أقلام وأراء

اكرم عطا الله يكتب – هذا وطن أم كومة خراب ..؟؟

اكرم عطا الله ١٧-٩-٢٠١٨

بالنسبة لجيلنا الذي تفتح وعيه في ثمانينات القرن الماضي وبنى قصوراً من الأحلام على أغاني محمود درويش والانتفاضة الأولى معتقداً أن النصر قاب قوسين ينظر بحسرة الى واقع يغرق في كوابيس السياسة وجشع الساسة الذين تسلموا أعدل قضية ليحولوها مرثية للحزن الطويل وكوابيس في ليال أطول من ليلة ذلك الشاعر الذي كان يعد موج البحر بلا نهاية كما واقعنا الرث.

هذا الوطن اليتيم المجروح برصاص أبناءه الطائش أو الطائشين في لعبة السلطة التي أصيب هواتها بالإدمان فأصابونا بصدمة الاستقلال قبل أن نبلغه فقتلوا الحلم وقتلوا النشيد وأغلقوا بما يملكون من فائض جهل فاض عن حدود المعقول والمقبول ليقدموا لنا الحلم مسجى فوق سياسات فقدت رشدها وأجيال كانت شامخة يوماً ما قبل أن يقتلها أبناءها ويدوسونها بأقدامهم.

أي وطن هذا يتصارع ذئابه بلا رحمة على جيفة السلطة فيسلمونا بقاياه كومة من خراب منقسم متباعد متنافر ومعدم كل قطعة فيه تحمل من الهموم ما يعجز الإله أطلس أن يحملها على ظهره وطن بلا مؤسسات أشبه بدواوين العشائر ولا انتخابات ولا مجلس شعب ولا قانون ولا أي شيء يشبه الأوطان والعزاء للمواطن أن له أجهزة أمن تعد أنفاسه وفناجين قهوته وحروفه على الفيس بوك تمهيداً لتهديده أو اعتقاله.

الحقيقة أنني أغبط المنتمين للفصائل والذين يحاولون أن يقوموا بمهنة التنظير لها ولإنجازاتها ويجملون الواقع تحت حكمها حين يحاولون استيلاد وردة من بين أنهار الدموع التي تجري في هذا الوطن حزناً وبؤساً مما صنعته القوى وصراعاتها …أغبطهم وهم يستولدون انتصارات من بين كومة الهزائم التي تحيط بمواطن فقد كرامته في لعبة خداع الذات التي اعتاد عليها العقل العربي لنكتشف بعد عقود من الكفاح أن كل انجازاتنا الدبلوماسية لم تقترب نحو الدولة وأن كل كفاحنا المسلح لم يقترب نحو الاستقلال وأن ما لدينا من حقائق هو استيطان يبتلع الضفة وحصار يبتلع غزة ومواطن يحمل على أكتافه عبء الحكم العابث وعبء الاحتلال.

ما لدينا مجموعة فصائل متناحرة تأكل نفسها على وسائل الاعلام في مشهد كوميدي تراجيدي يدعو للضحك أحياناً وللحزن أكثر مما تصل اليه هذه النهاية والحرب على أشدها لإقناع المواطن بأن كومة الخراب القائمة ليست أكثر من دعايات واشاعات لكن الحقيقة النائمة في عقولهم أن الاستقلال قد تحقق، لقد أصبحت الخرافة هي ما يحكم خطابنا معتقدين أن كل تلك الثقوب التي أحدثها لعبهم بالنار يمكن تغطيتها بخطاب أو بشعار …..يا ويلنا.

لقد أطفأوا شموع الوطن التي كانت متقدة يوماً ما وأنا من جيل يذكر كيف كان يودع الأب ابنه الذاهب للدراسة بالدموع لأنه لن يراه لعام كامل هذا في زمن الاحتلال وفي زمن الحكم الوطني أرى الآباء يجتهدون لتهجير أبناؤهم من الوطن ويدفعون المال لرحلة نحو المجهول قد تنتهي بهم نحو الموت تهريباً في أقاصي الأرض لكنهم فرحون، وتلك الظاهرة لا تقرأها أجهزة الأمن فهي ليست معنية سوى بحراسة الحكم على البوابات.

في الشارع أرى أطفالاً يحملون حزن العجائز ورجال انكسرت هاماتهم يتسولون بعيون دامعة ونساء فقدت أنوثتها وهي تبحث عن لقمة العيش وشبان ضاع العمر بالنسبة لهم وهم ينتظرون سراب مصالحة العجزة وشهادات خريجين ابتلت بدموع أصحابها كلما عادوا الى نهر الحنين حين اعتقدوا أن تلك مفتاح الحياة ليكتشفوا أنها في وطن بفضل أبناءه من الحكام أشبه بشهادة الميلاد أو رزنامة قديمة تغير لونها.

ماذا يعني الوطن لمن فقد مستقبله في ساحة صراع الفصائل؟ ماذا يعني الوطن لأب لم يجد ما يطعم أبناؤه؟ ماذا يعني الوطن لأم لا تسمع غير الشكوى والأنين ؟ وماذا يعني الوطن لطفل لا يأخذ مصروفه اليومي أو يذهب بحذاء ممزق ليطلب منه المدرس أن يكتب اسم الوطن على دفاتر الدراسة، الوطن بالنسبة لهؤلاء كومة من الخراب التي لا يراها القادة ولا منظري الأحزاب الذين يرون أن الوطن بخير كم هم محظوظون عندما تتعطل أجهزة الاحساس …وأما نحن علينا أن نتوسد حزننا على مهل لئلا يسمع الأعداء أنين الفقراء والبؤساء..!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى