اسرائيل اليوم– بقلم يوسي بيلين – 30 سنة : الخطأ الذي اسقط السور
اسرائيل اليوم– بقلم يوسي بيلين – 8/11/2019
حصل هذا في 9 تشرين الثاني 1989. كانت فيكتور شافوفسكي سياسي من المانيا الشرقية. عندما بدأت الكتلة الشيوعية تهتز، في ظل التغييرات التي اجراها رئيس الاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، كان هو احد الاشخاص الذين ادعوا الى تنحية الزعيم الالماني العجوز أريك هونيكر، وتعيين اغون كرانتس، بما يرضي موسكو. واصبح شافوفسكي الناطق غير الرسمي بلسان القيادة الجديدة، وفي المؤتمر الصحفي اياه اعلن عن تسهيلات دراماتيكية في العبور من شرق برلين الى غربها. وعندما سُئل متى ستدخل التسهيلات الى حيز التنفيذ، تلبث قليلا وقال – بناء على رأيه – “من هذه اللحظة”.
ارادت السلطات ان تستعد للتغيير، فتدفع بافراد من الشرطة ليرابطوا في المعابر ولتضمن تسجيل العابرين. غير أن رد شافوفسكي اخرج على الفور الاف الاشخاص من بيوتهم في شرق المدينة نحو شطرها الغربي. ولم يتمكن افراد الشرطة القلائل عند السور، بل ولم يحاولوا، منعهم. صعد الشباب الى السور، حطموه وعبروا الى الطرف الاخر. هذه القصة الغريبة جعلت 9 تشرين الثاني 1989 اليوم الذي يحيي فيه الناس نهاية الحرب الباردة.
كانت البداية في مؤتمر بوتسدام، بعد شهرين من نهاية الحرب العالمية الثانية. وكان ترومان هو الرئيس الامريكي الجديد، وجاء تشرتشل بعد خسارة حزبه في الانتخابات في بريطانيا، وفقط ستالين جاء كمنتصر وكمجرب مستقبله امامه. واتفق في المؤتمر على أن تتوزع القوى العظمى الثلاثة وفرنسا فيما بينهم المانيا المهزومة وان تكون برلين، الواقعة عميقا في منطقة الاحتلال السوفياتي، جيبا يقسم هو الاخر بين الاربعة. وكانت نية الجميع منع برلين والمانيا كلها من ان تستيقظ مرة اخرى وتنهض من الرماد.
لسنوات قليلة كانت برلين مفتوحة، وكان يمكن لسكانها أن يتنقلوا من الارض المحتلة الى ارض محتلة اخرى بلا صعوبة. وفقط في 1949، قررت القوى العظمى الغربية ان تقيم في المناطق التي تحت سيطرتها المانيا الغربية وعاصمتها بلدة بون. وفي برلين ايضا وحدت القوى الثلاثة اراضيها وهكذا نشأت برلين الغربية. وردا على ذلك اقام السوفيات المانيا الشرقية.
غير أن الفجوة اتسعت بسرعة. ازدهرت المانيا الغربية اقتصاديا بمساعدة سخية من الولايات المتحدة. وتخلفت المانيا الشرقية وراءها، وبدأت موجة كبيرة من الفرار الى الغرب. في الاتحاد السوفياتي اقيمت في 1952 حدودا طويلة بين المانيا الشرقية وغربها، منعا للهجرة. غير أنه تبين عندها ان هذا ليس كافيا: جيب برلين الذي يوجد في داخل المانيا الشرقية ولكن غربها كان جزءا من دولة المانيا الغربية، كانت مدينة مفتوحة، وبقيت البوابة الاخيرة التي يمكن للاوروبيين الشرقيين، بمن فيهم المانيا الشرقية وبرلين الشرقية ينتقلون غربا.
الزعيم الاسطوري لالمانيا الشرقية، وولتر اولبرخت، ضغط على نيكيتا خروتشوف زعيم الاتحاد السوفياتي لاقامة سور بين شرق برلين وغربها، على خلفية الهروب الذي لا يتوقف (40 الف كل شهر). في 1961 اقر السوفيات اقامة السور، بل تم تكثيفه وتعزيزه جدا على مدى السنين. نحو 140 الف شخص حاولوا التذاكي عليه قتلوا، وكثيرون آخرون اصيبوا وسجنوا.
زار الرئيس كيندي السور في 1963، والقى خطابا بجانبه قال فيه “انا برليني”، ولكن رغم المطالبات لازالته بقي السور على حاله على مدى 155 كليومتر، كرمز بشع للتعسف وللفصل المصطنع. سلم العالم بوجوده، وحتى الالمان اعتقدوا انهم لن يروا في حياتهم برلين واحدة.
بعد بضعة اسابيع من سقوط السور زرت برلين. كان مذهلا رؤية السهولة المفاجئة للانتقال من الغرب الى الشرق. من جهة شعرت بعدم ارتياح من أن برلين اياها، الاكثر فظاعة، تعود لتكون مثلما كانت. من جهة اخرى كانت رغبة في التصديق بان هذا جيل آخر واناس آخرون وان ليس في توحيد برلين اي شيء من شأنه ان يعيدهم الى الايام الاكثر سوادا في تاريخ البشرية. بعد 30 سنة بقي لدي ذات الاحساس المزدوج اياه.