شؤون فلسطينية

الانتخابات الفلسطينية : الضرورة والاحتمالات والتداعيات

بقلم الدكتور عماد البشتاوي  *- 27/9/2020

تعود هذه الأيام نغمة جديدة و متجددة حول الانتخابات الفلسطينية , وكأنها المنقذ و المخلص للمشروع الوطني . هل هي الحل أم المدخل إلى الحل ؟ أم أنها الهروب إلى الأمام ؟

أسئلة ملحة كثيرة وكبيرة تتمحور حول الانتخابات الفلسطينية القادمة – إن جرت و اكتملت – من حيث توقيتها و ضرورتها و تداعياتها .

ما بين الاتفاق على الانتخابات و استصدار مرسومها و إجرائها و استيعاب نتائجها و تداعياتها, نحن بحاجة إلى سنة على أقل تقدير . هل نحن نعيش حالة من “ترف” الوقت للقيام بهذا “الاستحقاق ” ونحن نواجه ما نواجه من تسارع خطير يعصف بقضيتنا , بل و بوجودنا و كينونتنا ,من محاولات إسرائيلية أمريكية و صهيونية عربية.

ان الأولوية للمشروع الوطني الفلسطيني صياغة برنامج وطني نضالي منطلقاً من الوقع الفلسطيني و العربي , معتمداً على قواه و إمكانياته الذاتية مثلما فعل في الانتفاضة الأولى, التي شكلت نموذجاً يحتذى لحركات التحرر في العالم , من حيث قيام الشعب الفلسطيني بالتصدي للجيش الإسرائيلي بصدره العاري , و باقتصاده المقاوم البعيد عن الرفاهية و الإسراف , و بقيادته الوطنية الموحدة المستندة للشرعية الثورية المستمدة من الميدان بعيداً عن الانتخابات .

بعيداً عن التفاؤل أو التشاؤم سنحاول أن نقرأ الانتخابات من حيث الطبيعة و التوقيت و الأطراف المعنية . فمن حيث توقيت الدعوة للانتخابات أو لإجرائها فمن المؤكد أنه ليس بالتوقيت المثالي أو المناسب بسبب حجم الأخطار الحقيقة المحدقة بنا و من مختلف الاتجاهات , سيقول البعض أنه من أجل كل ذلك نحن بحاجة للانتخابات , وأنا أقول أنه و بسبب كل ذلك و كسباً للوقت و الجهد ومنعاً لتكرار و استنساخ أخطاء الماضي – التي من المؤكد أننا لم نتعلم منها وهذا واضح من الواقع الذي نعيشه و نعايشه – فلا جدوي من هذه الانتخابات في هذه المرحلة .

أما من حيث طبيعتها فستكون شاملة ولكن بطريقة تدرجية و تدريجية , حيث أنها ستبدأ بانتخابات المجلس التشريعي تليها الرئاسة ثم المجلس الوطني الفلسطيني و السؤال هنا لماذا ؟ للوهلة الأولى فإننا نتوقع ان هذا التتالي و التوالي هدفه التدرج في إعادة بناء الثقة , و ترميم ما تركته سنوات الانقسام من آثار على المجتمع و النظام السياسي الفلسطيني . ولكن ما هي الضمانات لأطراف الانقسام في عدم توقف الانتخابات عند مرحلتها الأول أو الثانية . ستكون الإجابة بانها الثقة و التفاهمات المتفق عليها .

فإذا كانت الثقة و التفاهمات بين الأطراف الفلسطينية هي الفيصل فلماذا إذاً لا تجري الانتخابات الشاملة باستحقاقاتها مرة واحدة ونعتبر ذلك بداية حقيقية لبناء نظام سياسي ديمقراطي مستمر و دائم , بما ان الثقة و التفاهمات هي سيدة المرحلة .

من يضمن للشعب الفلسطيني عدم العودة للمربع الأول أي عام 2006 و ما ترتب على ذلك من انقسام عام 2007 الذي ما زلنا نعاني من آثاره حتى يومنا هذا . واذا جرت المرحلة الأولى للانتخابات ( المجلس التشريعي ) و فازت حركة حماس بها , مع وجود الرئيس محمود عباس على رأس السلطة الوطنية الفلسطينية , أي سيناريو سيكون للمرحلة اللاحقة للانتخابات , و كذلك للعملية السياسية و التسوية السياسية , هل سنستكمل باقي مراحل الانتخابات أم نتوقف عند المرحلة الأولى ؟ أم ان كل فريق سيبدأ بالتفكير و التخطيط للانقلاب على المرحلة و على الشريك السياسي , و نبدأ بالنزاع و التنازع على الصلاحيات و البرامج و السياسات و التحالفات و التوازنات و الموازنات .

هل المرحلة الأولى في الانتخابات ” المجلس التشريعي ” ستنقل سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية على قطاع غزة فعلياً و ليس شكلياً , بمعنى السيادة الكاملة و الحقيقية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ؟ و إذا كانت الإجابة ب نعم لماذا لا تتم الآن تمهيداً “للاستحقاق الديمقراطي ” و ” تطميناً ” للشارع الفلسطيني بأننا جادون و ماضون في تصحيح مسار الماضي ,و ترميم ما أفسدته سنوات الانقسام . و إذا كانت الإجابة ب لا ما الفائدة من انتخابات لا تضمن و لا تحقق السيادة الفلسطينية على كامل الجغرافيا الفلسطينية , بل على العكس تماماً سنضيع المزيد من الوقت و الجهد و الجغرافيا , في وقت نحن في أمسّ الحاجة إلى كل ذلك .

و فيما يتعلق بدور و علاقة الدول – لاسيما الإقليمية – فمن البدهي القول ان موضوع الانتخابات الفلسطينية مرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر ب : إسرائيل و مصر و تركيا والسعودية و الأردن وقطر وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية, ولا بد لنا هنا من التوقف عند مواقف هذه الدول أولاً من فكرة عقد الانتخابات , و كذلك من نتائجها .

ان كل المؤشرات و الدلائل تشي لنا بان طبيعة ومكان عقد الحوارات في تركيا و استكمالها في قطر تعطينا رسائل و إشارات و إيماءات حول الزمان و المكان . ولا بد لنا هنا من التوقف عند مواقف هذه الدول أولاً من فكرة عقد الانتخابات , و كذلك من نتائجها , وكل ذلك بعيداً عن التصريحات الإعلامية و العلنية بان قرار الانتخابات هو قرار فلسطيني مستقل دون أية مؤثرات أو تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة .

اذا كان قرار الانتخابات أو المصالحة بشكل عام هو قرارنا المستقل , هل كنا بحاجة للذهاب الى تركيا و قطر تحديداً ؟ لماذا لم نعقد حواراتنا و نتخذ قراراتنا في داخل الوطن , و لا أتوقع ان هناك أية مشكلة في التواصل و الاتصال مع كل هذا التقدم التكنولوجي.

وفيما يتعلق بنتائج الانتخابات فلا ضمانات لاحترامها : فلسطينياً و عربياً و إقليميا و دولياً لأن كل طرف من هذه الأطراف سينظر لها من منظور حساباته الخاصة و مصالحه .

و أخيراً نستطيع القول ان الانتخابات الفلسطينية – ان جرت و استكملت – فمن الممكن ان تكون جزءاً من الحل و ليست الحل أو طريق الخلاص كما يتوهم – أو يحاول البعض أن يوهمنا.

– لكنها بالتأكيد ليست هي الحل لأن البداية يجب أن تنطلق من الاتفاق على الاستراتيجية الوطنية الواحدة المدركة للأخطار المحدقة بنا , و ابتكار الأدوات اللازمة و الفاعلة في هذا الاتجاه . لن تكون حركة التحرر الوطني الفلسطيني استثناء بل استكمالاً و استمراراً لحركات التحرر الوطني في العالم , التي نالت استقلالها بالإستراتيجية الوطنية التي صاغتها و صنعتها قيادتها , و ليست عبر الانتخابات , إن الشرعية الثورية تستمد من الميدان و ليس من صناديق الاقتراع .

* أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخليل – فلسطين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى