شوؤن دولية

الانتخابات الأمريكية – الاقتصاد طريق العبور إلى البيت الأبيض

سارة ناصح *- 24/10/2020

انطلقت أول مناظرة رئاسية، في 30 سبتمبر ٢٠٢٠، بين الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” والمرشح الرئاسي “جو بايدن”، داخل مدينة كليفلاند، في أول لقاء من ثلاثة تجمعات بين المرشحين للانتخابات الأمريكية المقرر عقدها في نوفمبر 2020، وذلك في الوقت الذي يشهد فيه الاقتصاد الأمريكي حالة من الركود والتدهور بسبب التداعيات الاقتصادية السلبية الناتجة عن انتشار فيروس كورونا المستجد، وتزايد أعداد المُصابين بالفيروس لتقترب من ٨ ملايين أمريكي، الأمر الذي دفع البنك الفيدرالي لضخ ما يزيد على 5 تريليونات دولار كحزم إنقاذ للحيلولة دون انهيار الاقتصاد، كما عمل على توفير السيولة النقدية والدعم لملايين الأسر المتضررة من انتشار الوباء.

لذا يُعتبر البرنامج الاقتصادي الذي يطرحه كلا المرشحين بمثابة نقطة فاصلة للوصول إلى رئاسة البيت الأبيض، لذا ركزت الحملة الانتخابية الخاصة بـ”ترامب” ممثل الحزب الجمهوري، و”بايدن” ممثل الحزب الديمقراطي، على طرق إدارة الاقتصاد الأمريكي. وفيما يلي أبرز ملامح البرنامج الاقتصادي لكلٍّ منهما:

أولًا- السياسة المالية:

اتفق كلٌّ من “بايدن” و”ترامب” على ضرورة اتّباع سياسة مالية تهدف إلى خلق المزيد من الطلب الكلي، لكن طريقتهما في تنفيذ هذه السياسة مختلفة. فالرئيس “ترامب” من مؤيدي تخفيض الضرائب، ويرى أن تأثير خفض ضرائب على الشركات والأفراد يسمح لهم بتحقيق أرباح مرتفعة، ما يؤدي إلى إعادة ضخها في شكل توسع رأسمالي، ومن ثم رفع معدلات النمو وزيادة معدلات التوظيف. وخلال رئاسته للبيت الأبيض خفض “ترامب” الضرائب الرأسمالية (ضرائب مدفوعة على الأرباح المحققة من بيع العقارات أو الأسهم أو الأصول الأخرى) من 35% إلى 21%، كما خفض معظم شرائح ضريبة الدخل الشخصي، الأمر الذي زاد بشكل كبير من العجز الفيدرالي؛ إلا أن تلك التخفيضات ساهمت في خفض معدلات البطالة التي وصلت إلى 3.5% فقط قبل انتشار الفيروس، والآن قدم فرصة لتأجيل ضرائب أرباح رأس المال للمستثمرين الذين يمولون مشاريع في مناطق فقيرة أو محرومة.

أما عن جانب الإنفاق فيرى “ترامب” في الأجل القصير أنه من الضروري تقديم تمويل طارئ للمواطنين المتضررين من جائحة كورونا، وتقليل الاستثمار في البنية التحية في الوقت الحالي بسبب انتشار الفيروس، وفي الأجل الطويل يميل إلى توجيه الإنفاق الحكومي إلى المزيد من الاستثمارات العامة، خاصة في مجال البنية التحتية والاقتصاد الأخضر.

في المقابل، يقترح “بايدن” زيادة الضرائب المفروضة على الشركات من 21% إلى 28%، وتعهد بإعفاء كل من يتقاضى أقل من 400 ألف دولار شهريًّا من الضرائب المباشرة. كما اعتزم رفع الحد الأعلى لمعدل الضريبة على مكاسب رأس المال من 37% إلى 39.6%، وستُطبّق هذه النسبة على الأسر التي يزيد دخلها السنوي على مليون دولار، ويُمكن ملاحظة أن سياسة “بايدن” الضريبية تقوم على تقديم المزيد من الدعم للأسر الفقيرة والطبقة المتوسطة، وفرض المزيد من الضرائب على الشرائح الأغنى في المجتمع. وفي جانب الإنفاق الحكومي، أكد “بايدن” ضرورة توجيه هذا الإنفاق إلى الاستثمارات الاجتماعية المرتبطة بالاستحقاقات والتعليم والرعاية الصحية، وأوضح أهمية الاستثمار في البنية التحتية، حيث وضع في برنامجه الانتخابي خطة للاستثمار في البنية التحتية مدتها 10 سنوات بقيمة 1.3 تريليون دولار كجزء من حملته الانتخابية، وأوضح أن تمويل خطته سيتم من خلال إلغاء تخفيضات “ترامب” الضريبية التي منحها للشركات، وإنهاء الإعانات المخصصة للوقود الأحفوري، وبعض المصادر الخارجية.

ثانيًا- الحرب التجارية مع الصين:

بدأ النزاع التجاري بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، بعد إعلان “دونالد ترامب” في 22 مارس 2018، عن وجود نية لفرض رسوم جمركية على الصين تبلغ قيمتها ما يقرب من 50 مليار دولار أمريكي على السلع وبعض المنتجات الصينية وذلك بموجب المادة 301 من قانون التجارة لعام 1974 التي تسرد تاريخ الممارسات التجارية غير العادلة وسرقات الملكية الفكرية، حيث أعلنت أمريكا أن الصين تقوض الملكية الفكرية. وكرد فعل أعلنت الصين أنها ستفرض رسومًا على قائمة من واردات السلع بقيمة 60 مليار دولار، وبنسبة تتراوح من 5% إلى 25%، ومنذ ذلك الحين تتصاعد وتيرة الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، كما فرض “ترامب” قيودًا على شركات التكنولوجيا الصينية بما في ذلك شركة هواوي (Huawei Technologies)، حيث منعت واشنطن الشركات الأمريكية من توريد التكنولوجيا إليها.

وبدأت العلاقات التجارية بين البلدين أن تهدأ عقب توقيع واشنطن وبكين اتفاقًا تجاريًا للمرحلة الأولى في شهر يناير 2020، والذي نص على أن يقوم الجانب الصيني بشراء منتجات صناعية أمريكية بقيمة 75 مليار دولار، وموارد طاقة بقيمة 50 مليار دولار، ومنتجات زراعية بقيمة 40 مليار دولار، كما سيتعين على الصين أن تنفق 35 – 40 مليارًا أخرى على الخدمات في الفترة نفسها، لكنّ انتشار فيروس كورونا عرقل تنفيذ هذا القرار.

وتسبّب الفيروس في زيادة حدة التوتر بين البلدين، خاصة عقب وصف “ترامب” كورونا في أحد خطاباته بأنه “فيروس صيني”. وفي تصريح جديد له عقب إعلان إصابته بالفيروس، حمّل الصين مسئولية ما يحدث للاقتصاد الأمريكي من ركود وتدهور، وتعهد “ترامب” بأن تُحاسَب الصين على قيامها بنشر الفيروس في العالم أجمع. وفي هذا الصدد، تمّ توجيه العديد من الانتقادات لـ”ترامب” حيث تسببت سياسته المتشددة مع الصين في إلحاق الضرر باقتصاد الولايات المتحدة، أبرزها على سبيل المثال وليس الحصر: انخفاض في الصادرات الزراعية، وتعطّل الإمدادات للشركات الأمريكية التي تعتمد على الواردات الصينية، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج. ومن المتوقع أن يتبع “ترامب” سياسة أكثر تشددًا وصرامة مع بكين حال استمرار رئاسته للولايات المتحدة.

أما عن سياسة “بايدن” تجاه الصين، فقد صرّح بأنه سيقوم بإعادة تقييم لكافة الرسوم الجمركية التي فرضها “ترامب” على بكين، ولكن لا توجد نية لإلغائها، كما تضمنت تصريحات “بايدن” إشارات إلى أن الحكومة الجديدة سترحب بزيادة الصادرات إلى الصين، لذا فمن المتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين تحسنًا ضئيلًا إذا استطاع “بايدن” الوصول إلى رئاسة البيت الأبيض. ويتّفق “بايدن” مع “ترامب” في ضرورة مواجهة الصين، حيث تعهّد المرشح الرئاسي بأن يقوم باتخاذ إجراءات قوية ضد بكين أو أي دولة تسعى إلى تقويض التصنيع الأمريكي، لكن البعض يتشكك في مدى التزام “بايدن” بتعهداته تجاه الصين، لأنه لم يُظهر أي نوع من التشدد تجاه الصين خلال توليه منصب نائب الرئيس “أوباما” لثمانية أعوام.

لكن نقطة الاختلاف المحورية بين “ترامب” و”بايدن”، تدور حول مدى قدرة الولايات المتحدة على مواجهة ومحاربة الصين تجاريًّا، وفي هذا الصدد يرى “ترامب” أن واشنطن لا تحتاج أي مساعدة أو مساندة من قبل المؤسسات التجارية العالمية، ولكنها تستطيع بمفردها مواجهة السلوكيات الصينية غير العادلة، على حد قوله. أمّا “بايدن” فيرى أنه من الضروري أن تقوم الولايات المتحدة ببناء تحالف دولي واسع النطاق يتصدى للصين، وليس عبر إجراءات وتدابير أمريكية منفردة.

ثالثًا- طرق تنظيم الأعمال التجارية داخل الولايات المتحدة:

يميل “ترامب” ومؤيدو الحزب الجمهوري -بصفة عامة- إلى اتّباع سياسة عدم التدخل المؤيدة للأعمال التجارية، أي اتباع مبدأ “دعه يعمل دعه يمر”، وتتميز تلك السياسة بوجود تدخل حكومي محدود، وتهدف هذه السياسة إلى تحفيز الأفراد والشركات على الدخول في السوق المحلي مما يعمل على زيادة معدلات التوظيف والإنتاج.

وعلى الجانب الآخر، يفضل “بايدن” ومؤيدو الحزب الديمقراطي، وجود تدخل حكومي بصورة أكبر خاصة مع الشركات الكبرى، ويعتقد “بايدن” أن هذه السياسة ستعمل على حماية حقوق المستهلكين، ومكافحة الاحتكار، وتحجيم الآثار السلبية البيئية لبعض المشروعات الصناعية.

خلاصة القول، يتبع “ترامب” سياسات اقتصادية تهدف -بصفة رئيسية- إلى حل المشكلات الاقتصادية في الأجل القصير. أما “بايدن” فيتجه بصورة أساسية إلى دعم الطبقة المتوسطة، وتطبيق سياسات اقتصادية متوازنة لعلاج المشاكل الاقتصادية، سواء في الأجل القصير أو الطويل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى