أقلام وأراء

اكرم عطا الله يكتب – اسرائيل من البحث عن التهدئة لقرع طبول الحرب

اكرم عطا الله ١٣-٨-٢٠١٨

خلال ثلاثة أيام تغير كل شيء على طرفي الحدود بين غزة واسرائيل من مواجهات محسوبة بدقة أراد طرفاها أن يرسلا رسائل كل للآخر بهدف ارغامه على قبول التهدئة والتي هبط سقفها من خمسة سنوات كان يعد لها المبعوث الدولي الى وقف اطلاق نار مؤقت لحظي ينهي مواجهة آنية ومع ذلك لم يكن أي من الطرفين يريد الحرب كان ذلك واضحاً من حجم وتوجيه النيران ومن التصريحات والتحذيرات التي تنطلق.

لكن الثماني والأربعون ساعة الأخيرة شهدا تغيراً دراماتيكياً بدرجة كبيرة من سعي الأطراف الى واطلاق النار الى قدر من التهديدات الاسرائيلية بالحرب وهي تهديدات لا تبدو هذه المرة أنها تهدف لأن تكون بديلة عن استعمال القوة بل تمهد لها وهذا ما كان واضحاً في الجدال العام في اسرائيل وما نقلته وسائل الاعلام في اليومين الماضيين مما قاله عسكريو وسياسيو اسرائيل وكذلك مجموع المواد التي يتم ضخها يومياً والتي نفهمها في سياق تهيئة الرأي العام للحرب ان اندلعت فصحيفة هآرتس نشرت استطلاعاً للرأي العام حول اغتيال قادة حركة حماس والغريب أن 86% من المستطلعين أراؤهم يؤيدون العودة لسياسة الاغتيالات.

لكن آراء أخرى في اسرائيل تقول أن الحرب هي الخيار الوحيد وبعضها يتحدث عن اسقاط حكم حركة حماس وأن ساعة اطلاق الرصاصة الأولى تقترب وأن لا مفر منها وأن سياسة الاغتيالات تعني الحرب مباشرة لأن حركة حماس لن تسكت على اغتيال أحد قادتها وسترد بالصواريخ وبالتالي على اسرائيل أن تمتلك المبادرة وتذهب لهذا لخيار الحرب مباشرة .

الحقيقة في هذا الانقلاب من البحث عن الهدوء وهو ما تمسك به نتنياهو حتى اللحظة الأخيرة في معركة الخميس الماضي بل وقام بتأخير اجتماع الكابينيت لساعتين حتى يسمع خبراً في صالح خياره من ميلادينوف الذي كان يتحرك في الساعات التي سبقت التهدئة الى أن جاءه ما يريد ليفرض في الكابينيت ضرورة وقف القتال بين الجانبين وقد تم.

لكن رئيس الوزراء الاسرائيلي لم يكن يدرك أن نهاية الجولة والقاء مائتي صاروخ على اسرائيل دون اعلان الحرب هذا يعني تآكل في قوة الردع الاسرائيلية وهو ما أشار له الكثيرون محملين نتنياهو وليبرمان المسئولية عن هذا التآكل بل أن زعيم حزب العمل آفي غباي طالب ليبرمان بالاستقالة بسبب هذا الشعور ولم يكن يدرك نتنياهو وهو ينتظر التهدئة أن تلك ستتحول الى مادة اعلامية دسمة ضده وأنه سيتحول الى خرقة بالية في الوسط السياسي والاعلامي.

اليمين الاسرائيلي تظاهر أمام منزله مساء السبت حاملين البلالين والطائرات الورقية مطالبين برحيله بسبب ضعفه وأزمته هنا أنه قدم نفسه في سنوات حكمه الماضية كرجل الأمن ومرشح اليمين والآن يبدو على درجة من الوهن الذي أفقد اسرائيل قوتها الردعية وكذلك ايهود باراك هاجمه بشدة وقد برزت في الاعلام الاسرائيلي بشكل أكثر وضوحاً صورة الأرانب كتعبير عن نتنياهو وحكومته.

تلك كانت واحدة من أسباب الانقلاب في اسرائيل بل وربما الأهم في تفكير رئيس الحكومة الذي اتخذ خطاً أكثر تطرفاً في اليومين الأخيرين بعد الهجوم عليه ووسط هذا المناخ الذي يهدد بالاطاحة بمستقبله السياسي كشخصية ضعيفة لحظة الحسم في دولة تعشق الجنرالات والقوة تظهر صورة نتنياهو الرجل الذي لا يستطيع اتخاذ قرار بل أن الدولة يتم ضربها دون أن يستطيع الدفاع حتى في دولة عاشت على التهديد بالقوة والردع من بعيد هذا كله بات واضحا أنه لن يتم ترميمه إلا بالخروج إلى حرب إن لم تكن الحكومة الإسرائيلية قادرة على اتخاذ قرارها في الماضي بسبب موقف الجيش لكن عندما يصل الأمر حد المساس بقوتها الجماهيرية وإعادة انتخابها هذا يعني أن الذهاب نحو المغامرة أمر وارد فهو أقل خطورة من المغامرة بالمستقبل السياسي والحكم.

هذا التطور ينبغي قراءته بتمعن وبجدية دون الوثوق بنتيجة المعركة الأخيرة والتي أحدثت نوع من التوازن مرده شجاعة المقاومة وفقدانها لدى القيادة الإسرائيلية لكن لا ننسى إن حدثت الحرب فالشجاعة وحدها لا تكفي لان السلاح هو الذي يجدد مصيرها وإسرائيل دولة مدججة وعلينا أن نتذكر أنه في المعارك الصغيرة والقصيرة تمكنت الفصائل الفلسطينية من تحقيق نوع من التوازن وهي لا تشكل عبء على المواطن بينما الحروب الطويلة يصبح فيها الوقت على حساب الجانب الفلسطيني وتشكل ثقل على المواطنين بل وتضغط إسرائيل على الحياة كواحدة من وسائلها وبالتالي الأمر يحتاج إلى حسابات عقلانية لا تغريها معركة واحدة في لحظة معينة.

نتنياهو يشعر بأن سهاما كثيرة وجهت نحوه وطعنته بعد قبوله التهدئة وبالتالي هو مثل الثعلب الجريح وهذا أكثر خطرا من غيره فالتهديدات التي تطلق يجب ان تؤخذ على محمل الجد هناك تطورات أحدثتها وقائع نهاية الأسبوع لا يجب إهمالها في لحظة نشوة كانت إسرائيل تبحث عن تهدئة وسط النار .. هي ليست كذلك دائما والمناخ ليس في صالح الفلسطينيين إن اندلعت الحرب..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى