التقارب التركي الباكستاني.. أهدافه ومستقبله
موقع الوقت ٩-٤-٢٠١٨م
الوقت- “مرفأ كراتشي الباكستاني” في السابع من شهر أبريل/ نيسان الحالي؛ رست سفينة حربية تركية حملت على ظهرها موظفين عسكريين أتراك وكان في استقبالهم ضباط عسكريون باكستانيون، ووفقاً لمسؤولين باكستانيين، يُعتبر وصول السفينة الحربية التركية خطوة فعّالة نحو تعزيز العلاقات الدفاعية بين البلدين، حيث تقوم أنقرة ببناء غواصات وإرسال طائرات هليكوبتر إلى باكستان، كما تتطلع تركيا إلى شراء الطائرات من باكستان.
وبشكل عام؛ فإن العلاقات بين إسلام آباد وأنقرة خلال السنوات الأخيرة شهدت تطوراً كبيراً في عدّة مجالات كالمجال الاقتصادي والعسكري أيضاً، لكن ما ينبغي أخذه بعين الاعتبار هو أهداف هذا التعاون العسكري بينهما؟ وما هي أهداف ودوافع البلدين وكيف ستكون هذه العلاقات المستقبلية؟.
الأرضية السياسية والأمنية
بعد أحداث 11 سبتمبر انتهى البلدان إلى أن الإرهاب يشكّل تهديداً مشتركاً لهما، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى إرباك علاقاتهما الاقتصادية، ومن أجل إقامة علاقات تجارية واقتصادية جيّدة، لا بدّ من وجود الاستقرار والسلام في المنطقة، وهذا الاستقرار يصب في مصلحة البلدين.
وبناءً عليه؛ اتحدت التجربة المشتركة لكل من باكستان وتركيا مع الغرب والولايات المتحدة وخاصة في الحرب ضد الإرهاب، لكن وبعد أحداث 11 سبتمبر بدا واضحاً أنّ للولايات المتحدة مصالحها الخاصة والتي تمثّلت في تعريفها الخاص للإرهاب ومقاومته، وباتت ترى واشنطن أنّ مصالحها لا تتوافق بالضرورة مع مصالح تركيا أو باكستان، ليتحول الأمر إلى وجود اضطرابات وحالة من عدم الاستقرار في المنطقة، الأمر الذي أضرّ بمصالح أنقرة وإسلام أباد ولا سيما في مجالي التجارة والسياحة، وفي السياق ذاته فإنّ محاربة الإرهاب أيضاً بررت الوجود الأمريكي في المنطقة.
أكثر من ذلك؛ وصف أردوغان باكستان بأنها البيت الثاني للأتراك، وصفه هذا انعكس عملياً على الأرض من خلال تشكيل مجلس التعاون بين البلدين والذي أنشئ في العام 2009، وتمّ ترقيته لاحقاً إلى مجلس الشراكة الاستراتيجية الذي يعكس إرادة البلدين في تعميق العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، وخلال القمة الخامسة للمجلس المذكور والتي عُقدت في 23 فبراير 2017 في أنقرة، وبحضور رؤساء وزراء البلدين، تم توقيع 60 اتفاقية للتعاون بين البلدين.
الأرضية الاقتصادية
وفي نوفمبر من العام 2017، عقد مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركية “Deik” اجتماعات في إسلام أباد برئاسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكان الموضوع الرئيسي الذي نوقش في هذا الحدث هو إمكانية التعاون الثنائي في مشاريع الطاقة والدفاع والزراعة والبنية التحتية، وفي كلمته أكد أردوغان على العلاقات القوية بين تركيا وباكستان مُعبراً عن توقعاته بعلاقات اقتصادية أعمق بين البلدين. في المقابل؛ أيّد الرئيس الباكستاني نواز شريف أيضاً كلمات أردوغان، واعداً بدعم المستثمرين الأتراك في بلاده.
تقارير إعلامية قالت إنّ حجم التجارة بين البلدين قبل عام 2010 بلغ حوالي 690 مليون دولار، وهو أمر غير مثير للاستغراب وليس ذا قيمة تُذكر، وفي عام 2010 وصل هذا الرقم إلى مليار دولار، وكانت إحدى العقبات التي تعترض سبيل هذه التجارة المحدودة في الماضي، افتقار البلدين إلى الحدود المشتركة، حيث كانت تعتبر أفغانستان واحدة من جسور التجارة بين البلدين، غير أنّ انعدام الأمن هناك أثّر على التجارة بين أنقرة وإسلام أباد.
أحد أسباب التقارب أيضاً أنّ باكستان وتركيا يعتبران أنّ تحقيق الاستقرار في المنطقة من شأنه أن يصبّ في مصلحتهما ولا سيما فيما يختصُّ بالتجارة بين البلدين، وبالإضافة إلى ذلك حاولت تركيا مراراً الاستثمار في باكستان من خلال القطاع الخاص، إذ تعتبر باكستان، تركيا نموذجاً اقتصادياً ناجحاً ومرغوباً به، حيث تنظر الأحزاب الإسلامية المختلفة في باكستان بشكل إيجابي إلى العلاقات الثنائية بين البلدين، ومن ناحية أخرى فإنّ باكستان تعتبر أنّ تركيا تمتلك نموذجاً إسلامياً واقتصادياً ناجحاً، الأمر الذي دفع إسلام أباد إلى اتخاذ النموذج التركي واعتباره نموذجاً اقتصادياً غير ضار في البلاد.
مستقبل العلاقات التركية الباكستانية
وبالنظر إلى التغييرات التي حدثت في المنطقة خلال العقد الماضي والتي أصبحت أكثر حدّة في السنوات الأخيرة؛ فإن التنافس بين بعض دول المنطقة بالإضافة إلى التوترات والاضطرابات في أفغانستان وسوريا واليمن وفلسطين، دفع تركيا وباكستان إلى اتخاذ استراتيجية “احمي نفسك” من هذه الموجات، وتحديداً في العلاقات الاستراتيجية على المدى الطويل.
والآن أدركت الدولتان الحاجة إلى مواصلة علاقاتهما في المستقبل، الأمر الذي يصبُّ في مصلحة البلدين من الناحية الجيوسياسية، كما أنّ قضية مكافحة الإرهاب باتت تُشكل مجالاً للتعاون بين مختلف الأطراف.
ختاماً؛ وبالنظر إلى أن بلدان المنطقة اقتنعت بأنّ الولايات المتحدة باتت تسعى مؤخراً إلى التكلفة المنخفضة، نجد أن شبح فراغ السلطة يُخيّم على المنطقة، حيث إنّه إذا اختار بلدٌ ما أن ينفرد بالسلطة من جانب واحد، فمن الأرجح أن يكون معزولاً، واحتمال إنشاء تحالف ضده سيكون أكبر، وهنا يبرز التعاون الإقليمي، وذلك بسبب استمراريته، حيث من الممكن أن يكون بديلاً عن الاعتماد على القوى العابرة للحدود، وبناءً عليه فإنّ الدولتين اللتين عانتا من ضرر الاعتماد على تلك القوى العابرة للحدود ستحاولان تقليل الاعتماد على تلك القوى مقابل زيادة التعاون الإقليمي.