ترجمات أجنبية

الإيكونوميست – مجرد كلام، ولا تقدم : هل ستساعد فورة من الدبلوماسية إسرائيل والفلسطينيين؟

الإيكونوميست 23/8/2018

غالباً ما يعرب الدبلوماسيون عن أسفهم على حقيقة أن الإسرائيليين والفلسطينيين لا يتحدثون مع بعضهم بعضا. لكنك لن تعرف ذلك من حشد الدبلوماسيين والجواسيس الذين كانوا يجوبون المنطقة هذا الصيف. وهم يتنقلون بين القدس ورام الله وغزة والعواصم العربية، من القاهرة إلى الخليج، على ثلاثة مسارات للمفاوضات. والهدف الأول هو تجنب نشوب حرب بين إسرائيل وحماس، الجماعة الإسلامية المتشددة التي تدير غزة. والهدف الثاني هو محاولة التوفيق بين حماس ومنافسها، فتح، التي تحكم الضفة الغربية. ثم هناك مسعى دونالد ترامب إلى تمرير “الصفقة النهائية” بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ومع ذلك، تبدو النتيجة، بعد إجراء كل هذه الأحاديث المطولة غير الجوهرية بالتزامن، هي الوضع الراهن غير المستقر.

تبدو محادثات الهدنة الجارية بين إسرائيل وحماس هي الأكثر إلحاحاً. وكان الطرفان يقتربان من الحرب أكثر من أي آخر منذ صراعهما الأخير في العام 2014. وقد بدأت التوترات في التصاعد في شهر آذار (مارس)، عندما نظم نشطاء في غزة احتجاجات ضد الحصار الذي فرضته إسرائيل ومصر على القطاع منذ عقد من الزمن. وفي ذروة هذه الاحتجاجات، شارك فيها عشرات الآلاف من الغزيين. وقتلت القوات الاسرائيلية أكثر من 50 منهم في يوم واحد فقط في أيار (مايو). ثم توقفت حماس عن تشجيع الاحتجاجات، خشية أن تخرج الأمور على نطاق السيطرة.

والآن، انحسرت أعداد الجماهير المشاركة في الاحتجاجات. لكن هناك، بدلاً من المظاهرات السلمية في أغلبها، تصاعداً للعنف. فقد أضرم الشبان الفلسطينيون الغاضبون النار في آلاف الأفدنة في إسرائيل عن طريق تحليق الطائرات الورقية والبالونات المشتعلة عبر الحدود. واستخدام البعض منهم الواقيات الذكرية كأجهزة حارقة. وأطلقت الجماعات المسلحة مئات الصواريخ على إسرائيل، وأسقطت إسرائيل مئات القنابل على غزة. وعند كل مرة يندلع فيها العنف، يندفع الدبلوماسيون للتوسط في وقف إطلاق النار. لكن حظوظهم لن تستمر إلى الأبد.

لذلك، تتحدث إسرائيل وحماس بشكل غير مباشر عن صفقة طويلة الأمد. وستقوم حماس بإيقاف الألعاب النارية الوقائية في مقابل حرية حركة البضائع والأشخاص في القطاع. وفي الفترة الأخيرة، قال زعيم حماس، إسماعيل هنية، لسكان غزة: “إننا على الطريق نحو إنهاء الحصار”. لكنهم ربما يصابون بخيبة الأمل. وقد قامت إسرائيل ومصر بتخفيف القيود على الحدود. ومنذ شهر أيار (مايو)، استخدم حوالي 33.000 فلسطيني معبر رفح مع مصر، وهو رقم يزيد على عشرة أضعاف نظيره في الفترة نفسها من العام الماضي. كما ازدادت حركة المرور على معبر إيرتز الحدودي مع إسرائيل بنسبة 58 %. وهو تحسن ملحوظ، لكنه يعني بالكاد حركة حرة لمليوني نسمة من سكان القطاع. ولن يعاد فتح الاقتصاد الممزق في غزة أمام العالم (في واقع الأمر، انخفضت حركة التجارة هذا الصيف).

ولكن، حتى هذه الهدنة الضيقة تشكل عقبة سياسية بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي قد يدعو إلى إجراء انتخابات مبكرة بحلول الربيع القادم. ويشعر أنصاره اليمينيون بالغضب من أن إسرائيل تتفاوض مع حماس تحت الضغط. وأظهر استطلاع أجري مؤخراً أن 28 % من الناخبين في حزب الليكود يؤيدون إبرام صفقة مع حماس، بينما يعارض ذلك 41 % منهم. وتحتجز المجموعة الفلسطينية جثتي جنديين إسرائيليين قتلا خلال حرب العام 2014. وتريد إسرائيل استعادتهما. (كما أن لدى حماس سجينين إسرائيليين على قيد الحياة، وهما بدوي ويهودي إثيوبي، ولذلك تحظى محنتهما بقدر أقل من الاهتمام). وتنظر حماس إلى وجودهما لديها كميزة تفاوضية.

كما أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، غير سعيد أيضاً. وكان مساعدوه يجتمعون مع مسؤولين من حماس في القاهرة لمناقشة إبرام اتفاق يكون من شأنه أن يجعل حماس تتخلى عن سيطرتها على غزة. وكان الطرفان قد وقعا اتفاقية مماثلة في تشرين الأول (أكتوبر)، ولم يتم تنفيذها مطلقاً. وقد تخلت حماس عن البيروقراطية، وسلمت فتح المهمة غير المُجزية المتمثلة في توفير الخدمات العامة في غزة. لكنها رفضت نزع سلاح ميليشياتها. وفي العام الماضي، فرض عباس عقوباته الخاصة على غزة من أجل ممارسة الضغط على حماس. وبقدر ما يبدو هذا غريباً، فإن إسرائيل هي التي تحثه الآن على إلغاء هذه التدابير العقابية، خشية أن تعقّد جهودها الخاصة للتوصل إلى اتفاق مع المجموعة.

وكان عباس، المريض والبالغ من العمر 82 عاماً، قد أبقى على الضفة الغربية هادئة معظم الوقت على مدى عقد من الزمان. وتعمل قوات الأمن التابعة له بشكل وثيق مع نظيرتها الإسرائيلية. وهو يقبل بحل الدولتين. ومع ذلك، ليس لديه ما يمكن أن يعرضه في هذا الصدد -ولا حتى مجرد مظهر لوجود عملية سلام فاعلة، ناهيك عن التوصل إلى اتفاق فعلي. وتنفق إسرائيل الآن المزيد من الوقت على التفاوض (ولو بشكل غير مباشر) مع حماس، التي تعتبرها جماعة إرهابية.

لا يشعر السيد عباس بالارتياح إزاء جهود إدارة ترامب الغريبة. وقد أمضى صهر الرئيس، جاريد كوشنر، ومبعوثه الخاص، جيسون غرينبلات، 18 شهراً في القيام بجولات في المنطقة. وما تزال خطة السلام التي وعدا بها منذ فترة طويلة محفوفة بالغموض. ولا أحد يعرف متى (أو ما إذا) كان سيتم إطلاقها. وقام الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وبقطع التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، التي تقدم المساعدات للاجئين الفلسطينيين. وفي خطاب ألقاه يوم 21 آب (أغسطس)، قال السيد ترامب أن الفلسطينيين “سيحصلون على شيء جيد للغاية” كتعويض. وسيكون القول بأنهم متشككون وصفاً متواضعاً فقط لما يشعرون به إزاء ذلك.

غالباً ما يتعامل المفاوضون المخضرمون مع الصراع على أنه مشكلة في التواصل. وإذا عادت الأطراف إلى طاولة المفاوضات، كما يرون، فسوف يمكنهم التوصل إلى اتفاق. لكن هذه الأطراف تحدثت مع بعضها بعضا منذ عقود. ويمكن لأي إسرائيلي أو فلسطيني أن يتلو تفاصيل حل الدولتين عن ظهر قلب. كما أنتجت حماس وفتح العديد من اتفاقيات المصالحة. وبذلك، فإن القضية لا تتعلق بنقص في الحديث. إنها تتعلق بنقص في الثقة.

قد يجلب التوصل إلى صفقة بين إسرائيل وحماس الهدوء إلى الحدود. كما أنه سيجعل السيد عباس أضعف، وحماس أقل ميلاً إلى إجراء مصالحة حقيقية. وقد أهدر الرئيس ترامب أي نوايا حسنة ربما كان يتمتع بها بين الفلسطينيين. وحتى الدول العربية الحليفة، مثل الأردن، أصبحت غاضبة منه. وإذا كشف عن خطة سلام، فإنها لن تحظى بدعم يذكر. وأظهر استطلاع للرأي نشر في 13 آب (أغسطس) أن 43 % من الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين يؤيدون حل الدولتين، وهو أدنى رقم يتم تسجيله خلال ما يقرب من عقدين من الزمن. والآن بعد مضي خمسة وعشرين عاماً على إبرام اتفاقية أوسلو التي كان الهدف منها هو إنهاء النزاع، أصبح الصراع مجرد كفاح لمنع الأمور السيئة من أن تصبح أسوأ، فحسب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى