البروفيسور آريه الداد يكتب – ماذا يعرف الخبراء
معاريف 16/10/2018، بقلم: البروفيسور آريه الداد
السولار هو منتوج نفطي يستخدم لتحريك محركات الديزل. وهو يتشكل من سلسلات طويلة من الكربونات، حيث في كل سلسلة 10 – 15 ذرة كربون و22 – 32 ذرة هيدروجين. يطلق لتر السولار في ساعة اشتعال نحو 8600 سعر حراري. بعد مراجعة عدد من كتب الكيمياء، الويكيبيديا والتشاور مع خبير في مجال الوقود، يمكنني أن أقول أن ليس للسولار أي استخدام لاغراض اطفاء النار. بل العكس.
ومع ذلك، فان “محافل الامن” توصي الحكومة بتوريد الوقود للقطاع. وهي تصر على أن ضخ الوقود الى القطاع سيدفع حماس الى تخفيض مستوى اللهيب. فهم سيتوقفون عن اطلاق البالونات الحارقة والمتفجرة، سيمنعون “المظاهرات” على الجدار ولن يوفروا لمخربيهم المواد المتفجرة ومقصات الأسيجة لاقتحام الجدار. هؤلاء الخبراء الامنيون أنفسهم واثقون من أنهم يفهمون جيدا دوافع زعماء حماس في غزة، ولهذا فانهم يضغطون على الحكومة كي تتلقى المال من قطر لمضاعفة كمية السولار المنقول الى القطاع.
واذا كان هذا ما يعتقده “الخبراء” من الجيش، من الاكاديميا، وربما ايضا من أذرع الامن السرية عندنا – فليس سهلا أن يوجد الزعيم الذي يضرب على الطاولة ويقول لهم إنهم يقولون هراء وأن يطيروا من أمام عينيه ويعودوا مع افكار افضل. لأن السولار لا يطفيء النار، وبالتأكيد ليس في خزانات الوقود لدى حماس.
يمكن للمرء أن يدهش اذا تبين أن هؤلاء لم يكونوا هم الخبراء أنفسهم الذين شرحوا لاسرائيل على الاطلاق، ولاعضاء لجنة الخارجية والامن في الكنيست بشكل خاص، كيف سيحسن فك الارتباط عن غزة وضعنا الامني. ولعلهم هم أنفسهم “الخبراء الامنيون” أو من حل محلهم ممن أثبتوا لنا لماذا يتعين على اسرائيل “أن تستغل نافذة الفرص” وتصل الى اتفاق مع الاسد على الانسحاب من هضبة الجولان. عندما تسرحوا من الجيش الاسرائيلي أقاموا مراكز بحوث اكاديمية، وهم اليوم ينتجون أوراق مواقف جديدة صبح مساء، وفيها خطط مفصلة لكيفية تنفيذ انسحاب أحادي الجانب من يهودا والسامرة حتى بلا اتفاق، بلا أمل في اتفاق، بلا شريك للسلام. انسحاب أحادي الجانب. هم هناك ونحن هنا. مثلما في… غزة. نعم؟ مثلما في غزة.
ولا يمكننا ألا نتذكر ما قاله البرت آينشتاين في أن الجنون المطلق يتمثل في محاولة تكرار العمل إياه المرة تلو الاخرى على أمل أن تكون النتيجة في المرة التالية عما كانت في المرة السابقة.
الانسحاب من جنوب لبنان، الذي جعل حزب الله جيشا مسلحا بأكثر من 100 ألف صاروخ قادرة على أن تصل الى كل نقطة في البلاد، لم يعلمهم شيئا. فك الارتباط، الذي جعل قطاع غزة قاعدة ارهاب كبرى ترتدع اسرائيل من سحقها، لم يعلمهم شيئا. وليس لهم ما يخجلون به. وليس فيهم احساس. وهم لا يتعلمون درسا من الاخطاء الكارثية للخبراء المشابهين ممن أيدوا بحماسة ايضا جلب عرفات وجيشه من القتلة الى البلاد، كي يقاتل هؤلاء حماس بدلا منا.
وها هم اليوم يحاولون أن يبيعوا لنا هذه الاساليب الغبية، في أننا اذا ضخخنا سولارا اكثر الى القطاع – فستهدأ الخواطر. وأننا اذا انسحبنا من يهودا والسامرة – فسنتحرر من المشكلة العربية.
إنهم يفشلون المرة تلو الاخرى لأنهم يحللون السلوك المتوقع للعدو بأدواتهم المنطقية. وهم يقنعون أنفسهم ويقنعون زعماء اسرائيل بأن الوضع في غزة رهيب بحيث أن ليس للغزيين ما يخسرونه، وأن حماس نفسها تشعر باليأس الرهيب الذي جلبته على سكان غزة ولهذا فمن اجل أن تتمكن حماس من أن تتحكم بمستوى اللهيب – فان علينا أن نحل الازمة الانسانية. ولهذا فان منطق الخبراء يقول إننا اذا وفرنا السولار، فان الغزيين سيتوقفون عن محاولة احراقنا.
المشكلة هي بالطبع أن المنطق الذي يوجه زعماء غزة ليس هو المنطق الذي يوجه الزعماء في العالم الغربي. لأن لهم اهدافا عليا ايديولوجية ليست هي رفاه مواطنيهم. وأن الرغبة في ابادة اسرائيل، وسفك دمائنا، واستنزافنا الى أن نمل ونرحل – هذه الرغبة تفوق المنطق الديمقراطي الغربي. إن تجاهل القوة الايديولوجية التي تحرك حزب الله، حماس، فتح وباقي الاعداء المجرمين – تدفع “خبراءنا” المرة تلو الاخرى لأن يفرضوا منطقهم على أعدائنا، واغتصاب الواقع – لا أن يتحملوا أي مسؤولية حين تتحطم فرضياتهم على الواقع العربي. لعل خبراؤنا يفهمون العربية، ولكنهم لا يفهمون العرب.