ترجمات أجنبية

الإيكونوميست – لماذا نفدت كيب تاون من المياه ؟.. سياسات الجفاف

تقرير خاص – (الإيكونوميست) – 15/2/2018
كيب تاون- عند حافة خايليتشا، إحدى ضواحي كيب تاون، تملأ نتومبي مليتيالاوا علبة طلاء قديمة بالماء من صنبور عمودي، والذي تنوي أن تغسل به الثياب. وبينما يتدفق الماء، تقول إن الامر لا يكون دائماً سهلاً كثيراً. ويخدم الصنبور الذي تستخدمه شارعاً كاملاً من الأكواخ. وفي الفترة الأخيرة، هبط الضغط، وفي بعض الأحيان يتوقف الضخ في الصباح. وتقول السيدة مليتياوالا: “إننا نعاني عندما لا يكون هناك ماء”. ومنذ أعياد الميلاد، تقول إن خط المياه يجف ثلاثة أيام في الأسبوع، مما يجبرها على الانتقال إلى واحد آخر.
أصبحت معاناة السيدة ميلتياوالا في هذه الأيام شيئاً يخيف أيضاً سكان كيب تاون الأكثر ثراء. وفي هذه السنة، تقف المدينة عند نقطة يائسة لتجنب ما تدعوه “اليوم صفر”، النقطة التي يهبط فيها مستوى المياه في الجسور شمال المدينة إلى أقل من 13.5 في المائة، مما يستدعي فرض تطبيق تقنين طوارئ. وفي ذلك اليوم، الذي يصادف حسب التوقعات الرابع من حزيران (يونيو)، سوف تقطع المياه عن المنازل في الضواحي، بالإضافة إلى معظم الأعمال التجارية. وسوف تستمر المياه في التدفق فقط على مركز المدينة، وبعض المستوطنات غير الرسمية، والمدارس والمستشفيات وما شابه. لكن معظم الناس سيضطرون للانضمام إلى الطوابير وجلب الماء من نقاط التوزيع، حيث يستطيعون الحصول على حصة يومية تعادل 25 ليتراً من المياه للشخص الواحد. وكما هو واقع الأمور، فإنه قد يكون بالإمكان تجنب الكارثة. فقد تم تأجيل اليوم صفر إلى حزيران (يونيو) من منتصف نيسان (أبريل) في الأسبوعين الماضيين. وحتى مع ذلك، فإن نقص المياه الذي يضرب واحدة من أغنى مدن إفريقيا لن ينتهي.
تحصل كيب تاون على كل مياهها تقريباً من السدود التي تغذيها مياه الأمطار إلى الشمال من المدينة. وفي معظم فصول الشتاء، تمتلئ السدود حيث تأتي الجبهات الباردة من القطب المتجمد الجنوبي وتمطر على الجبال. لكن سقوط المطر خلال السنوات الثلاث الماضية كان نادراً. ويُتوقع مواجهة الجفاف القاسي كالذي نشاهده الآن مرة في كل 300 عام، كما يقول بيوتر فولسكي من مجموعة محللي أنظمة المناخ في جامعة كيب تاون. وقد تكيف النظام جيداً مع سنتي الجفاف الماضيتين، لكن الثالثة جففت السدود.
مع ذلك، يشكل الطقس جزءاً من المشكلة فحسب. ومن الواضح منذ أعوام أن العدد المتنامي لسكان كيب تاون يحتاجون مزيداً من المياه. وكانت الحكومة قد حذرت في العام 2007 من أن المدينة بحاجة إلى مصادر مياه جديدة بحلول العام 2015 أو أنها ستنفد منه. وكانت حكومة المدينة التي يسيطر عليها التحالف الديمقراطي، أكبر حزب جنوب إفريقي معارض، قد طرحت إجراءات للحد من الاستهلاك مثل إصلاح التسريبات وإجبار الناس على تركيب عدادات. وقد أجل ذلك الكارثة. لكن الحكومة الوطنية المسؤولة عن توفير معظم المياه للمدينة، فعلت أقل من ذلك بكثير. وقد واصلت في الحقيقة تخصيص الكثير من المياه المخزنة في السدود للمزارعين بأسعار مدعومة -حوالي 40 % في العام 2015، ونحو 25 % في هذا العام- بدلاً من تحويلها إلى المدينة، مع أن الزراعة تشكل ما مجموعه 4 % فقط من اقتصاد المحافظة.
لم تؤثر الأزمة كثيراً على اقتصاد كيب تاون. لكن هذا سيتغير إذا جفت الصنابير. ولذلك تنخرط المدينة في حمى من الرسائل المتناقضة. فبالنسبة للمستثمرين الأجانب، تقول إن العمل يستمر كالمعتاد. وللسكان، تقول إن استخدام أكثر من 50 ليتراً في اليوم هو خيانة من الناحية الفعلية. وقد حولت هيلين زيل، المسؤولة الأولى في غرب محافظة كيب تاون إرسالياتها في “تويتر” إلى دليل تعليمي حول الأسباب لعدم الإسراف في استخدام المياه التواليت. أما باتريشا دو ليتل، عمدة المدينة، فقد عكفت على مهاجمة المواطنين الذين يستخدمون الكثير من المياه وسؤالهم عن السبب وراء ذلك.
وقد ساعدت هذه النصائح، فقد هبط استهلاك المياه إلى أدنى مستوى له في أعوام. لكن نصف سكان كيب تاون يستخدمون أكثر من حصصهم. وهناك نظام تعرفة جديدة يستهدف تغريم أولئك الذين تكون لديهم قيم فواتير كبيرة. لكن عدداً قليلاً من الناس يفهمون النظام كما يبدو. ولدى أثرياء كيب تاون الكثير من القصص عن جيرانهم ما يزالون يملؤون أحواض السباحة لديهم.
إذا افترضنا أن كيب تاون لن تجف في حزيران (يونيو)، فإنها ستظل تواجه السؤال عما يجب عمله تالياً. فإذا كان الجفاف هو “العرف الجديد”، كما وصفته السيدة دوليل، فإن مطالبة الناس بتقنين استهلاك المياه سيذهب إلى هذا المقدار وحسب. وسوف تحتاج الحكومة إلى حفر الآبار أو بناء منشآت لتحلية المياه. هذه هي الطريقة التي نجت بها مدن مثل بيرث في أستراليا من الجفاف. لكن علماء المناخ يقولون إن هذا الجفاف ربما كان في الحقيقة غير معتاد كما تقول نماذجهم. فإذا عاد المطر، فإن مشاريع المياه الجديدة يمكن أن ينتهي بها المطاف إلى الحفظ والتجميد.
على أي من الحالين، يكمن جزء من الحل بالتأكيد في تعديل السعر الذي يدفع نظير المياه بحيث يتم تخصيصها بشكل أكثر كفاءة. وربما يفعل السماح لسائح ألماني ثري باستخدام المياه لغسل رمال الشاطئ عن مؤخرته أنفع للاقتصاد من رش هذا الماء على حقول الحنظة.
بموجب النظام الراهن، تخصص الحكومة الكثير جداً لمزارعيها الذين لديهم جماعة ضغط عالية الصوت. وبتسعير مناسب، لا يضطر الساسة إلى التورط (أبعد من ضمان أن يحصل الفقراء على إمداد مناسب يمكن دفع ثمنه). وإذا أدى النقص إلى رفع الأسعار، فإن ذلك قد يدفع الاستثمار إلى زيادة العرض، وهو ما تبدو الحكومة مترددة في فعله. وقد لاحظ الاقتصادي أمارتيا صن، أن المجاعات لا تأتي نتيجة الحصاد البائس وإنما بسبب عوامل أخرى، كالفقر مثلاً. وعلى نحو مشابه، فإنه ليس الجفاف هو السبب في نفاد المدن من المياه وإنما السياسة السيئة.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان : Why Cape Town is running out of water
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 2/3/2018

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى