ترجمات أجنبية

الإيكونوميست – هل تستطيع أمريكا وإيران إحياء اتفاقهما النووي؟

الإيكونوميست 10/7/2021

يشكل الفندق الكبير الواقع في رينغسراسّه في فيينا، الشارع الرئيسي الأنيق في المدينة، مكانًا رائعًا للدبلوماسية النووية. إنه ليس مجرد محيط فخم أو مكان لشرب القهوة بلا نهاية. كان الفندق أيضًا المقر الرئيسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية لمدة 22 عامًا حتى العام 1979. ومع ذلك، صادف الدبلوماسيون الذين اجتمعوا هناك في ست جولات من المحادثات منذ نيسان (أبريل)، كان آخرها في 20 حزيران (يونيو)، القليل من الحظ حتى الآن. وربما ينفد منهم الوقت.

تناقش أميركا وإيران -بشكل غير مباشر، من خلال بريطانيا، والصين، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا والاتحاد الأوروبي- كيفية إحياء الاتفاق النووي متعدد الجنسيات، المعروف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”، الذي تم توقيعه في العام 2015 ثم تخلى عنه الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بعد ثلاثة أعوام لاحقاً. وفي الرد على العقوبات الأميركية، انتهكت إيران بنود الصفقة من خلال اختبار أجهزة طرد مركزي متطورة وتكديس كميات من اليورانيوم المخصب، من بين خطوات أخرى محظورة. وقدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أيار (مايو) أن إيران أنتجت أكثر من 3.000 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 5 في المائة، وهي كمية تكفي لصناعة قنابل عدة إذا تم تخصيبها بشكل أكبر. ويتم تخصيب أكثر من 70 كغم الآن بنسبة تزيد على 20 في المائة، وهو ما يعني قطع معظم الطريق نحو التخصيب بدرجة تصنيع الأسلحة.
على مدار العام الماضي، قالت كل من أميركا في عهد الرئيس جو بايدن، وإيران، إنهما على استعداد للعودة إلى شروط الصفقة الأصلية إذا ما فعل الطرف الآخر ذلك أيضًا. وقال نائب وزير الخارجية الإيراني بعد الجولة الأخيرة من المفاوضات: “نعتقد أن جميع وثائق الاتفاقية تقريباً أصبحت جاهزة”. وقال مبعوث الاتحاد الأوروبي لدى الأمم المتحدة في 30 حزيران (يونيو) بحماس إن هناك “مستوى جديداً من التفاؤل”. وتعتقد وزارة الخارجية الروسية أنه قد يتم إبرام الصفقة بحلول 14 تموز (يوليو)، الذي يصادف الذكرى السادسة لموعد إبرام خطة العمل الشاملة المشتركة. ومع ذلك، لن تكون إعادة الشروط الأصلية كما هي سهلة كما قد تبدو، لأن الظروف تغيرت كثيرًا في ستة أعوام.

لا يساعد وجود إيران في خضم عملية انتقال سياسي. ومن المقرر أن يحل إبراهيم رئيسي، القومي المتشدد، محل الرئيس حسن روحاني، البراغماتي، كرئيس لإيران في الثالث من آب (أغسطس). ومن المعروف أن السيد رئيسي وحلفاؤه أكثر عداء لأميركا والغرب من الحكومة الحالية. وهذا لا يعني أن إبرام الصفة سيكون مستحيلاً -ففي نهاية المطاف، كان رئيس إيراني متشدد آخر، محمود أحمدي نجاد، هو الذي بدأ المحادثات التي أدت في النهاية إلى ظهور خطة العمل الشاملة المشتركة. لكن انتخاب رئيسي يعقد الأمور فعلياً.

لدى حكومة الرئيس روحاني “حافز ضئيل للغاية” لتكريس شهرها الأخير في المنصب للدبلوماسية المحمومة، كما تقول أنيسة بصيري تبريزي من المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث بريطاني. وسوف تكون أي مكافآت سياسية بعيدة المنال، بما أن الانتخابات المقبلة -الخاصة بالبرلمان الإيراني- لن تستحق قبل ثلاثة أعوام. كما لا يوجد أي ضمان لأن تقوم الحكومة الجديدة بتنفيذ أي صفقة ترثها بشكل كامل، كما تقول السيدة تبريزي.

وليست السياسة الداخلية الإيرانية هي العقبة الوحيدة التي تقف في طريق التوصل إلى اتفاق. فقد حذر مسؤول أميركي كبير تحدث للصحفيين الشهر الماضي، شريطة عدم الكشف عن هويته، بقوله: “ما تزال لدينا خلافات جدية لم يتم حلها بعد، سواء كان ذلك يتعلق بالخطوات النووية التي يتعين على إيران اتخاذها للعودة إلى الامتثال، أو تخفيف العقوبات الذي ستقدمه الولايات المتحدة، أو تسلسل الخطوات التي سيتخذها الجانبان”.

يقبل كلا الجانبين الآن بإمكانية عودتهما إلى الصفقة في سلسلة من الخطوات المتزامنة بدلاً من انتظار قيام الطرف الآخر بكل شيء أولاً. لكن إيران قالت إنها تريد من أميركا أن ترفع جميع العقوبات التي فرضها ترامب. وتردُّ أميركا بأنها لن ترفع إلا العقوبات التي تغطيها خطة العمل الشاملة المشتركة. وكانت إرادة الرئيس بايدن قد فرضت في آذار (مارس) عقوبات جديدة على عضوين في الحرس الثوري الإسلامي. ويقول هنري روما، من مجموعة أوراسيا الاستشارية، إن هذه الأنواع من العقوبات، “غير المهمة اقتصاديًا وإنما شديدة الحساسية من الناحية السياسية”، هي الأكثر تحديًا. وتشمل هذه العقوبات تصنيف الولايات المتحدة للحرس الثوري على أنه جماعة إرهابية، والعقوبات المفروضة ضد رئيسي نفسه.

في 30 حزيران (يونيو)، قال مجيد تخت روانجي، سفير إيران لدى الأمم المتحدة، إن بلاده تريد “تأكيدات أن… الولايات المتحدة لن تنسحب مرة أخرى من خطة العمل الشاملة المشتركة”. ويقول المسؤولون الأميركيون إنه سيكون من المستحيل توفير مثل هذا اليقين، لأسباب ليس أقلها أنه لا يمكن تحويل خطة العمل الشاملة المشتركة إلى معاهدة ملزمة من دون الحصول على دعم ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ. ويعارض الجمهوريون، الذين يشكلون نصف المجلس، الاتفاق النووي الإيراني بشدة. وعلى أي حال، أظهر ترامب أيضًا أنه يمكن لأي رئيس أميركي أن يخرج من أي معاهدات طويلة الأمد إذا ما أراد ذلك.

كما أن لدى الدول الغربية شكاواها الخاصة. وهي تجادل بأنه على الرغم من أن إيران صورت انتهاكاتها للصفقة على أنها علاجية وقابلة للتراجع عنها، فإنها اكتسبت أيضًا معرفة قيمة -من بين أمور أخرى، من خلال تشغيل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة وتصنيع معدن اليورانيوم (الشكل الصلب المستخدم في المفاعلات أو القنابل، على عكس المركب الغازي المستخدم أثناء التخصيب). وكان من المفترض أن تؤجل خطة العمل الشاملة المشتركة مثل هذا النشاط لأعوام لاحقة، وعلى نحو يؤدي في النهاية إلى إبطاء تقدم إيران النووي. وتريد أميركا الآن أن توافق إيران على محادثات المتابعة التي لن تمدد بنود الاتفاق فحسب، وإنما ستغطي أيضًا قضايا مثل الصواريخ الباليستية الإيرانية ودعم الجماعات المسلحة المتشددة في المنطقة. ويقول رئيسي إن هذه الأشياء “غير قابلة للتفاوض”.

يتسم هذا المأزق بالخطورة بشكل خاص لأن إيران مصممة على تعزيز نفوذها، ليس فقط من خلال التوسع المستمر في نشاطها النووي، وبالتالي تقليص الوقت الذي يستغرقه بناء قنبلة، ولكن أيضًا من خلال التهديد بجعل برنامجها أقل شفافية. في شباط (فبراير)، ألغت إيران العديد من أحكام التفتيش الصارمة التي تفرضها خطة العمل الشاملة المشتركة، مثل تركيب الكاميرات في المواقع النووية، لكنها وافقت على الفور على “تفاهم تقني مؤقت” مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية للإبقاء على بعض الوصول للوكالة.

وكانت قد تم تجديد هذه الإجراءات المؤقتة مرتين، لكنها انتهت في 24 حزيران (يونيو)، بعد أيام من انتهاء المحادثات الأخيرة في فيينا. ولم تقرر الحكومة الإيرانية بعد ما إذا كانت ستمددها -وتلمح إلى أنها قد تحذف البيانات الموجودة على الكاميرات. وقد تكون النية هي إحراج أميركا والضغط عليها، لكنها بالتأكيد إجراءات تقوض الثقة. وفي الأول من تموز (يوليو)، ذكرت وكالة “رويترز” للأنباء أن إيران فرضت قيودًا على وصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى موقعها الرئيسي للتخصيب في ناتانز، في أعقاب التخريب الذي يُشتبه بأنه من عمل إسرائيل في نيسان (أبريل).

على الرغم من كل الحديث الإيجابي الصادر عن فيينا، ثمة أيضًا قلق بشأن مدى الارتفاع الذي تصبح عليه المخاطر. ويقول ميخائيل أوليانوف، مبعوث روسيا، إن تجديد التفاهم بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية من شأنه أن “يُبعد الشكوك التي يمكن أن تكون لها آثار سلبية غير مبررة وطويلة الأمد”. وكان الدبلوماسي الأميركي، مارك فيتزباتريك، أكثر صراحة حين قال: “إن إيران تلعب بالنار”.

نُشر هذا المقال في قسم الشرق الأوسط وأفريقيا من النسخة المطبوعة تحت عنوان “إثراء المحادثات”.

*نشر هذا التقرير تحت عنوان :

Can America ?and Iran revive their nuclear deal?

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى