اسرائيل اليوم / في الطريق الى تفويت فرصة استراتيجية
اسرائيل اليوم – مقال – 11/7/2018
اذا لم يقع تطور مفاجيء، فان قمة ترامب – بوتين في فنلندا الاسبوع القادم ستسجل نهاية للحرب الاهلية في سوريا. صحيح أنه في عدة اماكن في أرجاء الدولة بقيت جيوب مقاومة لنظام الاسد، وبينها مثلا نحو ألف من رجال داعش ينتظمون تحت اسم “شهداء اليرموك” على مسافة غير بعيدة من حدود اسرائيل – إلا أنه في نهاية المطاف، يمكن القول إن الرئيس فعل ما لا يصدق وخرج منتصرا من الجحيم الذي خلقه هو نفسه.
كيف تصل اسرائيل الى خط النهاية؟ بشكل لا يمكن فهمه ورغم الفرص التي لم تكن مثلها، الجواب هو – بلا انجازات. فالحرب خلف الحدود لم تجرفنا، وهذه نقطة ليست مفهومة من تلقاء ذاتها. فالهدف الاستراتيجي الذي تقرره اسرائيل لنفسها الآن هو بالاجمال العودة الى وضع الامور الذي كان قبل الحرب، أو كما صاغ هذا رئيس الوزراء إذ قال: “الحفاظ بشكل متشدد على اتفاق الفصل من العام 1974”.
من الصعب أن نصف كم متدن هو مستوى هذا التطلع. فما هي تلك “اتفاقات فصل القوات”؟ معناها أن الاسد يمكنه أن يبني جيشه من جديد؛ معناها عودة الى طاولة تهديد الحرب التقليدية بين اسرائيل وسوريا؛ معناها تأهب خالد في هضبة الجولان خوفا من هجوم مفاجيء سوريا على نمط حرب يوم الغفران، بما في ذلك الاحتفاظ بألوية من الدبابات في الجولان في حالة تأهب دائمة؛ معناها أن الساحة الجغرافية الاستراتيجية انقلبت رأسا على عقب، ولكننا نتحدث مثلما تحدثنا في العام الماضي.
اذا كان ينبغي أن نقول الحقيقة، فان اسرائيل حتى لا تعود الى نقطة البداية، إذ من نواح عديدة سيكون الوضع أخطر بأضعاف، إذ ليس فقط سوريا ستهددنا من الشمال، بل وسيدتها الاكبر، روسيا ايضا. وليس هما فقط بل وايران ايضا، سواء مباشرة أم من خلال المليشيات، وبالطبع في ظل محاولات التواجد الدائم. وينضم الى هذه الجوقة حزب الله. الذراع الاستراتيجي لايران يعود الى لبنان مدرب، خبير، مسلح، والآن محرر لأن يتحدانا حين يجد ذلك من الصواب.
حتى من الناحية السياسية، التي هي أقل اهمية لموضوعنا، لا يبدو أن اسرائيل توشك على تحقيق انجاز ما. هنا وهناك كانت احاديث عن السعي الى اعتراف دولي بهضبة الجولان، ولكن وفقا للتسريبات التي خرجت من واشنطن يبدو أن ترامب لن يستجيب لهذا الطلب. بعد ايام أو اسابيع ستعود سوريا لتكون سوريا، وكأنه لم تكن سبع سنوات حرب، وكأنه لم تكن فرص، وكأنه لم تكن امكانيات.
ولكنها كانت. كان يمكن تثبيت حقائق استيطانية في هضبة الجولان؛ استغلال ضائقة حزب الله وتوجيه ضربة ساحقة لمخزوناته من الصواريخ؛ مساعدة الاكراد. كان يمكن، ولا يزال، المطالبة بتجريد سوري مضاعف من السلاح مما في تلك الاتفاقات البائسة من العام 1974. ليست هذه حكمة في نظرة الى الوراء. فهذه الاقتراحات رفعت في الزمن الحقيقي في جلسات الكابنت، في الصحف وعلى منصات اخرى. ولكن اسرائيل، من رئيس الوزراء وعبر الوزراء المتغيرين وحتى الاجهزة الامنية، تجمدت على حالها بسبب قصر نظر استراتيجي.
يدير نتنياهو منظومة علاقات حميمة وغير مسبوقة مع بوتين ومع ترامب على حد سواء. في الساحة السورية وجهت هذه العلاقات – ولا سيما مع بوتين – الى انجازات هامة، وعلى رأسها حفظ حرية العمل الاسرائيلية. أما الرفع للمستوى الاستراتيجي الذي كان يفترض به أن يكون نتيجة لهذه الاحداث، فلم يحصل. “الشرق الاوسط يجتاز هزة تاريخية”، شرح لنا نتنياهو مرات عديدة جدا. فهل الحد الاقصى الذي كان يمكن لاسرائيل أن تستخلصه من ذلك هو فقط أن تتلقى مرة اخرى الاسد يجلس على الجدران؟ بالتأكيد لا.