومة العراقية، لم يُفعل الكثير في سبيل تعزيز التسوية. بدلًا من ذلك، ركزت الحكومة على أشياء من قبيل إجراءات الملاحقات القضائية المصممة خصيصًا للانتقام من أيِّ شخص قد ساعد، أو ربما دعم تنظيم داعش بأيِّ شكلٍ من الأشكال.

تتابع والي القول: «على مدى السنوات الأربعة الماضية، أدى هذا التقصير في إعطاء الأولوية للتسوية لأن يحرم الآلاف من الأسر التي يغلب أن يتولَّى أمرها النساء – مع الأطفال الصغار والمراهقين – من العودة إلى ديارهم، وتعرضوا للإقصاء من كل بِنى الدولة. سبق أن ضاعت ثلاث سنوات من الدراسة في عهد داعش على هؤلاء الأطفال، وقد أمضوا الآن سنوات أخرى عدَّة دون أن يقدروا على دخول الفصول الدراسية؛ لأن السلطات ترفض إصدار شهادات ميلادٍ لهم».

وتضيف والي شارحةً مضاعفات هذا الحال: «ليس لديهم إمكانية دخول المستشفيات، ولا تلقِّي أيٍّ من أشكال المساعدة الأساسية التي يحصل عليها جميع العراقيين. حرمانهم من الوثائق والتصاريح الأمنية يمنعهم من دخول أيِّ مبنى حكومي، بما في ذلك مبنى المحكمة لطلب الإنصاف القضائي في حالة تعرُّض منزلهم للاحتلال».

أعرب رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان، مسرور بارزاني، عن قلقه الشديد من «الإخفاقات» في هذا المجال: «للأسف بغداد لم تتحمل أي مسؤولية للاعتناء بهؤلاء الناس. يكلفنا الأمر مليارًا و500 مليون دولار سنويًّا والعراق لا يساهم. ينبغي أن توجد طريقة للتعامل مع هذا»، ومضيفًا أن منح الناس حياة كريمة أثناء بقائهم في المخيمات هو أمر مهم، ولكن «إيجاد مستقبل يصوننا جميعنا» هو أمر بالمستوى ذاته من الأهمية.

بدلاً من الاهتمام بالتسوية، ركزت الحكومة على أمورٍ من قبيل الملاحقات القضائية الانتقامية لمن يحتمل مساعدته أو دعمه لتنظيم داعش.

حقبٌ مظلمة

حجي مضر، وهو يقف بجوار أنقاض مسجد النوري الذي فجره داعش في يونيو (حزيران) 2017 أثناء معركة الموصل. يوزع الحاج مضر زيت الطهي والطحين الذي توفره الحكومة للسكان المحليين، ويقول إن عودته إلى المدينة خلت من الترهيب. على الجانب الآخر من الطريق، يبدو العمال وهم يستعدون لإعادة بناء مئذنة المسجد بتبرعاتٍ من اليونسكو والإمارات. يعقِّب حجي مضر: «كان ظهور البغدادي حقبةً مظلمةً لكن مهمة في تاريخ العراق المأساوي».

يتفق هذا مع رأي مدير المركز الدولي لدراسة التطرف في جامعة كينجز كوليدج لندن، شيراز ماهر، والذي يرى أنها كانت لحظة حاسمة في صعود الجماعة الإرهابية وسقوطها: «جزء من الأساطير المحيطة بمفهوم الخليفة أن يكون معروفًا على مستوى علنيٍّ وليس مخفيًّا أو محتجبًا بطريقة ما. هذا بالضبط ما كان يفعله البغدادي عند ظهوره على منبر مسجد النوري لإعلان الخلافة. كان الأمر عبارة عن عرض مسرحيٍّ دراميٍّ ومُعدٍّ بعناية، وتحدٍّ سافر، يظهر رجل يتولى زمام القيادة في منطقته».

بيد أن ذلك الظهور العلنيَّ لم يكن بالضرورة مثيرًا للاطمئنان كما أُريد له، يعلِّق ناصر متذكرًا ذلك اليوم: «كنت في الصفِّ الأمامي، وكان بجانبي رجل يشبهه تمامًا، حتى إنه كان يرتدي العباءة نفسها. عندما أنهى البغدادي الخطبة، خرج هو وشبيهه. في الخارج، كانت أربع سيارات لاندكروزر بالانتظار، وقد ذهبت كلٌّ منها في اتجاهٍ مختلف».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى