اسعد تلحمي : ماذا بعد؟… ماذا لو؟
بقلم : اسعد تلحمي، الحياة ٣-٤-٢٠١٨م
لا تسمح عنجهية إسرائيل لسَدَنتها الإقرار بنجاح فكرة «مسيرة العودة» السلمية، ولا الاعتراف بأن الشعب المغلوب على حقه لن يخلد إلى الراحة فيما براثن الاحتلال تنهش جلده. كما لا يسمح لها جبروتها العسكري بالتعامل الإنساني مع متظاهرين يحتجون على حشرهم وأهالي القطاع في سجن كبير مكتظ يعاني فقراً ومعيشةً ويتهدده الجوع.
استعدت إسرائيل لـ «مسيرة العودة» كأنها تتأهب لحرب عليها بأحدث أنواع الأسلحة، فأطلق قادتها السياسيون والعسكريون تهديدات بأن جميع الوسائل المتاحة لقمع أي محاولة اقتراب من السياج الحدودي، واستقدم قائد الجيش أكثر من مئة من القنّاصة أعطوا الأوامر بفتح نيران حية على من يحاول الاقتراب من الحدود، فتعاملوا مع المتظاهرين كطيور يحلو صيدها فسقط 16 شهيداً ومئات الجرحى، وسط تهديدات بأن التظاهرة المقبلة ستقابَل ببطش أعنف.
وجهت إسرائيل الرصاص إلى صدور مئات الشبان، قتلت وجرحت كثراً منهم، لكنها أخفقت في إحباط عودة القضية الفلسطينية، من خلال التمسك بحق العودة، إلى جدول الأعمال الدولي. عادت القضية التي يريد ترامب دفنها من خلال «صفقة القرن» إلى العناوين العالمية، إلى مجلس الأمن الدولي وإلى الاتحاد الأوروبي وإلى واشنطن التي لم تفاجئ بتبنيها الرواية الإسرائيلية لدوافع المسيرة.
تملك إسرائيل جيشاً وعتاداً عسكرياً هائلاً سبق له أن قمع انتفاضتين فلسطينيتين من دون مراعاة قوانين الحرب. لم يسائلها أحد، قضائياً وحين حاولوا مساءلتها أدارت لهم ظهرها (لجنة غولدستون، مثلاً). لا تقيم الاعتبار للقانون الدولي، ولا لقرارات الهيئات الأممية. تحتمي بدعم أميركي أصبح مطلقاً في عهد الرئيس دونالد ترامب، وترفض سماع أي انتقاد.
لا تخشى إسرائيل المقاومة المسلحة بقدر خشيتها من حراك شعبي سلمي. في الأولى تقتل وتقمع وتعتقل تحت مبرر «الدفاع عن أمنها ومواطنيها». ومع ذلك، وعلى رغم من جبروتها العسكري إلا أنها تهاب الحراك الشعبي السلمي الذي سحب البساط من تحت هذه المبررات.
وقد استعدت إسرائيل أياماً ولياليَ لمواجهة «مسيرة العودة» على حدودها في القطاع كأنها بصدد «حدث يوم القيامة»، معتبرةً سيناريو تسلل فلسطينيين إلى أراضيها «الأكثر رعباً» لأنه يعني انتصاراً فلسطينياً على مستوى الوعي.
يقتات اليمين الإسرائيلي، منذ الانتفاضة الثانية، من المقاومة الفلسطينية المسلحة ليعزز قناعة الإسرائيليين بأن الفلسطينيين رافضون السلام، ويجاهر بعد كل عملية استشهادية أو دهس أو طعن بأن الفلسطيني ليس شريكاً للسلام. هكذا، نجح نتانياهو في سنوات حكمه التسع في تغييب القضية الفلسطينية عن جدول أعمال الإسرائيلي.
ومن مصلحة نتانياهو انشغال الإسرائيليين خلال الشهرين المقبلين في المسيرة في القطاع، فمتابعتها تعني صرف النظر عن ملفات الفساد المنسوبة إليه والمتوقع أن يُبت في مصيرها هذا الشهر.
ومن مصلحة نتانياهو وحكومته أن تفلت الأمور من أيدي منظمي المسيرات لتكون للجيش ذريعة إطلاق النار وقمع الحراك.
نجح الفلسطينيون في حراكهم الشعبي الأول، وهم يعدّون الآن لمسيرات مماثلة تبلغ أوجها منتصف الشهر المقبل في الذكرى السنوية الرسمية للنكبة الفلسطينية. لن تؤدي المسيرات إلى عودة الفلسطينيين إلى ديارهم، لكنها بكل تأكيد تعيد الحياة من جديد إلى قضية باتت منسيّة في أذهان العالم.
المؤمَّل أن يواصل الفلسطينيون حراكهم السلمي وأن يسعوا إلى مضاعفة أعداد المشاركين.
والسؤال كيف ستتصرف إسرائيل لو تضاعفت أعداد المتوجهين نحو حدودها في القطاع إلى مئات الألوف؟ أو في حال شارك في الآن ذاته فلسطينيو الضفة الغربية بمسيرات سلمية مماثلة متزامنة نحو جدار الفصل من الشرق؟ هل يملك الجيش الإسرائيلي، المتعود فقط على تفعيل دباباته وقناصته ومستعربيه، وسائل لمواجهة مسيرات سلمية من الجنوب والشرق أو حتى من الشمال أيضاً يشارك فيها مئات آلاف الشباب والشيوخ والأطفال والنساء؟ هل ينجح الفلسطينيون في وضع اسرائيل أمام مثل هذا الاختبار؟ كل هذا شريطة عدم ارتكاب أي خطأ يمنح إسرائيل ذريعة لتقتلهم وتقتل حراكهم. الحراك الشعبي يخيف إسرائيل ولا بد أن يربكها أكثر، حتى إن تظاهرت بأنها لا تكترث لموقف المجتمع الدولي.