اغتيال سكريبال وتداعياته على التوتر الروسي الأوروبي
بقلم: بسمة سعد، المركز العربي للبحوث والدراسات١٢-٤-٢٠١٨م
لم تغب الحرب التاريخية الدائرة بين موسكو والغرب منذ انتهاء الحرب الباردة في عام 1991 عن العلاقات بين موسكو وحلف الـ”ناتو” الذي تشكل في عام 1948, فظلت العلاقة بين الجانبين في حالة شد وجذب، وتشهد العلاقة حالياً حالة من الشد يمكن الاستدلال عليها من خلال تصريحات الرئيس الروسي” فلاديمير بوتن” في الاول من مارس 2018 التى هدف من خلالها استعراض قدرات موسكو العسكرية التى تشمل صواريخ مبرمجة تعمل بالطاقة النووية، وطائرات دون طيار تعمل تحت الماء ويتم تشغيلها بالطاقة النووية إلى جانب الإفصاح عن سعي موسكو لتطوير أسلحة استراتيجية لا يمكن للدروع الصاروخية اعتراضها، وهو ما اعتبره الحلف رسالة تحذيرية موجهة إليه، وهو ما دفع أمين عام حلف شمال الأطلسي “ناتو” “يانس ستولتنبيرغ” التأكيد على أن الحلف لا يريد حربًا باردة جديدة، ولا يرغب في سباق تسلح جديد.
تصعيد متبادل
شهدت الفترة الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في حدة التوتر في العلاقات الروسية الأوروبية وهو ما ألقى بظلاله على توتر جديد في العلاقات بين روسيا وحلف الناتو في العديد من الجوانب، ولعل أبرز تلك العوامل:
اغتيال “سكريبال”
شكلت محاولة اغتيال الكولونيل السابق ” سيرغي سكريبال” في مارس 2018 فصل جديد من فصول التوتر بين روسيا والاتحاد الأوروبى، والتى ألقت بدورها على أكبر حادثة لطرد الدبلوماسيين في تاريخ العلاقات بينهم، بعدما وجهت الاتهامات الأوروبية لموسكو بالوقوف خلف عملية الاغتيال.
ووفق ما صرحت به الشرطة البريطانية، فإن محاولة اغتيال “سكريبال” كانت عن طريق الحنطة السوداء التي احتوت على مادة “أ-234” السامة، وترجع الحكومة البريطانية أسباب اغتيال سكريبال إلى محاولة موسكو الانتقام منه خاصة بعدما كشف معلومات روسية للاستخبارات البريطانية.
الجدير بالذكر أن سكريبال عميل سابق في الاستخبارات العسكرية الروسية، وشارك في الكشف عن عشرات العملاء الروس للمخابرات البريطانية بدءا من عام 1995 قبل أن تلقي السلطات الروسية القبض عليه في 2004. وحكم عليه بالسجن 13 عاماً عام 2006. وفي 2010، كان من بين المساجين الذين تم تبادلهم بين موسكو من جهة ولندن وواشنطن من جهة أخرى، ليقيم بعدها في إنجلترا.
توتر دبلوماسي
كان لمحاولة اغتيال سكريبال الدافع الأول وراء التصعيد الأوروبي ضد موسكو، حيث قامت بريطانيا في خطوة تصعيدية أولى، بطرد 23 دبلوماسيا روسياً من أراضيها، كما أعلن حلف الناتو في خطوة موازية لبريطانيا، طرد 7 من الدبلوماسيين العاملين في البعثة الروسية في مقر الحلف عوضا عن رفض الحلف منح ثلاثة من القادة الروس تصاريح للعمل في البعثة الروسية، كما قامت أكثر من 20 دولة أوروبية بطرد أكثر من 100 دبلوماسي روسي تضامناً مع بريطانيا.
وفي ابريل 2018 أعلن مدير شؤون التعاون الأوروبي في الخارجية الروسية “أندرى كلين” أنه لم يعد لدى “الناتو” ممثلون في موسكو من الممكن طردهم عقب مغادرة ملحقين عسكريين دول الحلف. ويعكس قرار الحلف القلق المتزايد من سياسات موسكو التي دائما ما يصفها بالعدائية، في ظل العديد من الملفات الخلافية في شبة جزيرة القرم والعديد من الملفات الأخرى كالملف السوري.
على الجانب الآخر، اعتبر وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” أن القرار الأوروبي “غير ودي واستفزازي”، مؤكدا أن بلاده سترد بشكل مناسب، وعلى خلفية هذه التصريحات، قامت موسكو بطرد عشرات الدبلوماسيين من 23 دولة أوروبية، في دلالة على تنامى التصعيد المتبادل بين البلدين.
يذكر أن هذا التصعيد ليس الأول من نوعه ولكنه الأقوى، حيث شهدت العلاقات بينهم توترا في فترات سابقة، ففي عام 1986، طرد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان 80 دبلوماسيا روسيا في فترة الحرب الباردة، كما شهد عام 2016 طرد إدارة أوباما 35 دبلوماسياً روسياً رداً على القرصنة المزعومة للحزب الديمقراطي الأمريكي وحملة هيلاري كلينتون خلال الانتخابات الرئاسية عام 2016 ، وهي اتهامات نفتها موسكو، كما نفت الاتهامات الحالية.
تهديد عسكري
مناوارت روسية جديدة في 4 ابريل 2018، والتي امتدت لثلاثة أيام؛ كانت الشاهد الأقوى على استعراض روسيا لقوتها العسكرية في مواجهة التصعيد الأوروبي، بل إن هذه المناورات فتحت الباب أمام احتمالية المواجهة العسكرية بين قوتين كبيرتين، قد تلقى بظلالها على طبيعة العلاقات المستقبلية بين روسيا والغرب.
يذكر أن هناك العديد من التوترات العسكرية بينهم على خلفية ضم روسيا لجزيرة القرم، حيث أثارت السياسات الروسية في السنوات الأخيرة قلق العديد من الدول المجاورة وخاصة دول البلطيق (ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا).
وعلى خلفية هذه السياسات قام شكل حلف الناتو ما يعرف بقوات “رأس الحربة” لمهام التدخل السريع في عام 2014، جاء ذلك بالتحديد على قرار روسيا بضم جزيرة القرم، كما نشر الحلف العديد من القوات متعددة الجنسيات في دول البلطيق وبولندا، كما طالبت دولة البلطيق من الولايات المتحدة الأمريكية تعزيز قدراتهم الأمنية والعسكرية فضلاً عن محاولة دول البلطيق الاستعانة بالولايات المتحدة الامريكية لتعزيز القدرات الأمنية والعسكرية لدوليهم وهو ما تجسد من خلال إعلان الدول الثلاث مطالبة الرئيس الأمريكي “ترامب” بطرح عدد أكبر من القوات وتعزيز الدفاعات الجوية على الجبهة الشرقية لحلف الناتو.
الناتو يعزز حمايته
على خلفية الاتهامات الأوروبية والأمريكية لروسيا بالتدخل الغير مشروع في دولهم، عمل الناتو على تعزيز الحماية الأمنية دعم السياسات المواجهة لمثل هذه التدخلات الروسية وعلى رأسها التحديات السيبرانية وذلك على غرار الهجمات الالكترونية الروسية لمؤسسات سياسية للتدخل في الانتخابات الامريكية الأخيرة، كما تم طرح مشروع قانون في مارس 2018 بموجبة الحكومة الامريكية 380 مليون دولار مخصصة لحماية أنظمة التصويت من الهجمات الإلكترونية.
كما أعلن الحلف تفعيل المادة الخامسة من ميثاقه، والتى تنص على أنه “إذا تعرض الحلف لهجوم إلكتروني والتي بناء عليها توافق الدول الاعضاء علي مساعدة الدولة التي وقع عليها الاعتداء سواء بصفة فردية أو بالتنسيق مع الأطراف الأخرى”. وذلك بسبب ادرك الحلف حجم التحديات الامنية التي تواجه المجتمع الدولي حالياً وعلى رأسها التحديات السيبرانية وذلك على غرار الهجمات الالكترونية الروسية لمؤسسات سياسية للتدخل في الانتخابات الامريكية الأخيرة.
وتابع الحلف تعزيز سياساته من خلال إجراءات جديدة لتعزيز القدرات الدفاعية سيتم تبنيها في القمة القادمة المقرر عقدها في يوليو 2018، فضلاً عن إعلانه مؤخراً في فبراير 2018 عن اتخاذه قرار بإنشاء مركز العمليات السيبرانية.
مسارات محتملة
المسار الأول: هناك مسار غير متوقع يشمل استمرار التوتر في العلاقات بين الجانبين خاصة في ظل الأزمة الدبلوماسية الكبرى التي تشهدها القارة الأوروبية وهو ما قد يُنذر بقيام حرب روسية غربية.
المسار الثاني والأقرب للواقع؛ يتمثل في سعي الجانبين لإنهاء الأزمة حتى في ظل بقاء العوامل المُعززة من توتر العلاقات, وهو الأمر الذي يمكن الاستدلال عليه من خلال تصريح “ينس ستولتنبرغ” الممثلة في أن الحلف يريد تحسين العلاقات معها، لكنه قلق إزاء تصرفاتها, فضلاً عن التقارب الاقتصادي والتجاري الروسي مع عدد من دول الحلف مثل ألمانيا؛ فلقد شهد التبادل التجاري بين الجانبين قفزة كبيرة خلال عام 2017، حيث نمت الصادرات الروسية إلى ألمانيا بـ21%، وقابلها ارتفاع في الصادرات الألمانية إلى روسيا بـ 25%, بينما بلغ حجم التبادل التجاري ما يعادل 41 مليار دولار.