ترجمات أجنبية

الإندبندنت – بقلم ريتشارد هول- حملة الصورة لتخريب الخدمة البريدية وسرقة الانتخابات.. هكذا يخطط ترامب للتلاعب بالانتخابات

الإندبندنت – بقلم ريتشارد هول – 17/8/2020

محاولات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تقويض الخدمة البريدية في الولايات المتحدة من خلال منع التمويل عنها وإخراج كثير من ماكينات فرز البريد من الخدمة وإلغاء عمل الوقت الإضافي للموظفين؛ مما يعني في النهاية أن الخدمة لن تكون قادرة على التعامل مع بطاقات الاقتراع في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 والتي يتجه نحو ثلاثة أرباع الأمريكيين إلى الإدلاء بأصواتهم فيها من خلال البريد نظرًا للظروف التي فرضتها جائحة كورونا.

في غرف البريد المنتشرة في طول البلاد وعرضها، تتراكم الرسائل والطرود. ويتعامل الأشخاص الذين يعتمدون على الخدمة البريدية للحصول على الأدوية وشيكات الرواتب مع شركات البريد في الشارع.

ومن السهل أن يرى الجميع سبب هذه الفوضى التي يبدو أنها مُتعمَّدة؛ إذ تختفي صناديق البريد من الشوارع، وتجري إزالة معدات فرز الرسائل من المكاتب، كما يجرى تبني قواعد جديدة من قِبل الرئيس الجديد للخدمة البريدية من شأنها إبطاء عمليات تسليم الرسائل.

تكدس البريد

يقول نيك كاسيلي، رئيس نقابة عمال البريد في ولاية فيلادلفيا، إن: «لدينا واحدًا من أكبر مراكز معالجة البريد في البلاد، ويتكدس البريد لدينا على مدار أيام وأسابيع في جميع أنحاء المكان. ويمكنك استخدام رسائل البريد لتغطية جدران مبنى كبير مثل مبنانا بورق الحائط».

ويوضح الكاتب أنه كان من شأن التغييرات المعنية أن تؤثر تأثيرًا كبيرًا في قدرة الخدمة البريدية على تسليم رسائل البريد في الأوقات العادية. لكنها تأتي في وسط جائحة وقبل انتخابات سيصوت فيها عدد قياسي من الناس عن طريق البريد، كما تأتي في وقت يهاجم فيه الرئيس نفسه نزاهة الاقتراع عبر البريد على نحو شبه يومي، دون دليل، ويوقِف التمويل المادي الحيوي بالنسبة للخدمة.

يقول عمال البريد إن التوقيت ليس من قبيل الصدفة. وهم يحذرون، إلى جانب خبراء الانتخابات والمشرعين الديمقراطيين، من أن التغييرات تشكل تهديدًا خطيرًا على نزاهة الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهي محاولة من قِبل إدارة ترامب لتقويض العملية الديمقراطية.

محاولة للتأثير على الانتخابات الأمريكي

ويقول كاسيلي: «هذه محاولة متعمدة للتأثير على الانتخابات الرئاسية المقبلة. إنه يريد أن يدير الجمهور الأمريكي ظهره للخدمة البريدية. وهذا يقوِّض عملية الاقتراع في نوفمبر».

إن الفرضية القائلة بأن رئيسًا يشغل المنصب يحاول إضعاف الخدمة البريدية للمساعدة في محاولة إعادة انتخابه، قد تبدو وكأنها نظرية مؤامرة جامحة لو لم يعترف ترامب نفسه بأن هذه هي نيته. وبعد أسابيع من مهاجمته للخدمة البريدية وقدرتها على التعامل مع بطاقات الاقتراع عبر البريد في الانتخابات المقبلة، قدَّم ترامب تفسيرًا صريحًا الأسبوع الماضي حول سبب منعه للتمويل الطارئ للخدمة في مشروع قانون التحفيز القادم لمعالجة آثار فيروس كورونا؛ إذ قال ترامب لفوكس بيزنس: «إنهم بحاجة إلى هذه الأموال من أجل أن يمضي العمل في مكاتب البريد قدمًا حتى يتسنى لها استقبال كل هذه الملايين والملايين من بطاقات الاقتراع. ولكن إذا لم تحصل مكاتب البريد على هذين العنصرين، فهذا يعني أنه لا يمكن إجراء تصويت عام من خلال البريد، لأنها غير مجهزة لذلك».

ويشير هول إلى أن تصريحات ترامب نفسها تكشف عن الصلة الواضحة بين احتمالات انتخابه وهجماته على الخدمة البريدية الأمريكية. ومنذ ترشيح جو بايدن بصفته مرشحًا ديمقراطيًّا، تراجع موقف ترامب على نحو مطرد حتى أن إعادة انتخابه أصبحت موضع شكٍ كبير. ومع انخفاض الأرقام التي يحصل عليها في الاقتراعات، ازدادت هجماته على نزاهة الاقتراع عبر البريد، وهو الآن يشير مرارًا وتكرارًا، دون دليل، إلى أن التصويت عرضة للاحتيال – وهو ادَّعاء لا يدعمه أي خبير انتخابات مستقل ولم يقدم أي دليل على صحة ما يقوله.

وأصبحت هجماته عامل تجميع للديمقراطيين في الأيام الأخيرة؛ حيث دعا المشرعون في كلا المجلسين إلى جلسات استماع ومشاريع قوانين لدراسة التغييرات الجاري تنفيذها.

التصويت بالبريد تهديد لإعادة انتخاب ترامب

وقال العضو الديمقراطي في الكونجرس، إريك سوالويل، لصحيفة الإندبندنت: «أعتقد أن الدافع واضح تمامًا، دونالد ترامب يرى الاقتراع عبر البريد تهديدًا لإعادة انتخابه، ومن ثم فهو يسعى إلى تفكيك مكتب البريد».

وأضاف أن أسوأ السيناريوهات هو أن «يُحرَم ملايين الأمريكيين من حق التصويت» أو يحدث تثبيط لهم عن الإدلاء بأصواتهم وسط سحابة من الارتباك أوجدها الرئيس.

وقال سوالويل، العضو في مجلس النواب عن ولاية كاليفورنيا، والذي كان أحد الموقِّعين على خطاب وقَّع عليه أكثر من 170 عضوًا من أعضاء مجلس النواب الديمقراطيين وأُرسِل إلى مدير خدمة البريد يعبرون فيه عن مخاوفهم بشأن التغييرات: «أخشى أن يؤدي مجرد شبح ذلك إلى حدوث ارتباك كبير، لأن الناس الآن سوف يتساءلون عن إذا ما كانت أصواتهم ستخضع للفرز أم لا».

وفي محاولة واضحة لإعاقة قدرة الناس على التصويت عبر البريد، أوقف ترامب التمويل الذي تُعد الحاجة إليه ماسَّة لخدمة البريد لمساعدته في التعامل مع الضغوط الناجمة عن فيروس كورونا.

رفض التمويل الطارئ للخدمة البريدية

وطالب الديمقراطيون في مجلس النواب بتخصيص مبلغ 25 مليار دولار للخدمة البريدية باعتباره جزءًا من حزمة إغاثة قيمتها ثلاثة تريليونات دولار خاصة بفيروس كورونا. وستشمل هذه الحزمة أيضًا 3.6 مليار دولار لتمويل الانتخابات لمساعدة الولايات على تلبية مطالب إجراء التصويت أثناء الجائحة. ورفض البيت الأبيض هذا الاقتراح، مستشهدًا بمزاعم ترامب الزائفة بأن توفير التمويل سيؤدي إلى الاحتيال.

لكن معركة التمويل هي مجرد جزء من حملة أوسع لعرقلة الخدمة البريدية، التي يعتمد عليها الملايين في تسليم الوصفات الطبية وشيكات الرواتب والفواتير. وتثير التغييرات الجذرية في الطريقة التي تعمل بها الخدمة البريدية، بالتوازي مع هجمات ترامب، قلق خبراء الانتخابات.
ويشير الكاتب إلى أن التخطيط لبعض هذه التغييرات جرى منذ أشهر ولكن الرئيس الجديد للخدمة البريدية، لويس ديجوي – أحد كبار المانحين لحملة لترامب – نفذ المزيد من الإصلاحات التي أضعفت على نحو كبير قدرة عمال البريد على تسليم البريد في الوقت المحدد.

ويُعيَّن المدير العام للخدمة البريدية من قِبل مجلس محافظين مُعيَّن من قِبل إدارة ترامب. وعندما وقع الاختيار على ديجوي للمنصب في مايو (أيار) من العام الجاري، احتج الديمقراطيون بشدة على الفور بحجة حدوث خطأ.

وقال عضو الكونجرس عن ولاية فيرجينيا، جيري كونولي، في ذلك الوقت «فكرة أننا سوف نُعيِّن مانحًا سياسيًّا حزبيًّا ونقبل تعيينه دون مؤهلات… هي فكرة طائشة وغير مسؤولة… ولطمة من قبل ترامب لخدمة يعتمد عليها الأمريكيون كل يوم».

وديجوي حليف سياسي لترامب وتبرع بمبلغ 1.2 مليون دولار لحملته بين عامي 2016 و2020، وفقًا لتقارير تمويل الحملات التي وضعتها لجنة الانتخابات الفيدرالية (FEC).

تغييرات تحت قناع خفض التكاليف وزيادة الكفاءة

وقد نفَّذ ديجوي عديدًا من التغييرات تحت قناع خفض التكاليف وزيادة الكفاءة. ومنذ تعيينه، منعت خدمة البريد الموظفين من العمل لساعات إضافية والخروج في رحلات إضافية لتسليم البريد. كذلك تسارعت وتيرة إزالة صناديق البريد ومعدات فرز البريد. وفي بعض غرف البريد، تُقلَّل ساعات العمل ويُترك البريد ويتأخر تسليمه.

وأصر ديجوي على أن هذه التغييرات ضرورية، لأن خدمة البريد واجهت انخفاضًا حادًا في الإيرادات بسبب فيروس كورونا، بلغ 2.2 مليار دولار في الأشهر الثلاثة الأخيرة. وللإجراءات الجديدة تأثير سلبي على الأرض بالفعل.

إزالة المعدات تعيق العمل ولكنها جزء من مشكلة أكبر

تقول كمبرلي كارول، وهي موظفة بالبريد في ولاية أيوا المتأرجحة في الانتخابات (أي لا تحتوي على أغلبية جمهورية أو ديمقراطية وبذلك يتغير موقفها من دورة انتخابية لأخرى): «نشهد إزالة للمعدات، ولم يؤدِ ذلك إلى إعاقة العمل بعد، لكنها جزء من مشكلة أكبر».

وأضافت: «لقد بدأوا برنامجًا تجريبيًّا يغير طريقة تعاملنا مع البريد غير المعالج وهو أقل كفاءة بدرجة أكبر. ويتعين علينا مضاعفة التعامل مع البريد وفي كثير من الحالات نترك البريد متأخرًا، أو يتعين على شركات النقل العودة عدة مرات للحصول على البريد».

وقد أثَّرت تغييرات مماثلة على تسليم البريد في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك في عديد من الولايات المتأرجحة التي يمكن أن تقرر نتيجة الانتخابات. وفي يونيو (حزيران)، أُبلِغ مسؤولو النقابة بأن 671 ماكينة لفرز البريد ستخرج من الخدمة بسبب «تقليص حجم الرسائل وحجم البريد الثابت»، حسبما أوردت صحيفة نيويورك تايمز. وتأثر عدد من الولايات الحاسمة بشدة بهذه التخفيضات: أُزِيل حوالي 24 ماكينة في ولاية أوهايو، بالإضافة إلى 11 في ولايتي ميشيجان وفلوريدا على الترتيب، وتسع في ولاية ويسكونسن، وثمانٍ في فيلادلفيا، وخمس في ولاية أريزونا.

وفي المنطقة التي يمثلها كاسيلي في ولاية فيلادلفيا، أُزِيلت خمس ماكينات لمعالجة البريد.

يقول: «تعالج كل ماكينة أكثر من 100 ألف رسالة بريد يوميًّا. وهذا يعني نصف مليون رسالة بريدية. وعندما تستمر في سحب الآلات، سيحدث تأثير الدومينو (تراكمي)، وآلات أقل يعني توزيع بريد أقل». وأضاف «ترامب ليس غبيًّا؛ إنه يعرف كيف يدمر شركة». كما أُبلِغ عن تأخيرات مماثلة في ولايتي مين وأوريجون.

الغالبية من الناخبين سوف يستخدمون البريد

ولفت المراسل إلى أن المشكلة قد تكون أكبر بكثير عندما تبدأ بطاقات الاقتراع في الوصول. وبسبب الجائحة، سيصوت المزيد من الأمريكيين عبر البريد في هذه الانتخابات أكثر من أي وقت مضى. وبينما تختلف قواعد التصويت من ولاية إلى أخرى، أدخل ما يقرب من نصف الولايات تعديلات لمنح وصول أسهل إلى التصويت عبر البريد، والذي كان متاحًا في عديد من الولايات في السابق لأسباب محددة فحسب.

وجد تحليل أجرته صحيفة نيويورك تايمز أن ما لا يقل عن ثلاثة أرباع جميع الناخبين سيكون لهم الحق في التصويت بالبريد – وهو ما يقول الخبراء إنه قد يصل إلى حوالي 80 مليون بطاقة اقتراع تنطلق عبر غرف البريد. وبالمقارنة مع التسارع الذي تشهده خدمة البريد في عيد الميلاد، عندما تتعامل مع حوالي 500 مليون قطعة بريد كل يوم، قد لا يبدو هذا كثيرًا. لكن اقتران صعوبات التمويل بالتغييرات في مكان العمل وتقليل المعدات الذي أدخله ديجوي يعني أن قدرة عمال البريد على تسليم بطاقات الاقتراع في الوقت المحدد تعد مهددة.

وهناك أدلة أيضًا على أن عددًا أكبر من الديمقراطيين يعتزم التصويت بالبريد أكثر من الجمهوريين. ووفقًا لاستطلاع وول ستريت جورنال/إن بي سي نيوز الذي نُشر هذا الأسبوع، يعتزم حوالي 47 بالمئة من الناخبين الذين يدعمون بايدن التصويت عبر البريد، مقارنة بـ 11 بالمئة من الناخبين الذين يدعمون ترامب.

ودفعت الأزمة التي تلوح في الأفق خدمة البريد إلى إرسال رسائل إلى 46 ولاية وواشنطن العاصمة تحذر من أنها لا تستطيع ضمان وصول جميع بطاقات الاقتراع المرسلة عن طريق البريد في انتخابات الرئاسة في الوقت المناسب ليجرى فرزها – حتى لو اتبع الناخبون جميع القواعد.

خدمة البريد تحذر الناخبين والمسؤولين

وأبلغت مارثا جونسون المتحدثة باسم الخدمة البريدية للولايات المتحدة، لصحيفة واشنطن بوست في بيان: «تطلب خدمة البريد من مسؤولي الانتخابات والناخبين التفكير بواقعية في الطريقة التي يعمل بها البريد». وذكرت صحيفة واشنطن بوست أن التحذيرات صدرت في نهاية يوليو، ولكن جرى التخطيط لها قبل أن يتولى ديجوي منصبه.

ومع ذلك، أثارت تصرفات ديجوي حفيظة الديمقراطيين. وتثير رسالة كتبتها رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وكارولين مالوني وهي عضوة في الكونجرس ورئيسة لجنة الرقابة والإصلاح، ووقَّعها 192 عضوًا ديمقراطيًّا في مجلس النواب، «مخاوف جدية» بشأن التغييرات التي نفذها ديجوي.

تغييرات غير مسؤولة

وقالت مالوني التي تمثل إحدى مناطق نيويورك، لصحيفة الإندبندنت إن «التغييرات الجذرية التي أجراها ديجوي في خضم الجائحة وقبل أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية التي سيدلي فيها عشرات الملايين بأصواتهم عبر البريد، هي تغييرات غير مسؤولة على الإطلاق».

وأضافت: «تسببت هذه التغييرات في حدوث ارتباك بين الإدارة وعمال البريد على الأرض الذين يقدمون خدمات أساسية للشعب الأمريكي. ويتعين على إدارة ترامب التوقف عن تقويض خدمة البريد، والتأكد من أنها تعمل كما كانت في الماضي من خلال إعطاء الأولوية للبريد الانتخابي حتى تُسلَّم بطاقات الاقتراع إلى الناخبين ومجالس الانتخابات في الوقت المناسب ليجرى فرزها».

بينما لم تصل الرسالة إلى حد اتهام ديجوي بأنه جزء من خطة إدارة ترامب لتقويض الانتخابات، إلا أن آخرين لم يتورعوا عن اتهامه. يقول سوالويل: «أعتقد أن الرئيس قد عيَّن شخصًا أُعطيت له أوامر بتفكيك مكتب البريد وتركيعه على ركبتيه». وأضاف: «أسوأ ما في الأمر أنه يحدث خلال جائحة يحاول فيها الناس أن يكونوا مواطنين صالحين ولا يغادرون منازلهم. وفي وقتٍ هم فيه في أمس الحاجة إلى (مكتب البريد)، يمنعهم (هذا الشخص) من أداء واجبهم».

* ريتشارد هول، كبير مراسلي الاندبندنت البريطانية في الولايات المتحدة الأمريكية

** نشر هذا المقال تحت عنوان  :

He knows how to destroy a company’: Inside Donald Trump’s campaign to sabotage the postal service and steal the election

الكاتب  Richard Hall

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى