ترجمات أجنبية

الجارديان- بقلم ريبيكا سولنيت – كان العنف في مبنى الكابيتول محاولة انقلاب. يطلق عليه هذا

الجارديان  – بقلم  ريبيكا سولنيت – 7/1/2021

أنا أسميها محاولة انقلابية ، لأنني على الرغم من أنني أفترض أنها لن تمنع رئاسة بايدن ، إلا أنها نية بالتأكيد

محاولة لانتهاك الدستور وتجاوز إرادة الناخبين

إنه في يوم الأربعاء، قاد رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب محاولة انقلاب. وفي التفاصيل ذكرت أن مجموعة من الغوغاء اليمينيين المؤيدين لترامب حاولوا الانقلاب على نتائج الانتخابات من خلال القيام بأعمال شغب عنيفة أدَّت إلى اقتحام مبنى الكونجرس، المقر الرئيس للسلطة التشريعية الاتحادية في الولايات المتحدة الأمريكية.

وعطَّل المقتحمون المبنى الواقع في العاصمة واشنطن الإجراءات التي كانت ستُكمِل الاعتراف بانتخاب جو بايدن ونائبته كمالا هاريس. وكانت هذه الإجراءات قد تعطَّلت في وقت سابق من جانب المسؤولين المُنتَخبين الذين عبَّروا عن مزاعم سيئة النية مفادها أن الانتخابات لم تكن مشروعة وينبغي بدلًا من ذلك أن تسفر عن استمرار رئاسة ترامب.

وهذه أيضًا كانت محاولة انقلابية، باعتبارها محاولة لانتهاك الدستور وتجاوز إرادة الناخبين في هذه الانتخابات. ومن ثم، أصبح المسؤولون داخل الكونجرس الأمريكي والمتظاهرون خارجه وجهين لعملة واحدة، وقد حرَّض كلاهما على ذلك زعماءُ الحزب الجمهوري والرئيسُ الأمريكي ترامب.

وما كان للغوغاء خارج المبنى أن يتجمَّعوا ويحتشدوا من دون تحريض السياسيين (الرافضين للنتائج) في الداخل. ورغم أن هؤلاء السياسيين سيعبرون عن فزعهم ويتبرؤون مما حدث، إلا أنهم في الحقيقة يتحملون مسؤولية عما يجري.

لو اعترف ميتش مكونيل، زعيم حزب الأغلبية (الجمهوري) في مجلس الشيوخ، وزعماء جمهوريون آخرون بالفائز الشرعي في الانتخابات الرئاسية التي جرت في أوائل شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، ولو لم يكن هناك تحدٍ لانتخاباتٍ شرعية من داخل الحكومة، لما كان هناك غوغاء (خارج الكونجرس).

ولكن لأنهم فشلوا في قمع عدد كافٍ من الناخبين للتصويت لصالحهم لضمان فوز الحزب الجمهوري بالرئاسة، قرر الحزب الجمهوري وإدارة ترامب أن يحاولوا قمعهم بأثر رجعي. ودعا ترامب الغوغاء وشحَنَهم وأثار حنقهم طوال أشهر ثم أطلقهم اليوم، ليصبح بكل تأكيد كمَنْ أشعل فتيل قنبلة وألقاها.

اقتحام الكونجرس محاولة انقلابية مكتملة الأركان

في ضوء ما سبق، تصف الكاتبة ما حدث بالأمس بأنه محاولة انقلابية، ورغم أنها تفترض أنها لن تمنع بايدن من الجلوس على كرسي الرئاسة، إلا أن تلكالمحاولة عمدت إلى ذلك بالتأكيد وتُعد جزءًا من حملة لنزع الشرعية وإضعاف الإدارة القادمة تبعًا لذلك.

لقد مر وقت طويل في الإعداد لهذا الأمر، وطوال سنوات ظل الغضب الأبيض يتراكم ويتكدس، وخاصة غضب الذكور البيض الذي يغذيه الجميع بدءًا من ترامب نفسه إلى الاتحاد القومي الأمريكي للأسلحة، مرورًا بقناة فوكس نيوز، ومختلف النقاد اليمينيين، والحزب الجمهوري، والشخصيات المختلفة المؤيدة لتفوق البيض، وانتهاءً بالجماعات اليمينية المتطرفة مثل جماعة Proud Boys (براود بويز أو الأولاد الفخورون).

وهذا الغضب يعارض حقيقة مؤدَّاها أن الأشخاص الآخرين ربما يكونون متساوين بموجب القانون، وأن النساء والأشخاص الملونين ربما يحكمون أيضًا عندما يبدأ توزيع السلطة على نحو أكثر مساواة، وهو الغضب نفسه الذي حاول نزع الشرعية عن رئيس أسود (باراك أوباما) بدعوى أنه لم يولد في الولايات المتحدة، وهو بذلك لم يكن مؤهلًا ويجب عرقلة ترشحه لمنصب الرئيس. إنه غضب ضد المساواة.

هل يدرك ترامب المعنى الحقيقي للديمقراطية؟

إن الديمقراطية عبارة عن مجموعة من الاتفاقيات لاتخاذ القرارات معًا واحترام النتيجة سواءً أعجبك ذلك أم لا. أما العنف الذي رأيناه في مبنى الكابيتول هيل، فيُعد عملًا استبداديًّا، وهو وسيلة لمحاولة إجبار الآخرين على الخضوع لإرادة الجناة.

ويأتي هذا العنف من جانب الرجال البيض الذين كانوا لمدة طويلة الأشخاص الوحيدين الذين يتمتعون بالسلطة في هذا البلد ويتخيلون أنفسهم قد أصبحوا غرباء مهمشين ومضطهدين، لأن الآخرين ربما أصبح لديهم أيضًا قوة وصوت.

ورأينا هذا النوع من الرجال في الصيف الماضي، عندما غزوا العاصمة ميتشيجان وهم يحملون بنادق نصف آلية، وشاهدناهُم مرةً أخرى عندما اُلقي القبض على حفنة منهم بتهمة التآمر لاختطاف حاكم ميتشيجان جريتشن ويتمير. ورأيناهُم أيضًا في عمليات إطلاق نار عنصرية من حدود تكساس إلى الكنيس اليهودي في ولاية بنسلفانيا.

إن هذه المحاولة الانقلابية تشكلت من خلال أيديولوجية العنف غير المقيدة التي رأيناها مرارًا وتكرارًا، في عمليات إطلاق النار الجماعية التي أصبحت قاعدة في أمريكا خلال القرن الحادي والعشرين، والمبالغة في حيازة البنادق والدفاع عن حقوق حمل السلاح؛ الأمر الذي جعل آلات القتل والموت شائعة للغاية، إلى درجة أن الوفيات الناجمة عن استخدام السلاح فاقت مؤخرًا الوفيات الناجمة عن حوادث السيارات وهي أحد الأسباب الرئيسة للموت في أمريكا.

أثناء كتابتي لهذا المقال، كنتُ أسمعُ زعيمًا جمهوريًّا يقول على شاشة التلفزيون: «تذكروا أننا حزب القانون والنظام»، وبالطبع فإن أعمال الشغب الجارية في مبنى الكونجرس خارجة عن القانون بالمعنى الحرفي تمامًا للكلمة، ولكن «القانون والنظام» بوصفه شعارًا يمينيًّا يعني أنهم أنفسهم القانون ويفرضون نسختهم الخاصة بالنظام.

إن الاستبداد يعني دائمًا أيديولوجية عدم المساواة (الظلم): فأنا أضع القواعد، وأنت تلتزم بها، وأُغيِّرها حسب الرغبة وأعاقب أولئك الذين لا يطيعونها، أو من أشعر أنهم لا يطيعونها، لمجرد أنني أستطيع ذلك. وتنقل الكاتبة عن الكاتب والعالم السياسي، فرانك ويلهويت، ما قاله ذات مرة: «إن (الأيديولوجية) المحافِظة تتمثل في قضية واحدة بالضبط… يجب أن يكون هناك مجموعات داخلية يحميها القانون ولكن لا يَلزمُها احترامه، إلى جانب جماعات خارجية يَلزمُها احترام القانون ولكن من دون أن يحميها هذا القانون».

أنصار ترامب يبرهنون على أنهم غير ملتزمين بأي شيء وأنهم يتوقعون الحصول على كل شيء يريدونه. إن استخدامهم لكلمة الاستحقاق يجافي تمامًا أي وصف مؤدب لتلك الحالة.

ترامب يتخبط

نتيجة الانتخابات هي التي على المحك في أمريكا اليوم. ولكن لا ننسى أيضًا سيادة القانون وحقوق الناخبين. وفي النهاية، يتعلق الأمر أيضًا بسلطة الحقائق والأدلة والتاريخ والعلوم، إذ لا يحق لأحد تجاوز هذه الأشياء لتحقيق مكاسب شخصية. ولطالما كان موقف ترامب أنه على وجه الخصوص لديه هذا الحق. ووصل الأمر اليوم إلى ذروته وأصبح أزمة عندما خرَق الغوغاء إجراءً ينص عليه الدستور للانتقال السلمي للسلطة.

وكان مقدرًا أن هذا سيحدث دائمًا، لأن سلطة ترامب كانت دائمًا محدودة في المدى والمدة بموجب القانون، ونظرًا لأنه يريد أن تكون هذه السلطة غير محدودة، فقد كان دائمًا في حالة حرب مع القانون، وكان دائمًا لديه جيش متطوع مستعد لمساعدته على أخذ تلك السلطة. واليوم يتصرف هؤلاء باعتبارهم جيشًا، أو قوة محتلة معادية في عاصمة البلاد. هذا ما أراده وهذا ما دبَّره وهذا ما وصلنا إليه.

ترامب كان أكبر كاذب عام شهدته أمريكا على الإطلاق، وكانت أكاذيبه جزءًا أساسيًّا من سلطويته، ورفض التقيد بالحقائق، بل وحتى الحقائق المتعلقة بما قاله أو فعله في اليوم السابق. وفي هذا السياق، طالب برواية موازية يرددها إذا فاز في الانتخابات وأرسى فيها أيضًا الأساس قبل مدة طويلة للادِّعاء، إذا خسر، فسيكون الأمر (التصويت) غير شرعي، كما فعل في عام 2016.

وفي مقطع فيديو مسجل يوم الأربعاء، طالب ترامب الجمهور بالعودة إلى ديارهم قائلًا: «نحبكم»، لكنه عاد مجددًا للتأكيد على أن الانتخابات سُرِقت، وهذا في المقام الأول هو سبب وجودهم أمام مبنى الكونجرس (الكابيتول). ويبدو أن ابنة الرئيس إيفانكا ترامب حذفت تغريدة لها وصفت فيها المقتحمين للمبنى بـ«الوطنيين الأمريكيين».

السيناريو الأمريكي المزعج

إن آل ترامب وأنصارهم في السلطة سينكرون أسوأ ما حدث ويتظاهرون بالدهشة من وقوعه في الوقت الذي يواصلون تغذيته وإذكاءَه. لقد أدَّى الحديث غالبًا حول ما كان يحدث على مدار الأشهر العديدة الماضية -داخل الحزب الجمهوري- إلى التوصُّل إلى ثنائية خاطئة مفادها إما أن يكون لدينا انقلاب ناجح نسرق فيه الانتخابات، أو يكون لدينا انقلاب فاشل، ولكن هناك شيء خبيث تحقق بينهما: وهو نزع الشرعية عن العملية الديمقراطية والإدارة القادمة.

وفي هذه الحالة الفاصلة، يظل مؤيدو ترامب يعدُّون زعيمهم وأنفسهم فوق القانون وأنه يحق لهم تطبيقه على النحو الذي يرونه مناسبًا، وعلى أساس أن أي حقائق يستمتعون بها أكثر من غيرهم. إنهم يبنون واقعًا منفصلًا ويبدو أنهم يرغبون في حكومة ظل تحاصر الحكومة الشرعية وتقوِّضها. واليوم، رأينا ذلك يحدث عمليًا.

(براود بويز) أو «الأولاد الفخورون» (Proud Boys) هي جماعة يتشكل جل أعضائها من الذكور فقط، وتعد مناصرة للأيديولوجية الفاشية الجديدة ومؤيدة لتوجهات ترامب، كما تروج وتشارك في العنف السياسي في الولايات المتحدة، وينتمي عديد من أعضائها إلى جماعات سيادة العرق الأبيض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى