اشرف صالح يكتب – غزة والأمن القومي المصري
سؤال يعيش مع الفلسطينيين وخاصة في غزة , أحيانا يبقى قيد الصمت لأشخاص لا يحبون الحديث في السياسة , وأحيانا يجهرون به من يحبون الحديث في السياسة , وهو , لماذا مصر مصرة على تحقيق المصالحة ؟ ورغم الفشل في محاولات متقطعة منذ إثنا عشر عاما , والفشل في محاولات متواصلة منذ أكتوبر العام الماضي , إلا أن مصر مصرة على مواصلة جهودها , ولم ولن تتوقف بحسب تصريحاتهم .
إن ملف المصالحة مرتبط ارتباطا وثيقا بملف الأمن القومي المصري , لاعتبارات كثيرة منها سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية , وعندما نتحدث عن مصالحة فنحن نتحدث عن ملف يعتبر مدخل رئيسي لتحقيق أمن مصر القومي عبر بوابة معبر رفح وإثنا عشر كيلوا متر من الحدود الفاصلة بين غزة ومصر , فغزة أصبحت شريكة في ملف الأمن القومي المصري , سواء كانت قوية أو كانت ضعيفة .
نظرتنا كفلسطينيين لغزة تختلف عن نظرة المصريين لها , فنحن ننظر لغزة كونها تحت سيطرة كاملة من قبل حركة حماس , أما المصريين ينظرون لغزة بنظرة أمنية بامتياز وبمعزل عن حركة حماس , فمصر تدرك تماما أن غزة أصبحت أرض خصبة للجماعات الجهادية والتي ترتبط إرتباطا وثيقا بشبه جزيرة سيناء , وعلى رأسها داعش , بالإضافة الى الأحزاب السياسية وفصائلها المسلحة , سواء كانت في إطار منظمة التحرير أو خارج الإطار , ومن هنا فمصر تفرق بين أهداف الجماعات السلفية الجهادية وأهداف الأحزاب الأخرى , مع مراعات أن كلاهما يشكل خطرا على أمن مصر ولكن بطرق مختلفة , فالجماعات السلفية والجهادية وخلايا داعش في غزة تعمل ضد الأنظمة الحاكمة في غزة وفي مصر بشكل مباشر , أما الأحزاب والفصائل المقاومة في غزة قد تشكل خطرا على أمن مصر بطريقة غير مباشرة وغير مقصودة , وهذا في حال حرب رابعة تطيح بأهل غزة وترمي بهم الى أحضان وصدور المصريين طلبا بالحماية , وهكذا تكون غزة في عهدة وحماية المصريين في حال وجود حرب أجبرت الناس على التدفق الى معبر رفح والحدود بيننا وبين مصر .
بالإضافة الى ما ذكرت , فإن عودة السلطة لغزة تعيد هيبة النظام السياسي المصري بما يخص التعامل مع غزة جغرافيا وسياسيا , فمصر معنية أن تتعامل مع غزة عبر قناة السلطة الشرعية , بالإضافة الى ذلك فإن وجود السلطة في غزة سينهي جميع البدائل المطروحة في غزة بعيدا عن المصالحة , لأن هذه البدائل بحد ذاتها قد تشكل خطرا على أمن مصر القومي , فمثلا ؟ الجوع والفقر والبطالة في غزة قد ترمي الشباب في أحضان الجماعات السلفية الجهادية وداعش للتخلص من الواقع , وأيضا قد ترمي بالفصائل بالانفجار في وجه إسرائيل في أي لحظة , وقد ترمي بحركة حماس بتحريك الشارع على الحدود كفجوة خلاص من الواقع , وتخفيف الضغط عنها , وبالفعل قد حدث ذلك من خلال استغلال مسيرات العودة لهذا الهدف , وهذه البدائل باختلافها ستؤذي الأمن القومي المصري , ووجود السلطة في غزة سينهي هذه البدائل المطروحة , والمصالحة هي بوابة وجود السلطة في غزة .
إذا فنحن أمام ظواهر كثيرة في غزة تربطها بأمن مصر القومي , فمصر تتعامل مع غزة بكل تفاصيلها , إنسانيا وسياسيا وأمنيا وعسكريا وجغرافيا , حتى أصبحت مصر شريكة في قرارات حركة حماس بحكم هذا التقارب , وآخر ما تغشاه مصر من غزة هي حركة حماس , فمصر تجد في حماس الأكثر ليونة وبساطة وطوعا , وخاصة بعد وثيقة حماس الأخيرة والتي تؤكد من خلالها أنها تنهي علاقتها بالإخوان وتتقرب من النظام المصري القائم “السيسي”.