الأردن.. الإخوان والدولة صِدام ناعم!
د.محمد ابو رمان ٢٣-٤-٢٠١٨م
(١)
“الإخوان” و”حالة الضبابية”!
أنهى حزب جبهة العمل الإسلامي، منذ أسابيع، انتخابات الفروع لأعضاء مجلس الشورى، ويُنتظر حتى بداية الشهر المقبل لانعقاد المجلس الجديد، الذي يستكمل بدوره أعضاء مجلس الشورى، ثم المؤتمر العام، الذي يضم قرابة 550 عضواً، لاختيار أمين عام الحزب، الذي من المفترض أن يقوم -بدوره- باقتراح أعضاء المكتب التنفيذي، الذين يصوّت عليهم المؤتمر العام، وفق التعديلات التي أُدخلت على النظام الأساسي للجبهة.
بالرغم من خروج واستنكاف، أو بعبارة أدقّ انتهاء وجود التيار الذي أُطلق عليه إعلامياً: المعتدل -الحمائم- في صفوف الجماعة والحزب، مع الأحزاب الجديدة التي تشكّلت (الشراكة وزمزم، والجمعية الجديدة)، واستنكاف الآخرين عن المشاركة في الانتخابات، فإنّ التيار المنافس له (الذي يوصف بالصقور والمتشددين) انقسم على نفسه، منذ عامين تقريباً، بين مجموعتين؛ الأولى يقودها زكي بني ارشيد (ويُطلق عليها حالياً في أوساط الجماعة مصطلح “الحالة الوسطية”)، والثانية يعد المهندس مراد العضايلة، العقل البارز فيها، وتضم معه نخبة من الصقور التقليديين التاريخيين، الذين نجحوا في العودة إلى مجلس الشورى في الانتخابات الأخيرة.
كانت الرهانات متضاربة بين التيارين الحاليين في الجماعة والحزب؛ إذ كان بني ارشيد يعوّل على إفرازات انتخابات مجلس شورى جماعة الإخوان الأخيرة، التي أنتجت تفوقاً لتيار “الحالة الوسطية”، وأدت إلى قرارات معتدلة، بينما لم تتضح بعد الصورة النهائية لحالة شورى الجبهة، وإن كانت لا تبدو شبيهة -حتى الآن- بنتائج الإخوان، وهو ما سينتج عنه وجود قيادة جديدة لحزب جبهة العمل الإسلامي.
بالضرورة هذه التحوّلات، والحالة الضبابية التنظيمية الداخلية في الجبهة والجماعة، ما تزال مربكة لكثير من المراقبين، وحتى لأعضاء في داخل هذا التنظيم، لأنّ التحالفات تبدّلت وتغيّرت، فبينما يذهب بني ارشيد بعيداً في المواقف المعتدلة فكرياً وسياسياً، وقد كتب مؤيداً الدولة المدنية وتطوير خطاب الحركة الإسلامية، ولديه رأي مغاير في الموقف من حزب الشراكة والإنقاذ، وهي التحولات أو المراجعات التي عزّزت الخلافات والتباينات بينه وبين مراد العضايلة ونخبة من الصقور التقليديين.
مع ذلك، فمن الضروري الإشارة إلى أنّ مصطلحات الصقور والمتشددين والمعتدلين لم تعد قائمة بالمعنى التاريخي المتعارف عليه، ويبدو أنّ الفراغ الذي أنتجه غياب تيار الحمائم أدى إلى إعادة فرز الخلافات على أسس جزئية وداخلية، وفي بعضها شخصي، في أوساط التيار الآخر، فأصبحت مجموعة بني ارشيد هي من يحاول ملء “فراغ المعتدلين”، لكن في الحقيقة فإنّ الخلافات ليست واضحة تماماً، وهلامية.
ومن زاوية أخرى ومهمة، فإنّ كلا التيارين يدرك ضرورة “تحريك المياه الراكدة”. لذلك وبالرغم من وجود اختلافات داخلية حول الموقف من الدولة المدنية، مثلاً، (ما أدى إلى عقد مؤتمر داخلي في جبهة العمل الإسلامي، قبل شهور، قدّم فيه زكي بني ارشيد ورقة مؤيدة للدولة المدنية، بينما قدم الصقور ورقة مناقضة لذلك)، فإنّ الطرفين توافقا على إحداث تغييرات هيكلية كبيرة في النظام الأساسي للجماعة وحزب جبهة العمل الإسلامي، وتعزيز دور الشباب والمرأة، وتحويلهما من أقسام إلى قطاعات، وتعزيز الفصل بين جبهة العمل وجماعة الإخوان المسلمين.
ذلك كلّه يأتي في محاولة تقشيع الضبابية بعد مخاض الربيع العربي، وتبقى هنالك أسئلة مهمة مرتبطة بتساؤل رئيس هو: ماذا بعد؟ حول العلاقة مع الدولة، ومصير جماعة الإخوان، وإطار التجديد المطلوب، وهي التحديات التي سنناقشها في مقالة غد..
(٢)
الإخوان والدولة .. ماذا بعد؟
تُعد جماعة الإخوان المسلمين اليوم، لوثيقة سياسية جديدة تطرح فيها رؤيتها الإصلاحية، من جديد، في ضوء المتغيرات والتحولات الكبيرة العاصفة، التي حدثت -وما تزال- سواء على صعيد المنطقة، أو حتى الوضع الداخلي، بصورة خاصة بعد مرحلة الربيع العربي؛ أي منذ قرابة 7 أعوام.
بانتظار الوثيقة وما يمكن أن تحمله من آراء ومواقف سياسية وفكرية، فإنّ السؤال المهم الذي يتردد في أروقة الحركة الإسلامية اليوم هو: ماذا بعد؟! هذا السؤال ينظر إليه الإخوان من خلال ثلاثة اتجاهات رئيسة؛ الأول مرتبط بالعلاقة مع الدولة، فيما إذا كان هنالك مجال متاح للانفراج وعودة المياه إلى مجاريها. والثاني مرتبط بسيناريوهات العلاقة بين جماعة الإخوان وحزب جبهة العمل الإسلامي.
أمّا الثالث الذي يعمل عليه الإخوان -وقد أشرنا إليه سابقاً- فهو محاولة استدخال إصلاحات تنظيمية وهيكلية وتحسين البيت الداخلي، بالإضافة إلى بعض الإشارات المرتبطة بالتمييز بين الدعوي والسياسي، وإن كانت ما تزال غير ناضجة، كما هي حال الأحزاب الإسلامية الأخرى، في المغرب وتونس، وحتى التحولات الكبيرة التي أجرتها حماس على إيديولوجيتها السياسية في الوثيقة السياسية التي أصدرتها قبل شهور، وتستبطن ابتعاداً كبيراً عن المنطق الفكري الأول الذي تأسست عليه الحركة وتسييساً ملحوظاً في أفكارها، والاتجاه نحو الواقعية السياسية.
بالعودة إلى الموضوع الأول؛ أي العلاقة مع الدولة، فهي كما وصفها -منذ أعوام- أمين سرّ السابق لجماعة الإخوان المسلمين، والقيادي الحالي في حزب الشراكة والإنقاذ، خالد حسنين، أقرب إلى حالة “اللا حرب واللا سلم”، فلا هي معركة مفتوحة سياسياً، كما هي حال أغلب الدول العربية، تصل إلى حدّ “تكسير العظم”، ولا هي سلام، فهنالك “صدام ناعم”، وأزمة متعددة الأبعاد، طويلة المدى، ومن الواضح أنّ “الدولة” لا ترغب بتغيير هذه المعادلة المريحة لها، على الأقل على المدى القريب، لأنها توفّر لها -أي الدولة- توازنات عديدة، بين الاعتبارات الداخلية والأمنية من جهة والإقليمية من جهة ثانية.
هل يمكن أن تسوء الأمور أكثر؟! هذا مرتبط بما يحدث من تطورات داخلية وإقليمية، والعكس صحيح، بمعنى أنّها قد تتحسن، لكن ذلك مشروط بإزالة “الغمامة” التي حلّت على العلاقة بين الطرفين، بخاصة خلال العام 2011، عندما توطّدت قناعة لدى الدولة بأنّ الجماعة تتمرّد بصورة ناعمة، وأنّ مطالبها الإصلاحية -حينذاك- كانت تستهدف تعديلات دستورية، بالتزامن مع رفضها الاشتراك في لجنة الحوار الوطني ومشاركتها بصيغ مختلفة ومتعددة في الحراك الشعبي.
تلك الأحداث عززت من قوة التيار المعارض لأي انفتاح مع الجماعة، بالتوازي مع التطورات الإقليمية، وأضعفت كثيراً من صوت النخبة التي ترى فيها عامل استقرار وقوة للعبة السياسية، ومن الصعب تغيير ذلك إلاّ من خلال خطوات أخرى يقوم بها حزب جبهة العمل الإسلامي في محاولة لإصلاح الكسر، عبر تقديم خطاب سياسي واقعي أكثر تماسكاً ومرونة في التعامل مع التحولات والتطورات الحالية، داخلياً وخارجياً.
بالنسبة للشقّ الثاني، فإن السؤال الأفضل هو: هل مصلحة الإسلاميين بعودة جماعة الإخوان بالصورة السابقة، أم بتحويلها إلى مدرسة روحية وفكرية وتربوية؛ أي أشبه بجماعات الضغط والمصلحة، ونقل الزخم الكبير إلى جبهة العمل الإسلامي، وتحويله فعلاً إلى حزب سياسي كامل الدسم، والانتقال بصورة كاملة من السرية إلى العلنية، والفصل الواضح بين اعتبارات العمل الدعوي والسياسي، أسوة بما حدث في المغرب وتونس؟!.