#شؤون إسرائيلية

التصنيف الائتماني لاسرائيل والامن القومي

 بقلم  شموئيل ايفن – 28/8/2018

الاقتصاد هو أحد العواميد الفقرية للامن القومي والتصنيف الائتماني هو أحد المقاييس لحصانته. فالتصنيف الائتماني للدولة هو مؤشر، من ناحية شركة التصنيف، يستهدف تقدير معقولية قدرتها على الايفاء بتسديد ديونها المالية وفقا لشروط القروض (بشكل عام شهادات الدين التي اصدرتها). كلما كان التصنيف أعلى هكذا يسهل على الدولة تجنيد القروض، وبفائدة أقل. اما شركات التصنيف فهي شركات تجارية، يفترض أن تكون موضوعية. وشركات التصنيف الدولية البارزة، التي تصنف الاقتصاد الاسرائيلي ايضا هي: Fitch, S&P,. Moody’s وتكون الفوارق في التصنيفات التي تصدرها هذه الشركات في الغالب طفيفة.

لقد رفعت شركة التصنيف الائتماني S&P في 4 آب 2008 التصنيف الائتماني لاسرائيل درجة واحدة – من مستوى A زائد الى AA ناقص مع أفق مستقر (Stable). وهذا تصنيف ذروة بالنسبة للماضي. قبل عقد كان التصنيف الائتماني لاسرائيل A، وقبل عقدين A ناقص وقبل ثلاثة عقود BBB ناقص (مستوى التصنيف الادنى في مجموعة التصنيف للاستثمارات الثابتة). بمعنى ان مكانة اسرائيل تحسنت مع السنين حتى وصلت الى هذه الذروة. وحسب شركة التصنيف، فان “اقتصاد اسرائيل هو  اقتصاد مزدهر، حديث ومتنوع مع معدلات نمو عالية نسبيا”. في إطار الاستعراض اشير ايجابا الى معدل البطالة، الذي يوجد في درك اسفل تاريخي (4.2 في المئة)، تطورات في اقتصاد الغاز  الطبيعي، وقوة المؤسسات الاقتصادية في اسرائيل رغم الساحة السياسية المنقسمة.

العلامة الاعلى في سلم التصنيف في شركة S&P هي AAA والادنى هي D . ومن الدول التي تحظى بتصنيف AAA هي سويسرا، المانيا، هولندا، السويد، كندا، استراليا وسنغافورة. في تصنيف AA زائد تأتي الولايات المتحدة وفنلندا. وفي تصنيف AA تأتي ضمن آخرين انجلترا، فرنسا، كوريا الجنوبية، بلجيكيا والكويت. في تصنيف AA ناقص وفي صف واحد مع اسرائيل تأتي تايوان، استونيا، تشيكيا وقطر. تحت اسرائيل تأتي: اليابان (+A)، ايرلندا (+A)، ايسلندا (A)، السعودية (-A)، المكسيك (+BBB)، ايطاليا (BBB)، وغيرها.

يتم التصنيف أساسا وفق سجل الالتزام بتسديدات الدين والمقاييس الاقتصادية، التي على رأسها النسبة بين الدين العام والناتج. نسبة الدين – الناتج في اسرائيل بلغت في العام 2017 نحو 61 في المئة، مقابل نحو 75 في المئة في العام 2009. وانخفاض متعدد السنين في نسبة الدين – الناتج ينبع اساسا من ارتفاع كبير في الناتج الاسرائيلي. والدين العام ارتفع هو الاخر ولكن بنسبة أدنى من ارتفاع الناتج (في العام 2017 كان الدين عال إسميا بنحو 25 في المئة مما في العام 2009). وحسب تقدير S&P، فان اقتصاد اسرائيل سينمو في العام 2018، بمعدل 3.6 في المئة (مقابل 3.3 في المئة في العام 2017)، في العام 2019 بمعدل 3.3 في المئة، وفي العام 2020 بمعدل 3.2 في المئة، وفي العام 2021 بمعدل 3.1 في المئة. وبتقدير S&P، فان نسبة الدين – الناتج ستواصل الانخفاض في السنوات القادمة.

المعنى المباشر للاقتصاد: رفع التصنيف الائتمان لاسرائيل سيحسن قدرتها على تحقيق شروط تمويل افضل لديونها الخارجية. هذا الرفع كفيل بان يحسن ايضا تصنيف الشركات في الاقتصاد، والتي  سد تصنيف الدولة طريقها امام رفع تصنفيها في العالم، ومن هنا يحسن ايضا قدرتها على تجنيد القروض في الخارج. واشارت محافظة اسرائيل، كرنيت بلوغ الى أن “قرار S&P لرفع التصنيف الائتمان لاسرائيل يعكس ثقة المؤسسات الدولية في السياسة الاقتصادية للحكومة وفي السياسة النقدية لبنك اسرائيل”. ويتوقع وزير المالية موشيه كحلون بان رفع التصنيف سيوفر على اسرائيل نفقات تمويل مليارات الشواكل، التي ستوجه الى الوزارات الاجتماعية. ومع ذلك يعتقد الاقتصاديون بان التحسن في كلفة التمويل سيكون محدودا لان الوضع الجيد نسبيا في اسرائيل في هذا المجال بات محسوبا منذ الان لدى السوق المالية حتى قبل هذا البيان، واضافة الى ذلك متوقع ارتفاع في الفوائد في العالم، مما سيجعل من الصعب تقليص كلفة التمويل للدول بشكل عام. كما أن استمرار عملية تخفيض نسبة الدين – الناتج تستوجب استمرار سياسة مضبوطة من ناحية النفقات العامة ايضا.

صحيح أن التصنيف يقوم أساسا على مقاييس اقتصادية معينى، ولكن شركات التصنيف تعترف بذلك بان الاقتصاد لا يقف بحد ذاته وهو متعلق بباقي عناصر الامن القومي. فالى جانب المعطيات الاقتصادية، فقد اخذ بالحسبان في تقرير شركة S&P ايضا الوضع الامني والوضع الداخلي في اسرائيل. وحسب S&P فان التعرض العالي للمخاطر الامنية يثقل على التصنيف الائتمان لاسرائيل. بمعنى أن اسرائيل حظيت بتصنيف عال بسبب الاداء الاقتصادي الاستثنائي، وذلك رغم المخاطر الامنية الشاذة.

يعكس هذا الامر ايضا نجاح جهاز الامن في السماح لنمو اقتصادي  مستقر، في ظروف امنية غير مستقرة. مثال ملموس على ذلك هو مساهمة منظومة القبة الحديدية في استمرار اداء الاقتصاد الاسرائيلي في ضوء نار الصواريخ من قطاع غزة ولا سيما في عهد حملة الجرف الصامد (50 يوم من القتال). يوضح هذا المثال بان نفقات الامن في اسرائيل، ولا سيما في الحرب غير المتماثلة، ليست بالضرورة معاملا لنفقات العدو الامنية، بل لشدة الضرر المباشر وغير المباشر (خسارة الناتج) الذي من شأن العدو أن يتسبب به، أي “ثمن عدم الامن” لاسرائيل. ونشدد هنا على أن قدرة الاقتصاد على الاداء في اوضاع المواجهة العسكرية منوطة بقدر كبير ايضا بطبيعة المواجهة.

ان التصنيف الجديد هو علامة ذات قيمة لاقتصاد اسرائيل وصورته. ولكن لا مجال للتباهي به اكثر مما ينبغي. صحيح أن التوقع الاقتصادي يتجه  نحو استمرار وتيرة النمو العالية في السنوات القادمة، مقارنة بالدول المتطورة، ولكن وتيرة النمو من المتوقع أن تقل. كما ان التصنيف لا يعكس مقاييس اقتصادية – اجتماعية، مثل توزيع الثراء ومداخيل الدولة، والتي تصنف فيها اسرائيل في درجة متدنية مقارنة بدول الـ OECD. واستمرار ميل النمو في الاقتصاد الاسرائيلي للمدى الابعد يستوجب منذ الان معالجة جذرية للمشاكل الاساس وعلى رأسها المشاركة المتدنية في قوة العمل وانتاجية العمل المتدنية لقسم هام من السكان، العبء الهائل على البنى التحتية للمواصلات في الدولة (البارز سلبا في الـ OECD، البيروقراطية الزائدة، الفوارق في جهاز التعليم والتركيز الزائد للسكان والاملاك الاقتصادية في وسط البلاد. الى جانب ذلك، مطلوب استمرار تطوير محركات نمو الاقتصضاد اسرائيلي وعلى رأسها قطاع التكنولوجيا العليا، ووجود مستوى أمن عال، يعبر عن نفسه بتهدئة امنية او في تقليص تأثير الاحداث الامنية على الاقتصاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى