ترجمات أجنبية

الإيكونوميست – لدى النظر إلى الهنود الحمر، الأميركيون البيض يرون أنفسهم

تقرير خاص – (الإيكونوميست) – 10/2/2018
في وقت مبكر من العام 1924، وجد النبلاء من أصحاب الدم الأزرق في فرجينيا أنفسهم في مواجهة مشكلة. فلتجريم الزواج المختلط بين الأعراق، كانت الدولة قد وضعت قانوناً يصنف أي شخص فيه حتى “قطرة واحدة” من الدم غير الأبيض “ملوناً”. وكان من المحرج أن يشمل ذلك العديد مما تسمى “الأسر الأولى في ولاية فرجينيا”، لأنها تتعقب أصولها إلى امرأة أميركية أصلية من الهنود الحمر، بوكاهونتاس، والتي كان قد اختطفها وتزوجها عضو في مستعمرة جيمس تاون قبل ثلاثة قرون من الزمن. وقد تم اعتبار هذا الأصل بعيداً عن أن يكون مخجلاً. كان علامة على الأرستقراطية الأميركية، بعد أن أعيد اختراع قصة الحياة الحقيقية لبوكاهونتاس (ربما لم تقم في الحقيقة بإنقاذ حياة مستوطن يدعى جون سميث) لتصبح “أميرة أميركية”. ولإصلاح الأمور، أضيفت إلى القانون العنصري عبارة تعرف باسم “استثناء بوكاهونتاس”، لإعفاء أي شخص لا تزيد نسبة الدم الهندي فيه عن واحد من ستة عشر.
هذا الفصل الموثق في معرض جديد في المتحف الوطني للهنود الأميركيين في واشنطن العاصمة، حول الأساطير الهندية والواقع، يساعد على تفسير اللغز الثقافي الأميركي. وقد أصبح من الواضح أن الأميركتين في فترة ما قبل كولومبوس كانتا أكثر كثافة سكانية، وكانت تقطنهما حضارات أكثر تطوراً مما كان يعتقد سابقاً. وبحسب أحد التقديرات، كانت أميركا الشمالية، التي كان سكانها أقل كثافة، تضم نحو 18 مليون نسمة عندما أبحر كولومبوس -أي بعدد سكان أكثر من إنجلترا وفرنسا مجتمعتين. ومع ذلك، ما تزال أميركا في الخيال الشعبي برية شاسعة، يسكنها عدد قليل من صيادي الجواميس. والسبب في سوء الفهم الهائل هذا، كما يقول القيمون على المتحف، يتجاوز مجرد التعليم المدرسي السيئ.
إنه يتغذى على الطرق التي يستغل بها الأميركيون الهنود الحقيقيين والأسطوريين، مثل بوكاهونتاس، للتعبير عن أفكارهم الخاصة عن المواطنة والهوية الوطنية. وفي وقت تواجه فيه هذه الأشياء التحدي من مناهضي المهاجرين البيض وكذلك المواطنين، فإن معرض “الأميركيين”، كما يُسمى، يرتقي ليجسد اسمه: معرض عن جميع الأميركيين.
منذ أول تدفق من الحماس الثوري، استخدم الأميركيون صور الهنود الحمر لتمثيل أنفسهم. والمثال الأقدم في المعرض هو رسم لبول ريفير من العام 1766. كان الرسم في جزء منه تعليقاً ساخراً على رسام كاريكاتير بريطاني يفعل الشيء نفسه. كما أنه جسد تعريف الثوار الأميركيين أنفسهم على أنهم جنس جديد من الرجال، متحرر من الطغيان الأوروبي. وكان خلق رابط بين الهنود والحرية بارزاً في الأيقونات الرسمية منذ ذلك الحين، بما في ذلك الميداليات والطوابع والأفاريز. كما كان بعض المسؤولين حريصين أيضاً على جلب مبادئ التنوير إلى رؤيتهم وتعاملهم مع الهنود الحقيقيين. وقال هنري نوكس، سكرتير حرب جورج واشنطن، إن انتزاع ملكيتهم، سيكون “وصمة عار على شخصية الأمة”، لكن القليلين وافقوه في ذلك.
في العام 1830 بدأت الحكومة بنقل الهنود في شرق المسيسيبي إلى أراضٍ متقلصة فيما أصبحت الآن أوكلاهوما. وأبعد إلى الشمال، في سهول مينيسوتا وداكوتا، تعدى المستوطنون البيض على أراضي الصيد التي تبقى لآخر القبائل الهندية الحرة، سيوكس، مما أدى إلى اندلاع العنف الذي سرع في زوال تلك القبائل. وبحلول نهاية القرن، كان عدد الهنود الأميركيين قد انخفض إلى عدد هزيل هو 250.000 نسمة، متجمعين على بقع من الأراضي الهامشية. وبعد الاستغناء عن الهنود الحقيقيين، بدأت أميركا بفقدان روحها لصالح هنود متخيلين.
كان العديد من هنود أميركا الشمالية مزارعين مستقرين. وكانت البداوة المترحلة في السهول غير نمطية، من صناعة الأوروبيين. وكان هنود سيوكس، الذين كانوا في السابق مزارعين، قد تحولوا إلى صيد قطعان البيسون التي نمت في أرض جعلتها الأمراض المستوردة غير مأهولة، باستخدام خيول حصلوا عليها من الإسبان وبنادق أخذوها من الفرنسيين. ومع ذلك، وبحلول الوقت الذي وقفوا فيه موقفهم الأخير اليائس، كانوا قد وصلوا إلى مرحلة تمثيل جميع الأميركيين الأصليين في الخيال الشعبي. وكان هذا التطور خبيثاً ببعض الطرق؛ حيث شكل وسيلة لربط جميع الهنود بالمقاومة العنيفة، بحيث يكون القضاء عليهم مبرراً. ومع ذلك، سقط الأميركيون في الحب مع أسطورة محارب السيوكس.
بريش النسور على رؤوسهم والتعابير النارية على وجوههم، أصبح هنود السهول مرادفاً للفردية الخشنة التي أحب الأميركيون أن يروها في أنفسهم. وكان هذا واضحاً في العديد من الفرق الرياضية ذات الأسماء الهندية -هنود كليفلاند، رؤساء قبائل مدينة كانساس، وهلم جراً. وهو ظاهر أيضاً في السلع الاستهلاكية والسلع العسكرية التي لا نهاية لها، من الزبدة إلى الصواريخ، التي يتم تسويقها باستخدام صور الهنود -بغية اقتراح الثقة؛ والمتانة؛ والسلامة البيئية؛ والفعالية في قتل الناس. لكن هناك جهداً لإزالة أي دلالات سلبية متبقية من تلك القائمة: على سبيل المثال، يجري التخلص بالتدريج من الرسم الكاريكاتوري العنصري للرئيس قبائل واهو من شعار فريق كليفلاند. وتتقاسم قيم العلامة التجارية ذات الصلة بالهنود شعوراً بالأصالة. ويقول بول تشات سميث، الباحث في شؤون هنود الكومانشي، بطرافة جافة: “اليوم، ليس هناك ما هو أميركي مثل الهندي الأميركي”.
ثمة دروس هنا تفيد في فهم تشنج أميركا الأخير حول مَن هو، ومن ليس، “أميركياً” مشروعاً (وهي كلمة استخدمت في إنجلترا القرن التاسع عشر لتشير حصراً إلى الهنود). السبب الأول هو أن الفظاعات العنصرية التي أُسِّست عليها أميركا، الرق، ونهب الهنود، هي شؤون حديثة جداً وغير محسومة -كما يتضح من الاحتجاجات في الأراضي القبلية وفي الآثار الكونفدرالية- بحيث يصبح القتال على الهوية الوطنية أمراً لا مفر منه. وثمة سبب آخر هو أن الموقف القومي الذي تبناه الكثيرون في اليمين هو أمر غير منطقي. ويسعى أحد المعادين للمهاجرين من مينيسوتا إلى منع المهاجرين من الأزتيك (الذين أطلق عليهم في الآونة الأخيرة اسم المكسيكيين) من العيش في ولاية كان أجداد أجداده قد انتزعوها من أناس عاشوها فيها منذ آلاف السنين.
وهناك درس ثالث، أكثر أملاً، يكمن في الطريقة التي جعل بها الأميركيون من ضحاياهم في وقت ما أبطالاً وطنيين، وأصبحوا يسبغون عليهم الفضائل الأميركية كلها. وليس هذا مجرد وقاحة فظة. إنه يقف شاهداً على قدرة أميركا الحثيثة على توليف أجزائها المختلفة في قصة وطنية رفيعة المستوى. وحتى في الوقت الحالي الموسوم بالشجارات، تبدو هذه الحركة العكسية حاضرة وواضحة -بما في ذلك بين الأميركيين الأصليين الذين يعيشون حياة حقيقية، والذين يصبحون، وإن كانوا ما يزالون محرومين، أقل فقراً وأكثر ثقة. وقد لعب الإعجاب بالثقافة الشعبية دوراً في ذلك. ويقول السيد سميث: “إن البلاد تقول للهنود، المتخيلين والحقيقيين، في الماضي والحاضر: من دونكم أنتم ليس هناك نحن”.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان :
Looking at Indians, white Americans see themselves
ترجمة علاء الدين أبو زينة – الغد – 14/2/2018

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى