الاستراتيجية الصينية لمواجهة الإرهاب .. يد عسكرية وأخرى تنموية

المرجع – محمد عبدالغفار – 26/11/2018
تلعب جمهورية الصين الشعبية دورًا مهمًا في الشأنين الاقتصادي والسياسي العالمي؛ حيث تعد قطبًا مهمًا في الخريطة العالمية؛ ما جعلها في مرمى نيران الجماعات الإرهابية، وهذه نتيجة طبيعية لرغبتها في الصعود إلى قمة الهرم الدولي، لذا عملت الصين على تحضير خطة واستراتيجية تُسهم في مكافحة الإرهاب، مشتركة في ذلك مع بعض القوى الإقليمية الأخرى.([1])
كما أن الأزمات السياسية التي يعاني منها إقليم شينجيانج، الواقع في شمال غربي الصين، ذو الأغلبية المسلمة، وعلى الرغم من حصوله على حكم ذاتي، فإنه مازال يتبع الدولة الصينية، وما زال يثير القلائل هناك، قد دفعت البلاد إلى محاولة إيجاد آلية شاملة لمواجهة الإرهاب داخليًّا وخارجيًّا.
وفي مارس من عام 2017، ومن خلال فيديو نشرته قناة الجزيرة القطرية، المعروف عنها دعمها للجماعات الإرهابية، أعلن تنظيم داعش الإرهابي، خطته لـ«إراقة الدماء كالأنهار»، في هجمات مستقبلية ضد أهداف صينية، وهو ما اعتبر استمرارًا لعمليات استهداف المواطنين، والشركات، وجنود حفظ السلام، والمصالح الحكومية الصينية، والتي بدأت منذ عقدين من الزمان، واستمرت حتى الآن.
ومن تلك العمليات، ما تم هذا العام، من قتل مدرسين صينيين شاركا في عمليات تبشيرية بالدين المسيحي في باكستان، بواسطة مقاتلين تابعين لتنظيم داعش الإرهابي، وفي عام 2016، قتل تنظيم القاعدة مواطنًا صينيًا في هجوم على منتجع سياحي فاخر، وفي العام نفسه، قُتل جنود حفظ السلام الصينيين في هجمات متفرقة في مالي.
كما تعرضت السفارة الصينية في بيشكيك عاصمة قيرغزستان، في أغسطس من عام 2016، لهجوم انتحاري بواسطة سيارة مفخخة يقودها إرهابي يشتبه أن له صلة بالانفصاليين في قومية اليوغور الصينية؛ ما أسفر عن إصابة 3 أشخاص، كما تعرض رجل أعمال صيني لعملية قتل بواسطة تفجير لتنظيم داعش الإرهابي في مطار بروكسل في بلجيكا.
بالإضافة إلى الهجوم الذي تعرضت له قنصلية الصين في مدينة كراتشي الباكستانية، في 23 نوفمبر من عام 2018، أسفر عن مقتل اثنين وأصيب حارس أمني، وقد أعلنت جماعة انفصالية تدعى «جيش تحرير بلوشستان» بأنهم قاموا بهذا الهجوم، على الرغم من قيام الصين بتقديم دعم مالي بالمليارات لدولة بلوشستان.([2])
وتشير الإحصائيات إلى أن المواطنين الصينيين قد تعرضوا للقتل في عدة دول حول العالم، بواسطة هجمات انتحارية من قبل أفراد تابعين للجماعات الإرهابية، في الفترة ما بين 2004 و 2014، ومنها، أفغانستان، والكاميرون، والأردن، وكينيا، وماليزيا، ومالي، وباكستان، وسوريا، وتايلاند، والولايات المتحدة الأمريكية، كما تشير الإحصائيات إلى أن عددًا كبيرًا من المواطنين قد قتلوا في حوادث إرهابية محلية داخل الحدود الصينية.([3])
ويرجع ذلك إلى أن العديد من المواطنين الصينيين يعيشون في دول تتعرض لمخاطر إرهابية عالية، ففي مالي يعيش 3 آلاف صيني، وهناك 65 ألف مواطن صيني في نيجيريا، وأكثر من 10 آلاف في كل من العراق وباكستان، كما تقوم 3969 شركة صينية بالاستثمار في منطقة «قوس عدم الاستقرار»، والتي تمتد من أفغانستان وباكستان إلى منطقة الساحل.([4])
– مخاوف صينية من تدخلات إرهابية خارجية
لذا فقد تصاعدت حساسية الصين تجاه احتمالية تأثير الإرهاب الدولي على الاستقرار الداخلي للبلاد، خصوصًا بعد أعمال العنف والشغب، التي شهدتها شنجهاي الصينية في عام 2009، والربيع العربي في 2011، بالإضافة إلى أعمال العنف التي شهدتها البلاد في أوقات متفرقة، مثل التفجير الانتحاري أسفل تمثال «ماو» في ميدان تيانانمين.([5])
وتخشى بكين من احتمالية أن تقوم بعض التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم داعش وتنظيم القاعدة، بالعمل على استمالة بعض القوميات التي تشعر بالاضطهاد داخل الصين، مثل قومية اليوغور؛ ما يزيد من احتمالية تأثير ذلك على السلم المجتمعي، خصوصًا أن هذا الأمر سوف يسهم في تمرير تمويل خارجي ضخم لتلك القوميات من قبل المتعاطفين مع جماعات الإسلام السياسي أو الجهات المعادية للصين.
لذا فقد عملت الصين على مواجهة هذه المخاوف والتهديدات، وذلك من خلال وضع استراتيجية عامة؛ لمواجهة المخاطر الإرهابية المتزايدة التي تواجهها، سواء كانت داخلية أو خارجية.
– استراتيجية الصين لمواجهة المخاطر الداخلية:
أما على جانب استراتيجية مواجهة المخاطر الداخلية، فقد عملت الصين على سن مجموعة من القوانين، مثل قانون الأمن القومي الجديد، وقانون مكافحة الإرهاب، وهما القانونان اللذان سُنَّا في عام 2015، كما عملت على تشديد الرقابة على الأنشطة الاجتماعية، وتجهيز شبكة إنترنت بديلة، وتطبيقات تواصل اجتماعي بديلة مثل «بايدو»، كما عملت على قمع أي نشاط محلي محتمل، مثل أحداث الشغب في شينجيانج عام 2009.
كما عملت الحكومة الصينية على إقامة مشروعات تنموية هائلة عدة في منطقة شينيانج، التي تشهد نزاعات متواصلة منذ فترة كبيرة، وذلك بهدف السيطرة على تلك المنطقة ومواجهة النشاطات الإرهابية المحتملة بالطرق والسبل كافة، وتركز الحكومة على مشروعات البنى التحتية؛ حيث قدمت 399.9 مليار يوان لهذه المنطقة في الفترة من عام 2009 إلى عام 2000.
– استراتيجية الصين لمواجهة المخاطر الخارجية
أما على جانب الاستراتيجية الخارجية، فقد عملت الصين على جمع تأييد دولي يساعدها في حربها المحتملة ضد المخاطر الخارجية، وقد شملت تلك الحرب جانبين، الأول سياسي، مثل الدعوة إلى وضع حزب تركستان الإسلام وحركة تركستان الشرقية الإسلامية في الإيغور على قائمة الإرهاب، وهو ما تم رسميًّا بواسطة وزارة الخارجية الأمريكية والإنتربول الدولي؛ حيث قدمت الصين تبريرًا لطلبها بأن الإيغور قد ينضمون إلى تنظيم داعش في سوريا، أو يتم التأثير عليهم من قبل جماعات الإسلام السياسي المتطرفة.
كما ركزت على التعاون الثنائي الدولي في مكافحة الإرهاب، مثل منظمة شنغهاي للتعاون، والتي تم تأسيسها في الأساس للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، ومنتدى التعاون بين الصين والدول العربية CASCF، والتي تسعى الصين من خلالها إلى الحصول على الدعم من القادة العرب؛ لمكافحة الإرهاب في شينجيانج، والأمم المتحدة، والتي تشارك فيها الصين بقوة في الفرق المعنية بمكافحة الإرهاب.
أما الجانب الثاني للحرب، فهو جانب عسكري، وذلك من خلال مشاركة الجنود الصينيين في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، في العديد من الدول المعرضة لخطر تنامي قوة التنظيمات الإرهابية بها، كما عملت على تأسيس قاعدة عسكرية حديثة في جيبوتي، في يوليو 2017، كأول قاعدة عسكرية صينية خارج حدود البلاد.
كما أصدرت الصين، قانونًا لمكافحة الإرهاب، في نهاية عام 2015، يسمح للجيش الصيني بالقيام بعمليات عسكرية تهدف إلى مكافحة القوى الإرهابية في مناطق ما وراء البحار، واعتبر هذا القانون فريدًا من نوعه بالنسبة للجيش الصيني.
إلا أن البعض يعتبر هذا الأسلوب بأنه غير فعال في الشأن الخارجي الصيني، خصوصًا مع اعتماد الصين على مبدأ عدم التدخل، وهو ما ظهر في استخدامها لحق الفيتو في الشأن السوري، كما أن الصين أمامها وقت طويل حتى تستطيع بناء عدة قواعد عسكرية في مناطق مختلفة من العالم.
أما الجانب الثالث فهو جانب اقتصادي؛ حيث تعمل الصين على تنمية استثماراتها في جميع أنحاء آسيا الوسطى وشينجيانج، وغيرها من المناطق الحدودية مع الصين، وذلك بهدف إحداث تنمية اقتصادية في تلك المناطق؛ ما يمنع انتشار الجماعات الإرهابية والأفكار المتطرفة بها.
ويتضح أن الصين تعمل بكل جد وبسرعة كبيرة بهدف التعامل مع المخاطر الخارجية والداخلية، متخطية في ذلك عدة ثوابت راسخة عرفت عنها، مثل عدم التدخل العسكري في المناطق الواقعة خارج حدود البلاد، وهذا يدل على حجم الخطر الذي يواجه الدولة الصينية، وفقًا لرؤيتها.
كما يتضح أن الصين لا تعمل فقط على المواجهة العسكرية لتلك المخاطر، وإنما تسعى أيضًا إلى التنمية الاقتصادية داخليًّا وخارجيًّا، كما في منطقة شينيانج ومنطقة آسيا الوسطى، باعتبار أن الأحوال المعيشية الجيدة، تمنع الجماعات الإرهابية من نشر أفكارها بين المواطنين.
المراجع
[1] – Paul J.Smith, China’s Economic and Political Rise: Implications for Global Terrorism and U.S-China Cooperation, Conflict & Terrorism, Vol. 32, Issue 7, 2009.
[2] – قتيلان في هجوم على قنصلية الصين في مدينة كراتشي الباكستانية، متاح على https://bit.ly/2KvgZr1.
[3] – Matthieu Duchatel, Terror Overseas: Understanding China’s Evolving Counter-Terror Strategy, Policy Brief, European Council on Foreign Relations, October 2016.
[4] – Liu Qingtian and Fang Jincheng, The New Development of Terrorism and Its Influence on China, Journal of International Studies.
[5] – Murray Scot Tanner wih James Bellacqua, China’s Response to Terrorism, CNA and he Us-China Economic and Security Review Commission, June 2016.