الإندبندنت ، روبرت فيسك يكتب – تقرير مايكل لينك المقرر الخاص للأمم المتحدة حول المستوطنات الإسرائيلية يروي الحقيقة.. لكن العالم يرفض الإنصات

الإندبندنت ، روبرت فيسك 17/11/2019
مايكل لينك، رجل طويل القامة ذو عينان مشرقتان وابتسامة عريضة. قد يعلم قانون حقوق الإنسان في جامعة ويستيرن في لندن أو أونتاريو. لكن بصفته المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، يتعين عليه تحمل غضب إسرائيل وأتباعها في الخارج، وليس على الأقل في وطنه الأم كندا، وحتى قبل عامين، تحمل عداوة وزير خارجية بلاده.
ففي تقريره الأخير للأمم المتحدة، يذكّر القراء بأن إقامة “مستوطنات مدنية” إسرائيلية في الأراضي المحتلة تعد خرقًا لاتفاقية جنيف الرابعة و”جريمة حرب” بموجب نظام روما الأساسي. لذلك يمكنك فهم السبب في أن لينك البالغ من العمر 67 عامًا، وهو محام محترف، يمر بأوقات عصيب منذ تعيينه قبل ثلاث سنوات في المنصب التطوعي للأمم المتحدة.
عند تعيين لينك مقررًا خاصًا، اكتشف ستيفان ديون وزير خارجية جوستين ترودو آنذاك أن “يو إن واتش،” وهي جماعة ضغط مؤيدة لإسرائيل، قد نعتت لينك “باللاسامية” – وهي الفرية المعتادة التي تلحق بأي شخص ينتقد تصرفات الحكومة الإسرائيلية. واقترح ديون إجبار لينك على الاستقالة، لكنه سرعان ما فقد وظيفته في وزارة الخارجية وتدهورت مسيرته المهنية.
لكن لينك سلك الاتجاه الآخر، حيث أصبح مزعجا لكل المتهمين بانتهاك القانون الدولي في الشرق الأوسط. وبالتأكيد لم تنجو حماس من تقريره، حيث حملها مسؤولية “الضرب والاعتقال والاحتجاز التعسفيين والتعذيب والمعاملة السيئة” لمئات المحتجين الفلسطينيين في غزة. لكن الانتقادات التي تعرض لها لم تكن تتمحور حول عدالته.
قال لي لينك: “قام ديون باقتباس هذه الحجج الرديئة [من يو إن واتش] واستخدمها في إعادة تغريدته المطالبة بمعارضة تعييني… واعتقدت أن أكاديميًا سابقًا يفترض فيه النظر في كتاباتي قبل قول ذلك.. لكنني أعتقد أنه كان مجرد ديون السياسي.. واستغربت دائمًا أن يُعتبر شخصًا راديكاليًا لإصراره على تطبيق القانون الدولي.”
أخبرني لينك على نحو مخادع أنه “مجرد أستاذ قانون غائب عن التفكير وأب لطفلين” – وهو ما قد لا يكون صحيحًا. لكن في تقريره، كان بعيدا كل البعد عن الغلاظة في هجماته على عقود من الاحتلال الإسرائيلي.
ولنجرب هذه الفقرة، على سبيل المثال: “لم يعمل أي احتلال في العالم الحديث مع المجتمع الدولي الواعي جدا لانتهاكاته العديدة للقانون الدولي، ويمتاز بمعرفة واسعة بنوايا المحتلين الإسرائيليين الواضحة والمشار إليها جيدًا في ضم وإرساء سيادة دائمة، ومطلع جيدًا على حجم المعاناة ومصادرة ممتلكات الفلسطينيين تحت الاحتلال، ومع ذلك لا يرغب في التصرف بناءً على الأدلة الكثيرة المعروضة أمامه… “
فعند قراءة ذلك والفقرات اللاحقة في تقريره المكون من 23 صفحة، فمن الواضح أن لينك لا يكتب الحقيقة فقط، بل الأنكى من ذلك أنه يعرف كيفية الكتابة. فالبلاغة نادرًا ما يتم اكتشافها في وثائق الأمم المتحدة.
بدورها ، لم تستجب الحكومة الإسرائيلية حتى لطلبات لينك لزيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967. وحصل على معظم شهادات الشهود المباشرة في عمان أو عبر الفيديو كونفرنس بين الأردن وغزة. ولم يركز كثيراً على الإرادة المتعمدة في قمع الفلسطينيين ولكن على مسألة المساءلة الأخلاقية.
فعلى سبيل المثال، بما يتعلق بالإخفاق في مساءلة إسرائيل عن ممارستها للسلطة، كتب: “أعداء المساءلة هما الإفلات من العقاب والاستثناء،” … أولئك الذين يؤكدون أنهم معفيون من توجيهات نظامنا الدولي والدبلوماسي، لا يتحدون سيادة القانون فحسب، بل يفشلون أيضًا في اختبار الواقعية السياسية. لأنه لا يمكن لأي بلد أن يحافظ لفترة طويلة على مكانته ونفوذه في مجتمع الأمم إذا كان يؤكد حججًا خاصة محظورة على الآخرين … فالإفلات من العقاب في أي مكان يشكل خطراً على العدالة في كل مكان.”
ويضيف لينك أن إسرائيل “تقيم جيدا المجتمع الدولي وبخاصة الدول الصناعية الغربية التي تفتقر إلى الإرادة السياسية لإجبارها على وضع حد لإفلاتها من العقاب”. كما أنه يقتبس من الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي الذي كتب “لا توجد دولة تعتمد على دعم المجتمع الدولي مثل إسرائيل، إلا أن إسرائيل تسمح لنفسها بتحدّي العالم حيث أن القليل من الدول تمتلك الجرأة على ذلك.”
وما يصفه لينك بـ “الضم الإحتلالي” للأراضي الفلسطينية هو “متواصل إلى ما لا نهاية بدون أي تدخل دولي حاسم”. ويقترح، وهنا جوهر المسألة، بأنه ينبغي على العالم “اتخاذ الخطوات اللازمة لبناء قائمة جماعية من التدابير المضادة الفعالة … فإذا بقيت القوة المحتلة [الإسرائيلية] غير متأثرة” ، فإن مجموعة “التدابير المضادة المستهدفة يجب أن تتصاعد.”
ويبدو لي هذا مثل العقوبات، حيث يحوم شبح المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات بسبب هذه الكلمات على الرغم من أن لينك لا يشير إليها. لكن الرسالة الحقيقية لتقريره تبدو واضحة تمامًا: يجب أن ينتهي هذا الإفلات من العقاب.
لكننا نعلم جميعًا أن حيوانات الوشق في هذا العالم، وحمار الأمم المتحدة القديم، لا تأثير لها على “الترامبيين” و “الكوشنيرين” ووهمهم “بصفقة القرن” التي تؤدي بالفلسطينيين إلى الاستسلام وتدمير أي أمل أخير في تقرير المصير.
فلن تكون هناك دولة فلسطينية. وإذا ما أعيد انتخاب ترامب العام المقبل، قد تطالب إسرائيل حقًا بملكية كل الأرض بين القدس ونهر الأردن، ما يمثل نهاية “فلسطين”.
وقد تكون أيضًا، دولة عنصرية بدون حق التصويت للفلسطينيين، ما يعني نهاية إسرائيل “الديمقراطية.”